قبرص.. طبيعة صاخبة وجمال هادئ

بافوس.. عاصمتها قبرص في العهد الروماني.. خلطة حب وآثار

موقع «تيكي هالة سلطان» في لارنكا
TT

على عكس المعالم الأثرية والأساطير التي ترتبط بمعظم المناطق في جزيرة قبرص، تأتي الطبيعة العذراء الخلابة لتكشف واقعا قل نظيره وهي تضج بهدوء هذا الجمال الصاخب المتآلف مع هدير البحر، في مشهد رائع كفيل بأن يمنح زائرها راحة نفسية طويلة الأمد. مجرد أن يخرج السائح من مطار «لارنكا» وهو المطار الأكبر في قبرص، سيشعر خلال تنقله بين طرقات المدن التي تحيط بها الأشجار من كل حدب وصوب، وكأنه في منطقة ريفية تشبه إلى حد كبير تلك القرى اللبنانية، على الرغم من كل ما يشوبها من أعمال وحفريات في الطرقات تحضيرا لحدث تولي قبرص رئاسة الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة.

في لارنكا، وإن لم تكن الإقامة طويلة، سيتسنى لزائرها استكشاف بعض معالمها الأثرية منها والطبيعية. وأبرز هذه المعالم «مسجد أم حرام» أو ما يعرف في قبرص بـ«تيكي هالة سلطان» التي دفنت في هذا المكان مع اثنين من رجال الدولة العثمانية، الأمر الذي جعله يتحول إلى مزار للقبارصة والسياح المسلمين، ولا سيما في أيام الأعياد والمناسبات الدينية نظرا إلى الاحتفالات التي تقام فيه. مع العلم أنّ زيارة «تيكيه» لا تزال محددة ضمن فترات معينة خلال أيام الأسبوع على الرغم من الجهود الحثيثة التي يقوم بها أمام المسجد التركي لجعله مفتوحا للجميع في أي وقت. والمعلم الأثري الديني الثاني الذي يشكل بدوره محطة أساسية ضمن برنامج رحلة السياح ويقصده المؤمنون ولا سيما منهم الأوروبيون، هي «كنيسة القديس العازار» الذي يروي عنه القبارصة أنّه كان يعمد إلى زرع شجرة نخيل أينما مر في قبرص. ويبدو واضحا الاهتمام الذي تحظى به هذه الكنيسة التي تتوسط ساحة وسط المدينة من قبل القيمين عليها، وتتميز بعمرانها التراثي الضخم وهندستها الداخلية بألوان مقتنياتها الذهبية.

الانتقال إلى ثاني أكبر مدينة قبرصية لا يتطلب عناء كبيرا، فخلال ساعتين من الزمن، يمكن الوصول إلى «ليماسول»، تلك المنطقة الهادئة الواقعة على «جبال ترودوس». وخلال هذه الرحلة وإن كانت قصيرة، فهناك الكثير من المعالم التي يمكن زيارتها، ومنها المدرج الروماني الذي يتسع لـ3500 شخص ويستقبل سنويا أكبر الحفلات والاحتفالات التي تنظم في قبرص ويحييها فنانون عالميون، وأخيرا كان عنوانا لحدث كبير باستقباله شخصيات سياسية أوروبية في بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي احتفالا بتولي قبرص رئاسة الاتحاد الأوروبي.

وعلى مسافة ليست ببعيدة عن المدرج الروماني، يقع ما يعرف بـ«منزل أفستاليوس»، الذي يشكّل متحفا بحد ذاته، عاكسا حقبة تاريخية من خلال الفسيفساء بأشكالها المختلفة التي تغطي المكان بعدما تحوّل إلى مقصد للسياح وعمدت الدولة القبرصية إلى الاهتمام به وتحصينه بما يتلاءم مع تغيرات الطقس للمحافظة عليه.

وفي «ليماسول» أيضا، تبقى القاعدة العسكرية البريطانية شاهدة على الاحتلال البريطاني لقبرص، وهي تمتد على مساحة 3 في المائة من المدينة وتشكّل مدينة مستقلة بحد ذاتها وخارجة عن سلطة الدولة القبرصية.

وبالانتقال إلى بافوس، العاصمة القبرصية خلال العهد الروماني، فهي وإن كانت لا تحظى بالشهرة التي تتمتع بها مناطق قبرصية عدّة، إلا أنّها تستحق أن تكون الوجهة الأساسية في أي رحلة سياحية. هذه الجزيرة التي تبدو وكأنها قرية كبيرة ولا تزال التقاليد تطبع حياة أبنائها، تحظى في الفترة الأخيرة باهتمام الدولة القبرصية ولا سيما منظمة السياحة، للترويج لها ولمعالمها الأثرية التي كان لها الدور الأساسي في وضعها على لائحة اليونيسكو للتراث، وهي المدينة القبرصية الثانية التي يستطيع زائروها أن يصلوا إليها مباشرة عبر مطارها.

