«تانغوبان بيراهو».. بركان خامد في منطقة باردة

من أكثر أماكن الجذب السياحي في إندونيسيا

بمجرد إشعال السيجارة وملامسة النيكوتين الناتج منها لصخور الجبل البركاني تنبعث كمية كبيرة من الأبخرة
TT

رائحة الكبريت تعم أرجاء المكان، وفي منطقة جبلية يتسم جوها بالبرودة رغم امتلائها بأبخرة ساخنة مصدرها فوهة بركان خامد منذ أكثر من 40 عاما، ومع زيادة البرودة تتصاعد تلك الأبخرة بشكل أكبر للأعلى، ذلك هو «تانغوبان بيراهو»، البركان الذي يقع على بعد 25 كيلومترا شمال منطقة باندونق في إندونيسيا.

وباعتبار أن باندونق تعد إحدى أشهر المناطق الجاذبة سياحيا والتي تقع على بعد 28 كيلومترا من العاصمة الإندونيسية، جاكرتا، فإن الجبل البركاني «تانغوبان بيراهو» يوفر كثيرا من الأماكن التي عادة ما تكون محل استكشاف من قبل السياح والزائرين.

اسم «تانغوبان بيراهو» يعود إلى أحد رموز قبيلة الـ«سانديز» الذي يدعى «ساندقو راينق»، حيث يعني اسم البركان «المركب المقلوب»، كونه يشبه إلى حد كبير شكل السفينة المقلوبة، إذ إن قمة المتعة يراها السائح بالنظر إليه من الأعلى للأسفل أو بشكل أفقي حيث تظهر بشكل واضح الغابات المحيطة بهذا الجبل.

ونتيجة تطاير الحمم البركانية منذ مئات السنين، تكون كثير من الصخور في المنطقة المحيطة بالجبل، إلى جانب تحول تلك المنطقة إلى منحدر يحوي نهرا قديما يسمى «سيتاروم» ويصب فيه شلال تكونت حوله كميات من الطين الممزوج بالمعادن الكبريتية الناجمة عن الأبخرة المتصاعدة من البركان الميت.

هذا الطين بات يستخدم في علاج كثير من الأمراض الجلدية مثل الإكزيما والحساسية وغيرهما، عدا عن آلام الظهر والمفاصل والعظام الناتجة عن كبر السن، الأمر الذي زاد من أعداد المرتادين للجبل سواء كانوا سياحا أو حتى مواطنين.

وبحسب ما ذكرته أمينة، المرشدة السياحية، التي تعمل في المنطقة منذ نحو 12 عاما، فإن هذا الجبل البركاني بات أحد أشهر معالم منطقة باندونق طوال 40 عاما، لافتة إلى أن الأبخرة المتصاعدة منه قد تخف قليلا خلال موسم الأمطار.

وقالت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لا يشكل هذا الجبل البركاني أي مصدر خوف لسكان المنطقة باعتباره ميتا، وهو ما جعل كثيرا من سكان المنطقة يروجون لمنتجات متمثلة في المسبحات ومعاصم اليد المصنوعة يدويا من صخور الجبل، إلى جانب الحقائب المصنعة من جلود الثعابين».

وأشارت إلى وجود كثير من البرك المائية الناتجة عن البركان التي تتفاوت درجات حرارتها ما بين 20 و40 و60 و70 وحتى 100 درجة مئوية، حيث تستخدم في علاج آلام العظام والمساج باستخدام طين المعادن الكبريتية، مضيفة: «بإمكان السائح خوض تجربة سلق البيض في المياه التي تصل درجة حرارتها إلى 100 درجة مئوية، وذلك بواسطة إنزاله عبر سلال لمدة 10 دقائق كي يتناوله بعد ذلك مسلوقا».

وفي ما يتعلق باختلاف درجات حرارة تلك البرك المائية، أفادت المرشدة السياحية بأن ذلك يعتمد على قربها أو بعدها عن مركز البركان في قاع الجبل، وتابعت: «يمكن للزائر مشاهدة تأثير إشعال السيجارة بالقرب من الصخور البركانية التي تحوي معدن الكبريت بلونه الأصفر، حيث إنه بمجرد ملامسة النيكوتين لهذه الصخور فإن كميات كبيرة من الدخان تنبعث أمام عينيه».

