المقاهي الشعبية دليلك الخاص للقاهرة

جذبت السياح بالشيشة والشاي الأخضر وعبق التاريخ

مقاهي القاهرة الشعبية من الأماكن التي تجذب السياح في القاهرة لأنها لا تزال محافظة على عراقتها وأسلوبها التقليدي
TT

في فصل الشتاء بالعاصمة المصرية القاهرة، يفضل السياح الإقبال والجلوس على المقاهي الشعبية الشهيرة في منطقة وسط البلد ومنطقة الحسين ذات الزخم التاريخي، بدلا من المقاهي التي تتسم بالنمط الغربي والتي توجد بوفرة أيضا في القاهرة، إلا أن المقاهي الشعبية تمكنت من جذب السياح بعراقتها وخصوصيتها وطرازها الفريد، مما جعل السائح يجلس في ليل الشتاء وهو مستمتع بشرب الشاي الأخضر والشيشة ويتذوق أطيافا من الثقافة المصرية.

فحين قدومك من ميدان التحرير أشهر ميادين القاهرة وأيقونة الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الحكم السابق، باتجاه ميدان طلعت حرب بمنطقة وسط البلد (سرة العاصمة) والتي تشتهر بمبانيها القديمة ذات الطرز المعمارية المتنوعة، وكذلك محلات بيع الملابس والشركات والبنوك، يلفت نظرك وجود العديد من المقاهي الشعبية المفتوحة في الهواء الطلق، والتي تحمل رائحة وعبق القاهرة القديمة بثقافتها وأصالتها الشعبية، ويمثل روادها خليطا من الطبقات المثقفة والأجانب، ولا تتعدي أسعارها الدولار الواحد لكوب الشاي المعبق بأعواد النعناع الأخضر، ستندهش للحشود الكبيرة التي تجلس على طاولات هذه المقاهي، خاصة من السياح وفي فصل الشتاء.

ومن أبرز هذه المقاهي، مقهى «ريش»، أو «ريش كافيه»، و«التكعيبة» و«زهرة البستان» و«الندوة الثقافية»، «والبورصة»، ويمتاز مقهى «ريش» بالطابع الكلاسيكي الفرنسي. وبتاريخ عريق حيث بدأ المقهى نشاطه في وسط البلد عام 1916، وكان قاعدة لثورة 1919، الذي أسسه النمساوي بيرنارد شتينبرغ، والذي تشعر بمجرد الدخول إليه أن الزمن قد عاد إلى ما قبل 60 عاما، وتنتقل من عصر إلى عصر من خلال الصور والقصاصات والقصص والكتب والجرائد القديمة وصور لألمع الكتاب والمفكرين الذين كانوا من رواد هذا المقهى، وملصقات لأحداث فنيه وثقافية ومعارض للفنون التشكيلية، كما يلفت نظرك الطراز الخاص الذي يتمتع به المقهى، ويجذب السياح إليه، لأنه يشعرهم بالعودة إلى العهد الملكي في مصر وأنهم يعاصرونه.

ولسنوات طويلة كان المقهى ملتقى الأدباء والشعراء والمثقفين أمثال أديب نوبل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل، ونجيب سرور ومحمد عفيفي مطر، ويحيى الطاهر عبد الله، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، ونجيب سرور، وكمال الملاخ، وأحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي، وغيرهم ممن كانوا يحرصون على حضور ندوة نجيب محفوظ الأسبوعية التي كان يعقدها بالمقهى في عصر كل يوم جمعة منذ عام 1963.

أما مقهى «زهرة البستان» فكتب على لافتة المقهى بخط بارز بجانب الاسم «ملتقى الأدباء والفنانين»، وهو يمتاز بوجود العديد من المناضد والكراسي المتراصة لتسع العديد من أفواج الأجانب.

وعلى بعد خطوات من مقهى «ريش» و«زهرة البستان»، يوجد مقهى «الندوة الثقافية» بشارع الألفي، ويجاور «الندوة الثقافية» على بعد خطوات قليلة، مقهي «الحرية» وهو يطل على ميدان الفلكي وبه ركن خاص للمشروبات الكحولية والبيرة، ويتميز المكان بمساحة كبيرة تجعل منه مكانا خصبا لتلاقى العديد من البشر من الأجانب المقيمين بالقاهرة والسائحين.

ولعل أشهر المقاهي التي تجذب السياح بوسط البلد مقهى «التكعيبة» بشارع حسين المعمار، وتتمتع بسمعة كبيرة بين مقاهي وسط البلد، حيث توصف بأنها مقهى المثقفين والمعارضة في الوقت الحاضر، فعليها تقام الأمسيات الشعرية والأدبية، كما يقع بجوارها مسرح «الروابط» الذي قدم العديد من العروض المستقلة المهمة، وأيضا مركز «التاون هاوس» وبه العديد من قاعات معارض الفن التشكيلي.. كل هذا يجذب السياح للجلوس في هذا المقهى الذي تدار به حلقات نقاش ثقافية وأدبية.

