استكشاف المغاور أقدم رياضة يمارسها اللبنانيون

سياحة من نوع آخر تعتمد على المغامرة والغوص في عالم مجهول

ممارسة استكشاف المغاور تزود صاحبها بالهدوء والراحة النفسية
TT

تعتبر رياضة استكشاف المغاور في لبنان من أقدم الهوايات التي يمارسها اللبنانيون، والتي تطورت مع الوقت لتستقطب الشباب اللبناني بكل شرائحه لما فيها من مغامرة واستكشاف مناطق سياحية جديدة كونها تتطلب من ممارسها السير لمسافات طويلة في الطبيعة بين الجبال والوديان.

في لبنان نحو 500 مغارة تعتبر مغارة جعيتا أكبرها وأشهرها ومساحتها 9 كلم أما مغارة الرويس الواقعة في بلدة العاقورة فتعتبر ثاني أكبر المغاور في لبنان ومساحتها 5 كلم، وتستقطب حاليا وبشكل لافت طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس والعائلات اللبنانية التي تهوى هذا النوع من الرياضات، وتنظمها شركات سياحية ومؤسسات رياضية أيام عطلة الأسبوع في فصل الشتاء وفي باقي أيام الأسبوع في أيام الصيف. أما مغارة أفقا التي تقع في بلدة أفقا فتحل في المركز الثالث من حيث أهميتها وتبلغ مساحتها 5 كلم وتليها مغارة عين اللبنة في العاقورة أيضا ومساحتها 4 كلم.

تتألّف مغارة الرويس من ثلاثة طوابق ويمر فيها نهر جوفي يقوم فوقه جسر طبيعي يربط منطقتي العاقورة والمجدل، ويقع إلى جانبها مغارة أخرى تعرف بعين اللبنة. كما تتضمن نفقا طويلا (متاهة) وتجري فيها عدة مناسبات بينها حفلات أعياد ميلاد أو سهرات عائلية أو شبابية تدور على أضواء الشموع، وقد عثر فيها المنقبون على بقايا أثرية مختلفة.

يتطلب الوصول إلى بعض المغارات الزحف أو التسلّق، وأكثريتها تفرض على من يدخلها ارتداء ثياب خاصة تحميهم من كدمات ووحل ومياه وبرد المغارة، وحذاء متين يساعدهم على التسلق ومواجهة الانزلاق، وتكون رؤوسهم مغطاة بقبعة بلاستيكية، يعلوها ضوء أساسي يعمل على «الكاربير» وآخر «كهربائي» احتياطي. هذه المعدات ترد عنهم سقوطا مفاجئا لحجارة أو تصادما محتملا بصخرة صلبة من صخورها من جهة، وتنير لهم طريقهم في الداخل من جهة أخرى. أما على ظهورهم، فحقائب بلاستيكية، منها ما يحتوي على حبال ومعدات صغيرة تستخدم في الدخول والخروج والتسلق والهبوط، ومنها ما يتضمن إسعافات أولية وطعاما ومياها، ويُمنع منعا تاما دخول هذه المغاور دون أشخاص متدربين لديهم خبرة خاصة في استكشاف المغاور، لا سيما أن المغاور بشكل عام تسودها الظلمة وتتطلب أحيانا السير في المياه والوحل مما يجعلها تدخل في خانة الرياضات غير المرفّهة، ومن يمارسها عليه أن ينسى كل مظاهر الأناقة حتى البسيطة منها كونه سيتعرض أحيانا إلى الانزلاق أو لتمزيق ثيابه من جراء التسلق. بماذا يجب أن يتمتع هواة هذه الرياضة؟ يقول جيلبير مخيبر، المهندس السياحي والممثل لجمعية Aremdt - Mada et le tour operateur 33north لسياحة مسؤولة وتضامنية، الذي شارك في استكشاف عدة مغاور في لبنان، إن الصبر والقوة البدنية أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها هواة هذا النوع من الرياضة فهي لا تتطلب تقنية معينة لأنها ترتكز على المشي وبخطوات صغيرة وبصمت تام لساعات طويلة وفي أماكن وعرة أحيانا وبين الثلوج أحيانا أخرى، وفي الوحل والمياه بصورة عامة.

ويضيف مخيبر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «ممارسة استكشاف المغاور تزود صاحبها بالهدوء والراحة النفسية، خصوصا أن ممارسها يشعر وكأنه في عالم ينفصل تماما عن العالم الخارجي، حيث تنعدم وسائل النقل أو الاتصال، كما أنها تدخل في إطار الرياضة المرتكزة على الانضباط بحيث تتطلب التقيد بإرشادات معينة يفرضها الدليل السياحي المرافق لهم والبقاء ضمن دائرة الجماعة أو الفريق الذي هو واحد من أفراده في الرحلة الاستكشافية التي يقوم بها». وتجري أحيانا ضمن هذه الرحلات مسابقات في الركض أو في البحث عن الكنز، وعادة ما تتراوح أعمار ممارسيها ما بين الثماني سنوات وما فوق، وهناك كثير من العائلات اللبنانية التي تهوى ممارستها كونها متاحة أمام جميع أفرادها كما يقول مخيبر.

بعض هذه المغاور وإضافة إلى التشكلات الجيولوجية التي تتضمنها كالصواعد والهوابط الجليدية (stalagmites et stalactites) يتم العثور فيها أيضا على أنواع حشرات غريبة تأقلمت بطبيعتها، ولا نجدها خارجها، وأحيانا أخرى أنواع أسماك تعيش في بركها الطبيعية رمادية اللون تتحرك بواسطة السمع.

ومن المغاور الأخرى الموجودة في لبنان نبع الشتوي في منطقة جزين ومغارة قاديشا، وهذا النوع من المغاور سكنه أهالي هذه المناطق في أيام الحروب والاضطهاد في القرن الثاني عشر إذ كانوا يختبئون في داخلها.

إضافة إلى المغاور هناك أيضا الهوّات وهي نوع من المغاور العميقة وموجودة بكثرة في لبنان كهوة «فوار دارة» و«القطين» و«هوة العبد» و«هوة البدوية» و«هوة بسكنتا»، وهذه الأخيرة ما زالت قيد الاستكشاف، ويقع بعضها على عمق 600 متر، وبعضها كـ«هوة صاليبا» المعروفة بجدرانها المطوية (على شكل آلة الأكورديون الموسيقية) يصدر جوفها أصواتا موسيقية.

والمعروف أن أول ناد لاكتشاف المغاور في لبنان تم تأسيسه عام 1951 تحت اسم «نادي التنقيب في المغاور»، على يد ليونيل غرّة وسامي كركبي وألبير عنافي وريمون خوام. وكان الاكتشاف الأول لمغارة جعيتا عام 1873 من قبل مهندسين بريطانيين كانوا يعملون في شركة مياه بيروت. وفي عام 1940 نجح أحد المستغورين، وهو ليونيل غرة، في استكشاف مغارة جعيتا مع فريق فرنسي، ثم تابع الاستكشاف مع فريق عمل لبناني عام 1945. وفي عام 1955 اكتشف سامي كركبي هوة فوار دارة (والهوة هي فجوة عمودية). وفي عام 1962 اكتشفت مغارة عين لبنة في العاقورة، وبعد ذلك مغارات وادي قاديشا قنوبين والمطران ورويس وقطين عازار والريحان وعدلون وانطلياس ومار شليطا وهوة اليود في عكار.