الأندلس.. ملامح من الإسكندرية ورقة مارسيليا ونفحات من المدن الإغريقية

الوجوه سمراء والطباع لاتينية والثقافة شرقية

مالاغا مدينة اسبانية بطابع عربي والأندلس بلاد الثقافة والتاريخ ومهرجانات تراثية على مدار أيام السنة ومرفأ يستقبل اجمل اليخوت وأغلاها
TT

تعد مقاطعة «كوستا ديل سول»، جنوب إسبانيا، من أقرب المناطق جغرافيا وثقافيا إلى العالم العربي. فالوجوه سمراء، والطباع لاتينية، والثقافة شرقية. وينتمي الترابط العائلي أكثر إلى ثقافة البحر المتوسط عنه إلى بلاد شمال أوروبا الباردة. وقضاء عطلة صيفية أو شتوية في المنطقة، التي يعرفها العرب باسمها التقليدي، الأندلس، يمكن أن يفتح آفاق التعرف على شعب غير عنصري، وعلى ثقافة قريبة من الشرق كان للعرب يد في تشكيلها. وهي أيضا فرصة قد ينظر إليها البعض من باب الاعتزاز بتاريخ حافل أو التحسر على مجد زائل.

والوصول إلى الأندلس سهل عن طريق الطيران إلى مدريد ومنها عبر رحلة داخلية تستغرق نحو الساعة إلى مطار «مالاغا» أو «ملقة» باسمها العربي. وتمتد المنطقة ساحليا حتى ماربيا شرقا وميناء مالاغا غربا. ولا يهم أين يختار الزائر مقر إقامته في المنطقة ما دام ينوي استكشاف المدن والقرى القريبة أثناء فترة إقامته ولا يكتفي فقط بموقع الفندق أو المسكن السياحي الذي يقيم فيه.

والأسلوب الأمثل للتعرف على معالم الأندلس، التي تصل شمالا إلى غرناطة، وغربا إلى قرية فريغيليانا، هو استئجار سيارة وزيارة أكثر من مدينة وقرية أثناء فترة الإقامة. والمنطقة ترضي كل الأذواق، حيث تمتد الشواطئ على طول الساحل، وتنتشر المقاهي والمطاعم ومحلات الهدايا في كل الشوارع. وتقدم المنطقة أيضا اللمسات التاريخية والثقافية مثل قصر الحمراء في غرناطة، ومتحف بيكاسو في مالاغا، والقرى الأندلسية الخلابة مثل قرية ميخاس.

لكن حتى من دون سيارة يمكن للسائح أن يستخدم المواصلات العامة بسهولة. فهناك خط حديدي مكيف ومنتظم كل 30 دقيقة يربط مالاغا بمدن الساحل حتى مدينة فوينخيرولا. ويمر القطار على مدن سياحية مهمة مثل توريمولينوس، و«بن المدينة» وأرويو. ويمر هذا الخط بمطار مالاغا أيضا. ومن يريد الذهاب إلى أبعد من الخط الحديدي، إلى مدن مثل ماربيا وايستبونا وسان بيدرو وميخاس، فعليه استخدام الباصات العامة التي توفر أيضا خدمات منتظمة إلى هذه المدن.

وتوفر العديد من القرى السياحية منتجعات متكاملة بها حمامات سباحة وملاعب تنس وغولف وحدائق للأطفال. وهناك من يذهب للمنطقة للاستمتاع بهذه المزايا داخل المنتجعات من دون الخروج منها. ولكن الاستمتاع بالمنطقة يحتم التجول فيها والاختلاط بأهلها وهم في أغلبهم يرحبون بالسياح ويوفرون لهم الضيافة اللائقة. وهي منطقة مر عليها وحكمها العديد من الأجناس قبل أن تعود إلى الإسبان، وسكنها تاريخيا الفينيقيون والإغريق والرومان والعرب.

