تطاوين.. خصب الخيال ومرتع الديناصورات

روعة الصحراء التونسية وسحرها

المدينة واقعة في قلب الصحراء
TT

تطاوين (نحو 500 كيلومتر جنوب تونس العاصمة) مستعدة باستمرار لتوديع واستقبال الأحداث الثقافية والوفود السياحية والاستكشافية، كما كانت، ولا تزال هدفا للمخرجين السينمائيين العالميين، ولا سيما منتجي أفلام الخيال العلمي، والأفلام التراثية، وحتى قصص الحب المشهورة.. فالصحراء التونسية تخصب الخيال الشعري، والعلمي، والإبداع المطلق. ففي تطاوين ينتظم «مهرجان مسرح الطفل» في شهر فبراير (شباط) من كل سنة، ومهرجان «القصور الصحراوية» في شهر مارس (آذار)، تزامنا مع المهرجان الإقليمي للموسيقى. ومهرجان «عمر خلفة» للمسرح خلال شهر أبريل (نيسان) من كل عام، ويخصص شهرا أبريل ومايو (أيار) لمهرجان «التراث» ومهرجان «سيدي عبد الله بوجليدة» خلال شهر مايو، و«أيام سينما الطفل» خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، و«ملتقى بن عرفة الوطني» خلال شهر ديسمبر، و«مهرجان تطاوين الصيفي» خلال شهر يوليو (تموز)، و«مهرجان المدينة» كل رمضان، وجميعها مهرجانات سنوية تشهدها تطاوين المفعمة بالحركة.

ولو لم يكن في تطاوين (نحو 39 ألف كيلومتر مربع) سوى القصور الصحراوية، لكان ذلك كافيا لشد الرحال السياحية إليها، حيث يوجد بها 150 قصرا صحراويا بين مطماطة وتطاوين، وهي إلى جانب بعدها التاريخي تمثل نماذج عن المخزون الحضاري في تونس، إذ إن الحضارة استيعاب وتجاوز في إطار منظومة جامعة تهيمن على النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي.

وقد روعي في هندسة القصور الجانب الأمني، ولا سيما تلك التي بنيت في أعالي الجبال وفي أماكن يصعب غزوها بسهولة، مما يوفر لأصحابها فرص النجاة والتفكير في المصير الذي وجدوا أنفسهم فيه. أما القصور التي بنيت في السهول بعد الفتح، فهي مثال لحياة الأمن والاستقرار والازدهار ووجود قوة حامية للتنمية والنسل والخصوصية.

وتعد تطاوين منطقة زراعية، حيث يربي الأهالي الماشية، ويمكن للزائر أو السائح رؤية قطعان الأغنام والماعز، وحتى الأبقار والجمال، وهي ترعى على مد البصر. كما يعتني أهالي تطاوين بزراعة الأشجار المثمرة.

وتتمتع تطاوين بوجود إذاعة خاصة، ومكتب للتوجيه السياحي، وتتوفر فيها خدمات التاكسي وسيارات الأجرة والتأجير، التي يسوقها الحريف بنفسه مقابل معلوم لا يزيد عن 30 يورو في اليوم. وبها قرية حرفية تجمع الصناعات التقليدية، ورواق الصناعات التقليدية، ورواق خاص بالصناعات الجلدية. كما تتمتع بخدمات البنوك وبها أكثر من 20 بنكا بين محلي ودولي.

وهناك كثير من المشاريع التي يعتزم بعثها في المنطقة، منها مشروع بناء المعهد العالي للفنون والحرف، ومشروع المعهد العالي للدراسات التكنولوجية، وكلا المعهدين ستبدأ الدراسة بهما، كما هو مقرر، العام المقبل.

إلى جانب ذلك تتمتع تطاوين بمتحف بيئي وعلمي وتاريخي، حيث عثر على آثار تدل على أن المنطقة كانت مرتعا للديناصورات من مختلف الأنواع والأحجام، لا سيما في المناطق الجبلية التي يتخذها بعض الصيادين، وكثير منهم من منطقة الخليج، لصيد الطيور اللاحمة.

كما توجد بالمتحف قطع لنيازك سقطت على الأرض في ثلاثينات القرن الماضي، وقطع من الأسلحة المستخدمة في العصور السحيقة، بما في ذلك السهام والحجارة المدببة وغيرها.

وتطاوين متحف طبيعي في حد ذاتها، ففي «جرجر» و«الدويرات» و«غمراسن»، شاهدنا الكهوف الصخرية التي تحمل رسوما جدارية على مستوى الحيطان والأسقف تعود لأكثر من 5 قرون خلت، وهي تؤرخ لطبيعة الحياة في ذلك الوقت والعقائد التي كانت سائدة، إلى جانب توثيق مهم للحياة اليومية لسكان المنطقة في تلك الحقب البعيدة.

سكن الأمازيغ تطاوين، وتعني بلغتهم «العيون»، وفيها أقام الرومان الحصون الدفاعية بعد استيلائهم على تونس، وعند الفتح الإسلامي وطرد الرومان من البلاد أعجب العرب بالمكان الذي يشبه البيئة الصحراوية، مع طقس معتدل وخضرة أكثر وأوسع ومجال رحب للرعي والزراعة، فوسعوا السدود وطوروا من نظام الري. وتعاونوا مع الأمازيغ الذين دخلوا في الإسلام بعد أن كانوا يخافونه، فنزلوا من الجبال التي تمترسوا بها وتصاهروا مع العرب، وبنوا معا حضارة واحدة نقلوها بقيادة طارق بن زياد «الأمازيغي» إلى الأندلس. وقد اهتم العرب بتطاوين لمزاياها المتعددة إلى جانب قربها من الجزائر التي تحدها من جهة الغرب، وليبيا من جهة الشرق، بينما تقع ولايات (محافظات) مدنين وقابس وقبلي (بتسكين القاف ونصب الباء واللام) شمال تطاوين.

وفي التاريخ الحديث ساهمت المنطقة في المقاومة ضد المحتل الفرنسي، ومن هذه الإسهامات معركة «رمتة» في 25 سبتمبر (أيلول) 1915، ومعركة «مغري» في 15 أكتوبر (تشرين الأول) من نفس العام، وكان أبطال هاتين المعركتين من أبناء الجهة.

ويبلغ عدد سكان تطاوين نحو 300 ألف ساكن، وبها الكثير من المصانع والمؤسسات، مثل مصانع الجبس والطوب الأحمر (الآجر)، كما توجد بالمنطقة آبار نفطية (160 ألف برميل يوميا) تعمل بها شركات عالمية، كـ«بريتش غاز» وغيرها. وتتوفر بتطاوين ثروة مائية عميقة هائلة، وثروة مائية معدنية، كما تسمح بيئتها الصحراوية بإجراء مسابقات الرالي الصحراوي وسباق الهجن.