كندا.. قطعة من أوروبا في الأراضي الأميركية

دولة شابة نابعة من المعارك الاستعمارية

TT

بعد ثانية واحدة من نزول المسافر من الطائرة في أي من مدن الساحل الشرقي لكندا، يدرك أن كندا «مختلفة» بحق. وليس هذا فقط لأنها واحدة من أكثر البلدان روعة في فصل الخريف، أو لأنها دولة يتحدث أهلها لغتين رسميتين؛ وإنما فقط لأن كندا مفعمة بروح أوروبية في قلب قارة أميركا الشمالية.

في حقيقة الأمر، تمثل الشخصية الكندية صراعا دائما بين التقاليد الإنجليزية الصارمة والطابع الفرنسي المميز، الممتزجين بلمحات من العديد من جنسيات العالم. ونتاج ذلك، دولة شابة، مدفوعة بتاريخها، ومنبثقة عن المعارك الاستعمارية. والمحطة الأولى في الرحلة هي مدينة تورونتو التي يغلب عليها الطابع الحديث. إنها أكبر مدن كندا، على الرغم من أنها ليست عاصمة لتلك الدولة الخاضعة للنظام البرلماني الملكي التي ما زالت تحيا في ظل النظام الأخلاقي لملكة إنجلترا، إليزابيث الثانية.

وتعتبر تورونتو مدينة تجارية، وبها ثلاثة عناصر جذب رئيسية: زيارة البنوك القديمة التي تم تحويلها إلى فنادق ومطاعم فاخرة، وتناول وجبة أو احتساء أحد المشروبات بأحد ناطحات السحاب العديدة الموجودة بها، أو التجول في أحد أحيائها الأكثر تميزا، مثل «تشاينا تاون» أو «ليتل إيطالي».

تتمثل أكثر الصور تعبيرا عن تورونتو في برج «سي إن»، ثاني أعلى برج في العالم، الذي يبلغ ارتفاعه 553 مترا. ويوفر أعلى نقطة مراقبة (تصل إلى 447 مترا)، حيث يستطيع أي زائر تناول وجبة في مكان يطل على المدينة. ومع ذلك، فإن أكثر المواقع تأثيرا لا يتمثل في نافذة.. إنه جزء واضح من التربة يسمح برؤية الخلفية.. المدينة بصورة مصغرة.

إنه مشهد جاذب لأي سائح.. تورونتو تحت قدميه. ويقع برج «سي إن» في قلب مدينة تورونتو بالقرب من منطقة التسوق وعلى مقربة من صالة الهوكي «روجرز سنتر» وصالة كرة السلة «إير كندا سنتر»، اثنتين من أهم الرياضات في المدينة.

وفي فصل الشتاء، يشيع التزلج على البحيرة الاصطناعية الواقعة أمام «نيو تاون هول». ويقع مبنى البلدية، «ذي تورنتو سيتي هول»، في واحدة من أكثر ناطحات السحاب شهرة في المدينة، التي أقيمت في الستينات.

وترسم ناطحات السحاب هذه منظرا أفقيا مماثلا لمنظر مدن مثل نيويورك. فعليا، تعتبر العلاقة بين هاتين المدينتين قوية جدا. وتبعد مدينة نيويورك عن كندا مسافة 800 كيلومتر وتقع المدينتان (تورونتو ونيويورك) على جانبي حد طبيعي يفصل هاتين الدولتين، وهو شلالات نياغرا.

ويميز الطريق المؤدي من تورونتو إلى هذه الشلالات وجود غابات كثيفة وبحيرات ضخمة. ويعتبر فصل الخريف أفضل الأوقات لزيارة هذا الجزء من كندا، نظرا لأن أشجارها تحمل اللون الأصفر المائل إلى البني، مما يجعل ورق شجر القيقب أكثر من مجرد رمز للدولة. لقد أصبحت هذه الشجرة الشهيرة أكثر العناصر أهمية في إبراز الهوية الكندية، على الرغم من أن صورتها الظلية مسجلة في العلم الوطني للدولة قبل 58 عاما ومن خلال الرغبة المعلنة للملكة إليزابيث الثانية.

