«شانزليزيه لبنان» يستعيد بريقه

شارع الحمراء يخطف الأضواء من الجميزة ومونو بكيلومتره الواحد

TT

على الرغم من صغر مساحته التي لا تتجاوز الكيلومتر الواحد، فإن شارع الحمراء يعتبر أحد أهم مراكز السهر والتسوق في بيروت ويستقطب اللبنانيين من كل حدب وصوب، ولا سيما الشباب الجامعي منهم، كونه يتلاءم بأجوائه ومحلاته الموزعة على جانبيه وفي متفرعاته مع أذواقهم المتنوعة التي تخرج أحيانا عن المألوف.

فشارع الحمراء الذي عرف في السبعينات بـ«شانزليزيه لبنان»، وبعد أن شهد فترة من الركود أثناء الحرب اللبنانية، عاد اليوم لينبض من جديد وليتحول إلى شارع مليء بالحركة، يزدحم بالمارة من ناحية وبالسيارات والعربات الخشبية النقالة من ناحية ثانية، التي حمل عليها الباعة من بضاعة ومنتجات استهلاكية ما يجذب الناس ويحثهم على الشراء السريع. فما إن تطأه قدماك حتى تشعر بالحياة تتسلل إلى أحاسيسك وتجعلك تتأبط بها وكأنها ستنتهي مع انتهاء نزهتك فيه.

يطالعك في بدايته مبنى مصرف لبنان، وما إن تشق طريقك فيه حتى تلاحظ المحلات التجارية المتلاصقة على أنواعها، وهناك وعلى الأرصفة المقابلة تصطف المقاهي والمطاعم، وفي شوارعه الصغيرة تتوزع الفنادق، وفي وسطه ضوضاء أبواق السيارات المزدحمة وصفارات رجال شرطة السير، جميعها إشارات ورموز تعلمك أنك في شارع الحمراء العريق.

أكثر من 40 مطعما وعشرات المقاهي والحانات ومئات المحلات التجارية الخاصة ببيع الألبسة الجاهزة على أنواعها، يحتضنها شارع الحمراء، الذي يصفه رئيس جمعية التجار فيها زهير العيتاني لـ«الشرق الأوسط» بالمول الضخم (مركز تجاري) الذي لا يمكن أن تزوره دون أن تلقي بنفسك في ظلاله فتتناول ساندويش شاورما على السريع، أو تجلس في استراحة إلزامية في أحد مقاهيه، أو تتوزع وأفراد عائلتك على طاولة مطعم يقدم لك ما تشتهيه من أطباق لبنانية أو إيطالية أو فرنسية وغيرها من أنواع الطعام سريعة التحضير التي تواكب أذواق الشباب. أما محلاته التجارية، فتجد فيها كل ما تتمناه من ألبسة سبور أو خاصة بالسهرة والأعراس أو بالرياضة والسباحة وحتى بالإكسسوارات والآلات الموسيقية والأشرطة المسجلة الغنائية والمصورة.

ولا يمكنك أن تفرّق ليل شارع الحمراء عن نهاره، إذ يستمر في الازدحام بالسيارات والمشاة الذين يتنقلون في متفرعاته، مثل شوارع جاندارك وابن عبد العزيز وكاراكاس والمقدسي وبليس وغيرها، ليرتادوا إحدى حاناتها التي تستهوي محبي السهر والموسيقى الحية، كون غالبيتها، مثل «رابيت هول»، و«فلو»، و«دانيز»، و«أبو إيلي»، و«أبو أندريه»، و«زوايا»، و«د.ر.م»، و«فبراير30»، و«دق عالخشب»، و«موجو»، تتضمن برامج السهر فيها عزفا وغناء وموسيقى حية، يشارك فيها فرق غنائية أجنبية وأخرى لبنانية، وأحيانا كثيرة فنانون شباب أمثال آلين لحود وعيسى غندور وكذلك فنانون عرب أمثال إلهام المدفعي.

تقول سيلين مهنا، (23 عاما)، طالبة في الجامعة الأميركية وأحد رواد مطعم «موجو» بشكل مستديم: «لا يمكن إلا أن أمضي ليلتين أو أكثر في إحدى هذه الحانات لأنها تعيد إلي الشعور بالحياة والفرح»، «بينما يقول نسيب طربيه، (32 عاما)، وهو موظف في شركة طيران عربية: «شارع الحمرا بمثابة فسحتي اليومية التي أقوم بها مع أصدقائي دون ملل، لأن فيه كل ما يخطر على البال من موسيقى عربية وغربية». أما ناتالي فليفل، (27 عاما)، وهي تعمل موظفة استقبال في أحد فنادق شارع الحمراء، فتقول: «ما إن أخطو في هذا الشارع حتى أشعر بلبنان الحلو الذي كان يحدثني عنه أهلي منذ طفولتي».

أما أحاديث رواد هذا الشارع والملونة بغالبيتها بالإنجليزية والفرنسية، فيتناول فيها أصحابها مواضيع غير مستهلكة في المجتمعات اللبنانية العادية، كالطاقة الشمسية، وأحدث البرامج الإلكترونية على الإنترنت، والهندسة المعمارية الحديثة، وموسيقى زياد الرحباني وخالد الهبر، إضافة إلى جديد هذا الشارع من مراكز سهر، يستدلون عليها من بعضهم البعض ليقصدوها ويكتشفوا ميزتها.

ويؤكد زهير العيتاني، رئيس جمعية تجار شارع الحمراء، أن نهضته الأخيرة ونفض غبار كل قديم عنه جعلا هذا الشارع يعيش حياة جديدة قد لا تكون بأهمية الحقبة التي عاشها في السبعينات، ولكنها دون شك تركت آثارا إيجابية على تاريخه الجديد الذي يعود إلى ما قبل خمس سنوات، ويضيف: «لا يمكن حصر نوعية الشرائح الاجتماعية التي تؤم هذا الشارع، ولكن باستطاعتي القول إنها تمتاز بالثقافة وتذوقها للموسيقى وإلا لما لاحظنا هذا النمو المتزايد لنسبة الحانات المستضيفة لفرق وفنانين أجانب وعرب ولبنانيين ومقاه يجتمع فيها أهل الثقافة والإعلام والفنون الجميلة باستمرار والتي يتم افتتاحها بين الحين والآخر، وكذلك قاصدو مسرح المدينة الوحيد في الشارع الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم».

أما باسكال قزي التي تعمل مشرفة عامة لمقهى ومطعم «فلو» في شارع الحمراء، الذي يستقطب اللبنانيين من جميع الأعمار، فتؤكد أن «حب التغيير وعدم الدخول في نفق الملل دفع بهذا الشارع المتجدد دائما إلى خطف الأضواء من شوارع بيروتية أخرى كـ(مونو) و(الجميزة)، وإن محبي السهر في شارع الحمراء لا يمكن أن تلتقيهم في غيره، كونهم اعتادوا نمطا معينا من الأجواء لا يجدونها في أماكن أخرى».