جبل البركان «تانغوبان بيراهو» له 3 اتجاهات يستطيع السياح السير فيها، والمتمثلة في «كوا راتو» و« كاوا دوماس» و«كوا أوباس»، إذ يعد الثاني منها مخرجا لكثير من المياه ذات الـ100 درجة مئوية، عدا عن وجود منطقة استجمام تم اكتشافها عام 1969.

وفي عام 1992 تم إغلاق منطقة الاستجمام لمدة لا تزيد على 9 أيام على خلفية مخاوف مجموعة من الخبراء في البراكين من هيجان البركان مرة أخرى، في حين تقع في شمال البركان «منطقة الموت» التي تمت تسميتها بذلك نتيجة احتوائها على غازات سامة.

«بوكي أنقول» أعلى قمة في الجبل البركاني، ويبلغ طولها نحو 2209 أمتار، بينما يسمى قاع الجبل «تامبوماس» الذي يصل طوله إلى 1684 مترا، حيث يجد السائح فيه بالإضافة إلى البرك المائية أماكن مغلقة مخصصة للمساج بالطين التي قد يفضلها السائحون ممن يرغبون في نوع من الخصوصية أثناء ذلك.

وهنا، علقت أمينة قائلة: «يتم استخدام الطين المليء بالمعادن الكبريتية رمادي اللون، وذلك بعد غسل الجسم بمياه البرك لمدة 30 دقيقة إلى ساعة بحسب رغبة الشخص، ويترك الطين حتى يجف ويتحول للون الأبيض مع الاستمرار في تدليك الجسم».

«كوا راتو» هو حفرة كبيرة رمادية اللون، تتعرض أحيانا لتجمع مياه الأمطار في منتصفها، في حين قد تتركز بها غازات سامة وتتصاعد منها، مما يجعلها تشكل خطورة على الأراضي والنباتات الموجودة حولها، إذ يمكن للسائح مشاهدة المزروعات التي دمرتها تلك الغازات والأبخرة الكبريتية.

وعلى جوانب هذه الحفرة، ثمة طبقات مكونة من مواد مختلفة تتضمن الصخور والأتربة والحصى، التي شكلت مع مرور الوقت حفرا جديدة تكونت مرارا وتكرارا، وهي متناثرة في غرب وشرق الجبل البركاني.

أما «كوا دوماس» فهي تعد الأكثر شهرة من بين الاتجاهات الـ3 للبركان، وهي الأصغر حجما كونها موجودة في الشمال الغربي من الجبل البركاني، إذ تحوي غابات وأشجارا، بالإضافة إلى نباتات شبيهة بالطحالب باتت تغطي الصخور الموجودة في تلك الحفرة.

ومن أشهر أنواع الأشجار الموجودة في هذه الغابات نبات الـ«ماناراشا» الذي يرتبط بقصة خرافية ما زال سكان باندونق يؤمنون بها، وهي أن تناول أوراق تلك الأشجار يعيد بشرتهم إلى مرحلة الشباب، فضلا عن أنها تضفي على المرأة الجمال، إضافة إلى ضرورة الاستحمام بماء البركان البارد كونهم يعتقدون بأنه يجلب لهم البركة والحماية.

وبالعودة إلى المرشدة السياحية، التي تقول: «إحدى السيدات كانت تأكل من أوراق هذا النبات طوال حياتها، حتى أنها أصبحت جدة ولم يتغير شكلها إطلاقا، حيث إنها ظلت محافظة على رونق شبابها إلى أن توفيت منذ زمن بعيد».

وأثناء السير في الغابات التي تأخذ السائح من أعلى قمة في الجبل حتى القاع لمسافة 1.6 كيلومتر، هناك أركان مخصصة لبيع منحوتات صخرية ومعادن وجذوع أشجار بإمكانه اقتناؤها كقطع زينة.

إحدى البائعات قالت لـ«الشرق الأوسط» من أشهر تلك المنحوتات جذوع أشجار الـ«بوسيل» التي لديها خاصية تحولها إلى قطع حجرية مع مرور الزمن وفي مدة لا تقل عن 100 عام، بحسب قولها.

الجدير بالذكر، أنه في نهاية الجبل البركاني «تانغوبان بيراهو» توجد منطقة شبيهة بالتل تسمى «سياتر» وتضم كثيرا من مزارع الشاي، إضافة إلى وجود كثير من الأكشاك الصغيرة التي يبيع فيها سكان منطقة باندونق مشروب الشاي.