وفي مقهى البورصة بجوار مقر البورصة المصرية بوسط البلد، والتي يعود تاريخها لأكثر من 50 عاما، كان يجلس أرنو وساندرا صديقان جاءا من باريس في رحلة سياحية إلى مصر، يفضلان الجلوس في المقاهي الشعبية التي تمثل لهما الجو المصري والثقافة المصرية، يقول أرنو (30 عاما): «جذبتني طبيعة المقاهي المصرية، التي تختلف كثيرا عن ديكورات وأشكال المقاهي الأجنبية التي اعتدنا الجلوس عليها في بلادنا، ونحن الآن في رحلة سياحية ونحب أن نقضي آخر أوقات اليوم هنا على مقهى البورصة».

وبينما كانت ساندرا تشرب الشيشة وتتعالي الأدخنة، تحدثت قائلة: «حينما تذهب إلى مصر لا بد أن تعيش مثل أهلها وسط الناس، وترى طبيعة حياتهم، وأنا أفضل الجلوس في المقاهي الشعبية لأني أشعر بارتياح بها، وأشعر أن كل الناس حولي، وأنني مع أصدقائي وأسرتي».

ويرى علاء محمد (25 عاما)، يعمل بأحد مقاهي البورصة، التي يبلغ عددها الآن أكثر من 30 مقهى، أن مقاهي البورصة من أكبر مناطق الجذب السياحي خاصة للأجانب، فهم يشعرون بالجو الشعبي المصري وبساطة حياة المصريين، كما أن وجود العديد من الناس حولهم وتعامل المصريين معهم بود وحب يشعرهم بارتياح وأمان.

وأشار محمد إلى أن السياح يحبون شرب الشيشة وأيضا طراز المقاهي الشعبية التي تختلف كثيرا عن المقاهي الأوروبية التي اعتادوا على الجلوس فيها.

وبعيدا عن منطقة وسط البلد، تمتاز منطقة الحسين أو القاهرة الفاطمية بمقاهيها التي لها تاريخ عريق وطراز خاص، من أشهرها مقهى الفيشاوي، وهي أيضا من أهم مزارات نجيب محفوظ، ويرجع تاريخه لعام 1772 في العصر العثماني في عهد والي مصر محمد بك أبو الذهب، وكان بها صالة الباسفور وكانت مخصصة للملك فاروق، حيث اعتاد أن يقضي فيها اليوم الأول من شهر رمضان كل عام، وكانت كذلك مخصصة لكبار ضيوف مصر، وأكثر ما يميزها تقديم الشاي الأخضر بالنعناع الطازج.

ووسط الموسيقى الشرقية وعزف العود، جلس كريم ايلمر، مغربي ألماني، يدرس في مصر ويتحدث اللغة العربية بصعوبة، في قهوة الفيشاوي بالحسين، قائلا: «أحب أن أرى الثقافة المصرية، وأشعر بالجو العربي في المقاهي الشعبية، أفضل الجلوس في مقهى الفيشاوي لكي أسمع الموسيقى الشرقية والأغاني المصرية القديمة».

وأضاف ايلمر (20 عاما)، الذي يدرس اللغة العربية والاقتصاد في مصر: «قرأت وعرفت عن مقهى الفيشاوي من السيرة الذاتية للأديب العالمي نجيب محفوظ حائز جائزة نوبل، فعلمت أنه كان يأتي إلى هنا ويكتب مؤلفاته وقصصه، لهذا أتيت لأرى هذا المكان، وأعجبني كثيرا».

وبلغة عربية ركيكة، قالت هيكا ألمانية الجنسية، تدرس في مصر اللغة العربية والاقتصاد، كانت تجلس بمقهى الفيشاوي: «أنا أحب الجو الشرقي، وأحب أن أشرب الشيشة، وأسمع الموسيقى الشرقية، وأحب الجلوس بمقاهي الحسين، وأنا في مصر لتعلم اللغة العربية».

ويقول إيهاب عز، يعمل بمقهى الفيشاوي، إن السياح يفضلون شرب الشاي الأخضر الدافئ في الشتاء، والذي يشتهر به مقهى الفيشاوي، بالإضافة إلى الشيشة، كما أن الجو العام وتصميم المقهى وسماع الموسيقى الشرقية وأغاني الزمن الجميل، يشعرهم بحالة من الطرب والاستمتاع، وكأنهم عادوا إلى زمن الفن الجميل فعلا، فمعظم زبائن المكان لديهم خلفية كبيرة عن المقهى قبل أن يأتوا إليه.

وأكد عز، أن كل ما هو شرقي يجذب السياح لأنه الشيء المختلف «وأنت تعلم الممنوع مرغوب، ففي بلادهم لا توجد مثل مقاهي الحسين أو المقاهي الشعبية إلا فيما ندر، لهذا السائح يكون في غاية السعادة وهو ممسك بالبراد الأزرق ويصب الشاي الموضوع على صينية نحاسية، وكأنه إنسان شرقي وليس غربيا، دائما السياح يفضلون الشعور بأنهم غير مختلفين عن الشعوب التي يسافرون إليها».

ومن أشهر المقاهي أيضا «مقهى الحرافيش» الواقع في بداية شارع الملك فيصل في الجيزة، ويتميز مقهى الحرافيش بواجهته الخارجية كما أن على مدخله تمثال للأديب العالمي نجيب محفوظ، فاسم المقهى يحتفي بواحدة من أهم أعماله الروائية، والتي يعدها النقاد بمثابة ملحمة تجسد روح الحارة الشعبية.. ويحرص مقهى الحرافيش كل مساء على تقديم برنامج ثقافي متنوع، يجمع بين العزف والغناء لنماذج من التراث الغنائي المصري والعربي.