ليست شلالات نياغرا هي أعلى الشلالات في العالم ولا أكثرها إبهارا. وعلى الرغم من ذلك، فإن من السهل جدا للسائحين الوصول إليها، ومن الواضح أنها تمثل صورة فيلمية. تبحر سفينة، «ذي ميد أوف ذي ميست»، كل نصف ساعة، منذ عام 1846، إلى قلب هذين الشلالين، الواقعين على مسافة 55 مترا.

وتتم الزيارات من مايو (أيار) إلى أكتوبر (تشرين الأول) من الساعة العاشرة صباحا. غير أن هذه ليست الطريقة الوحيدة للابتلال في هذه الشلالات. هناك أيضا خط سكة حديد فوق المنحدرات وربما يختار السائحون الشجعان تسلق أحد المرتفعات بجانب الشلالات، غير أن هذه الرحلة تتطلب ارتداء أحذية مناسبة ومعطف ثقيل. ويتمثل أفضل خيار في القيام برحلة قصيرة بطائرة هليكوبتر، غير أنها دائما ما تعتمد على الحالة الجوية.

وبعد صعوبة المياه، يجبر السائح على المرور بـ«نياغرا أوف ذي ليك». تظهر هذه القرية في أرض بها مزارع للكروم. وينتاب السائح شعور بأنها قرية منعزلة. وهي أشبه بالمدينة التي تظهر في الأفلام الأميركية، حيث يبدو جميع سكانها مفعمين بالسعادة.

وفي حين أصبحت أونتاريو وعاصمتها تورونتو تحمل طابعا بريطانيا في كندا، فبعد ساعة ونصف فقط بالطائرة، تظهر مونتريال واحدة من أبرز المدن التي تحمل الطابع الفرنسي. ويشير سكانها باعتزاز إلى أن كندا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر عضوا في كل من المنظمة الدولية الفرانكوفونية والكومنولث.

وعلى الرغم من ذلك، فإن مونتريال نجحت في ترسيخ هويتها الخاصة. كان اسمها الأصلي هو «فيل ماري». وقد تأسست على يد جيان ماوكو ميسونوف التي تعد امرأة مهمة في نشأة تلك المستعمرة حديثا. وجاء تغيير الاسم مع الوجود الإنجليزي، حيث لم يكن الإنجليز قادرين على نطق كلمة «فيل ماري» بطريقة صحيحة، فقاموا بتغيير الاسم إلى مونتريال.

ويتألف أحد أقدم الشوارع في المدينة بشكل حصري من المراكز الرئيسية القديمة لكبرى المؤسسات المالية وشركات التأمين في الدولة. ويشير ذلك إلى أن تطوير هذه المدينة تم على يد سلطتين مهمتين في القرن التاسع عشر؛ الكنيسة والبنوك.

تم افتتاح أول مؤسسة مالية في كندا، «بنك مونتريال»، في مواجهة الكاتدرائية، في محاولة للتوفيق بين قوتها والسلطة الدينية.

يجب أن تبدأ زيارة المدينة القديمة من شارع سان بول، مع وضع ميدان جين كارتييه في الاعتبار، حيث تقع ساحة المدينة القديمة بالقرب من حديقة فرنسية.

يمكن استشعار كلا التأثيرين؛ الإنجليزي والفرنسي. في حقيقة الأمر، قسمت مونتريال أمتارها بين هذين المصدرين: يظل الجزء الغربي محتفظا بطابعه الخاص، فيما تظهر الروح الإنجليزية والتأثير الفرنسي في الجزء الشرقي. وفي هذا الجانب، بإمكان الزائر السير في أحد أشهر شوارع المدينة، وهو شارع رو سانت دينيس.