وقبل السياحة كانت المنطقة تعيش على صيد الأسماك، وما زالت هناك بعض القرى التي تشي بأصلها وتوفر السمك الطازج في مطاعمها المنتشرة على الساحل إلى السياح الزائرين. ولم تدخل السياحة إلى المنطقة إلا في خمسينات القرن الماضي، وفي السبعينات والثمانينات اجتذبت المنطقة الطبقات الأوروبية الأرستقراطية. ولكن سوء التخطيط في بعض المناطق وتكدس المنشآت السياحية التي تكاد تحجب الشاطئ بحوائط إسمنتية حولا أنظار السياح إلى مناطق أخرى، وتراجعت شهرة المنطقة أكثر عندما بدأت تسوق نفسها لفئات شعبية من السياح لمجرد شغل المساحات الشاغرة في الفنادق.

الآن تحاول كوستا ديل سول أن تستعيد مكانتها عبر قوانين متشددة للبناء وعبر تشجيع الجوانب الثقافية والتراثية في المنطقة وليس فقط الشواطئ والشمس الشتوية. وعلى الرغم من وجود مئات الشواطئ المنتشرة والمزدحمة صيفا بالإسبان والسياح معا، فإن هيئات السياحة الإسبانية تركز على المعالم الراقية مثل ملاعب الغولف حيث يوجد نحو 50 ملعبا في المنطقة بعضها يقع فوق جبال وهضاب خلابة بمشاهد مباشرة على البحر.

وتنتشر حول مالاغا أيضا الحدائق الطبيعية التاريخية التي يعود تاريخ بعضها إلى قرون استعمار إسبانيا للقارة اللاتينية، حيث توجد أشجار ونباتات فريدة من أصل لاتيني لا مثيل لها في أوروبا. كما توجد بعض الكهوف تحت الأرضية التي يمكن استكشافها في مدينة نيرخا الساحلية غرب مالاغا.

ويميز التراث الأندلسي المنطقة عن غيرها من مناطق إسبانيا الأخرى. فتجرى المهرجانات السنوية التي تسمى «فيريا» في مدن الساحل على مدار العام، وأكبرها يقام في مالاغا في شهر أغسطس (آب) من كل عام، ويطير البعض إلى المدينة من أنحاء العالم لحضوره. وتشمل المهرجانات مواكب على الخيول لفتيات يرتدين فساتين فلامنكو وشباب في بدل سوداء تماثل ملابس مصارعي الثيران. وتنتشر رقصات الفلامنكو نهارا وملاهي الأطفال ليلا في مناخ يشبه مناخ الموالد في مصر. وعلى الرغم من الضغوط الأوروبية لمنع رياضة مصارعة الثيران في إسبانيا، فإن الأندلس ما زالت تسمح بها، ويمكن حضور مباريات مصارعة الثيران على حلبات بالقرب من توريمولينوس وفي مدينة روندا الجبلية الشهيرة.

الأنشطة العائلية الصيفية يمكنها أن تكفي شهرا كاملا من الزيارات اليومية. وهي تشمل حديقة حيوان محلية (في فوينخيرولا)، والحديقة المائية التي توفر الرياضات المائية بالقرب من توريمولينوس، وعالم «سيلوا» وهو يقدم منطقة سفاري يطوفها الزائر على شاحنات وحدائق أخرى لمشاهدة ألعاب الطيور واستعراضات الدلافين. هناك أيضا حديقة أسماك تسمى «عالم البحار» بالقرب من «بن المدينة» وتجاور مارينا مترامية الأطراف لليخوت تضارع مارينا ماربيا الشهيرة. ويمكن زيارة حديقة التماسيح وحلبة سباق عربات الأطفال (كارتنغ) والذهاب إلى مدينة الملاهي «تيفولي وورلد» أو حتى التنزه على الشاطئ بعد الغروب حيث الباعة الأفريقيون ينتشرون بالعديد من البضائع الرخيصة من الساعات والحقائب ولعب الأطفال. وهي مقصد سياحي رائع لهواة القيادة، حيث الطرق الجبلية الملتوية المؤدية إلى روندا تشتهر بصعوبة زواياها، وحلبة السباق القريبة من توريمولينوس، بالإضافة إلى الطرق السريعة التي توازي الساحل أو تنطلق شمالا نحو غرناطة وسيفيل، ويمكن تأجير سيارة عبر الإنترنت وتسلمها بسهولة من مطار مالاغا عند الوصول ثم تسليمها عند نهاية العطلة.