مؤخرا، بدأت تزداد الهيمنة الفرنسية لأنه في هذا الجزء توجد أشهر الأحياء، وهو «بلاتو مون رويال». وقد أضحى منطقة أوروبية تضم متاجر صغيرة وشركات صرافة ومقاهي.. وليس هذا شائعا في مدينة عادة ما تحيا في الشتاء في الخفاء، أما في الصيف، فتتجلى في مراكز التسوق والمناطق السكنية والحدائق الكبرى.

وفي مونتريال الحديثة، أو في المنطقة المالية، توجد الكاتدرائية الكاثوليكية. وهي تمثل نسخة طبق الأصل من الفاتيكان، لكن حجمها أصغر منها بثلاث مرات. ويمكن رؤية قبتها من أي مبنى في المدينة.

غير أنها ليست المنشأة الدينية الوحيدة التي تسعى لتجسيد جانب من أوروبا القديمة، حيث تقع كنيسة سان جوزيف على أحد تلالها. وقد شيدت في الفترة ما بين 1904 و1910، وحتى الآن، يذكر المبنى بصورة الـ«مون مارتر» في باريس، نظرا لتصميمه وسلالمه الطويلة.

تستلزم زيارة مدينة مونتريال التوغل في الأعماق والسير لمسافة 32 ميلا من المدينة الواقعة تحت الأرض. وفي الرحلة، يمكن العثور على أفضل المتاجر والمطاعم وأيضا دخول أحد أشهر فنادق مونتريال، وهو فندق «سان جيمس».

ويتجلى المخزون التقليدي من الوجود الفرنسي في هذه الدولة في جدران مدينة الكيبيك القديمة، الوحيدة في شمال المكسيك. وقد تأسست في عام 1608 على يد مجموعة من المستوطنين الفرنسيين بقيادة سوفيل دو تشامبلين.

وهي تقع على صخرة، ودائما ما تتطلع إلى شريان حياتها، ألا وهو نهر سان لورانس. وتبدو الكيبيك أشبه بأي مدينة في وسط أوروبا؛ فتصميم المباني ورائحة الشوكولاته الساخنة وطعام مطاعمها الصغيرة والترحيب الفرنسي من سكانها والبرودة الشديدة.. جميعها عوامل تجعل السائح ينسى أنه في أرض أميركية.

وقد أدت التحف المعمارية القيمة فيها إلى اختيارها موقعا للتراث العالمي في عام 1985. ويتمثل أهم معالم المدينة في قصر «سانت لويس»، وفندق «شاتو فرونتيناك» الفاخر، الذي يضم قاعة رقص ضخمة، وحيث يمكن للزائر أن يستقل عربة قطار هوائي للتوجه لمنطقة المرفأ.

ويعتبر «فروتيناك» أحد المباني الرئيسية التي أقامتها سكك حديد الباسيفيك الكندية في القرن التاسع عشر بهدف جذب سائحين جدد من الأثرياء.

يزداد في المدينة عدد المقاطعات، المقسمة إلى جنسيات، مع وصول المستوطنين إلى مرفأ أهم أنهار كندا. ويتمثل أقدم جزء في المنطقة الفرنسية، غير أنه يمكن العثور على المنطقة الإنجليزية والمنطقة الأسكوتلندية والآيرلندية.. حتى إنهم شنوا حربا بين الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية.

وفي الجزء القديم، يمكن زيارة ساحة «ريال» حيث أسس المدينة، وشارع «تريزور» حيث يوجد الرسامون كما هي الحال في باريس، وحيث يوجد أحد أكثر المناطق الرائعة للسير والجلوس واحتساء مشروب الشوكولاته الساخنة.. «بتيت شامبلين».

* صحافية تعمل في جريدة «إلموندو» الإسبانية ومتعاونة مع جريدة «الشرق الأوسط»