المطعم الأندلسي شبيه بالمطعم الشرقي، وأهم وجباته صحن الأرز بالأسماك البحرية المعروف باسم «باييا»، كما تشتهر بعض المطاعم بأطباق المقبلات التي يطلق عليها الإسبان اسم «تاباس». لكن الوجبات الدولية متاحة في كل المطاعم التي تقدم قوائم الطعام وبها صور للوجبات ووصف بثلاث لغات للتغلب على مشكلة التفاهم. ويتحدث معظم السقاة لغة واحدة على الأقل إلى جانب الإسبانية، وهي في الغالب اللغة الإنجليزية.

ومن يفضل التجول في المدن سوف يعجب بمدينة مالاغا كثيرا. فهي مدينة إسبانية بحتة تعيش أيامها ولياليها مثل كل المدن الكادحة الأخرى على شواطئ البحر المتوسط، وتكشف عن ملامح تاريخ حافل عبر قلعة تاريخية على هضبة بجوار المدينة إلى الحدائق التي تتخلل أكبر شوارعها، والميناء الذي ما زال يعمل يوميا على نقل البضائع والركاب من وإلى المدينة. في مالاغا سوف يرى الزائر العربي ملامح من جمال الإسكندرية في الأربعينات، ولمحات من رقة مارسيليا الفرنسية، ونفحات من المدن الإغريقية. وهي ملامح معمارية شرق أوسطية لا تتكرر في أي مكان في العالم. وتحافظ مالاغا على طبيعتها ويذوب فيها السياح، على عكس مدن مثل ماربيا تبدو مصقولة ومتألقة لكنها ليست أصيلة، وكأنها مدينة لا يسكنها إلا السياح والغرباء عن إسبانيا.

من المدن التي تستحق الزيارة في الأندلس روندا الجبلية، حيث مشاهد الأخدود الجبلي الشاهق وحلبة مصارعة الثيران التي تتوسط المدينة، والمقاهي التي تنتشر على حواف الجبل. وهناك أيضا مدينة ميخاس التي يمكن الوصول إليها صعودا من الساحل عند فوينخيرولا، وتوفر مناخ القرية السياحية الأندلسية، حيث يمكن تناول الطعام في احد مطاعمها المنتشرة في الأرجاء. وهي تطل من على ربوة جبلية على سهل الأندلس، ويمكن مشاهدة البحر منها عبر عدة أميال من البيوت الريفية بيضاء اللون. أما قرية فريغيليانا التي تقع على الجانب الآخر من مالاغا، فهي تمتاز بطرقها الضيقة النظيفة وبيوتها البيضاء وبوتيكات الهدايا الأنيقة التي تنتشر في أطرافها.

وتتميز المنطقة بأسلوب حياة بطيء الإيقاع، خصوصا في فصل الصيف حيث النهوض صباحا ثم النوم عصرا أثناء فترة القيلولة (أو السييستا) ثم السهر مساء حتى ساعات متأخرة، حيث الجو اللطيف بعد غروب الشمس. وهي وإن كانت أغلى من السنوات الماضية (فنجان القهوة بنحو 2.5 يورو)، إلا أنها ما زالت أرخص من مناطق اليورو الأخرى. ولمن يريد الاقتصاد في التكاليف فإن عليه الابتعاد كلما أمكن عن المناطق السياحية. فتكاليف وجبة لعائلة كبيرة في أحد المطاعم الجبلية بالقرب من مالاغا، على مقربة نصف ساعة بالسيارة، تعادل ثمن وجبة لاثنين فقط على الشاطئ السياحي بالقرب من توريمولينوس. وبوجه عام ترتفع الأسعار تلقائيا بنسبة 10 في المائة خلال فصل الصيف، خصوصا في شهر أغسطس من كل عام. وهو أيضا شهر الازدحام وصعوبة الحصول على مكان لتوقيف السيارة.

وأفضل توقيت لزيارة المنطقة من حيث الطقس يكون في الربيع والخريف، وبالنسبة لساكني شمال أوروبا فإن التوقيت الأفضل هو فصل الشتاء للهروب من الصقيع والجليد.