ومن أهم معالم تلك الجزيرة التاريخية، «صخرة العشق» أو «أفروديت» آلهة الحب والجمال، أو تلك التي تسمى «بيترا تورميو» التي ولدت بحسب الأساطير القبرصية، من زبد البحر وتحولت إلى مزار للعشاق من مختلف المناطق، ولا سيما الذين يعقدون قرانهم في هذه المنطقة، إذ لا بد لهم من زيارة موقع الصخرة الذي تحوّل إلى استوديو طبيعي لالتقاط الصور في محيطها. كذلك، فللزائر فرصة التمني بربطه محرمة أو قطعة قماش في حنايا إحدى النباتات بحسب الطقوس القبرصية التي تدّعي تحقيقها، وإن كانت تجربتي، وبعد مرور نحو شهر على الزيارة تظهر عكس ذلك، إلا إذا كانت تبقى سارية المفعول إلى فترة طويلة.

ولميناء بافوس كما غيره من المدن القبرصية ميزته التي لا بد من الاستمتاع بها ليلا أو نهارا، وإن كان لكل وقت متعته الخاصة. فهنا تنتشر المطاعم التي تقدّم أشهى المأكولات ولا سيما البحرية منها، على امتداد الكورنيش إلى جانب المحلات التي تبيع التذكارات. وللرحلة المائية على متن باخرة في بحر بافوس الذي يصنف من أهم الشواطئ العالمية، تمنح بدورها السائح متعة لا تنسى، إذ يتم إيقاف الباخرة وبعد اجتياز مسافة معينة، في البحر، كي يتسنى لمن يهوى السباحة فرصة ممارسة هوايته.

ولأنّ رياضة الغولف تعتبر من أهم الرياضات في قبرص، فقد خصّص لها ملاعب بمواصفات عالمية يقصدها الهواة والمحترفون من دول أوروبية عدّة، وأهمّ هذه الملاعب، «نادي إليا» في بافوس، الذي يضم ملعب غولف بمعايير عالمية ساهمت في إدراجه بحسب مجلة عالم الغولف البريطانية، في قائمة «ملاعب الغولف العالمية الجديدة الأكثر إثارة لعام 2010»، كما ذكرت مجلة الغولف الأميركية أنه «واحد من أفضل مشاريع التطوير الجديدة في العالم عام 2010».

ومن يريد التعرّف أكثر على بافوس وطبيعة حياة أبنائها، وهي التي لا تختلف عن أي مدينة قبرصية أخرى، فلن تكون المهمة بالنسبة إليه شاقة، بل على العكس من ذلك، سيحظى ولو لساعات قليلة بهدوء قل نظيره في أي مدينة أخرى، بعيدا عن زحمة سير هنا أو ازدحام هناك. فالشوارع تكاد تكون خالية حتى من السيارات باستثناء عطلة نهاية الأسبوع حين تزداد هذه الحركة قليلا، لا سيّما أن وسائل النقل أصبحت ومنذ سنوات معدودة في متناول الجميع وتصل معظم المناطق ببعضها بعدما تم تطويرها بشكل يسّهل حياة الناس. وبالتأكيد، سيلفت نظر السائح طبيعة خطوط السير المختلفة عن العادة وذلك بوجود مقود السيارة على جهة اليمين الأمر الذي ينعكس أيضا على الطرقات. وسائح قبرص سيكتشف تنوّع جنسيات قاطنيها الذين لا يقتصرون فقط على المواطنين القبارصة بل هناك تعدد ومزيج واضح من الجنسيات التي تعمل وتعيش في قبرص، وخير مثال على ذلك الروس الذين يتوافدون بشكل كبير إلى هذه الجزيرة إضافة إلى الأوروبيين الذين يجدون فيها ملاذا آمنا لهم لقضاء عطلتهم السنوية أو فترة ما بعد التقاعد، لا سيما أن أسعار العقارات وإن كانت مرتفعة بالنسبة إلى القبارصة الذين يؤكدون أنها شهدت ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، إلا أنّها تعتبر مقبولة أو حتى رخيصة الثمن مقارنة مثلا، مع أسعار العقارات في لبنان.

ومما لا شك فيه، كما طبيعة بافوس الراقية والخلابة، تعكس فنادقها المستوى نفسه. فهنا تحوّلت الفنادق إلى منتجعات سياحية، تتسابق فيما بينها على تأمين رفاهية نزلائها وكل متطلباتهم. وليس غريبا أنّ بعض سياح بافوس تجدهم يكتفون بقضاء عطلتهم والاسترخاء بين حنايا المنتجع الذي يقيمون فيه لما تتوفّر فيه من كل متطلبات الترفيه ولا سيما منها الرياضات البحرية، إضافة إلى السهر والاستمتاع بأشهى الأطباق المحلية والعالمية التي تزخر بها مطاعمها والتي يديرها طهاة عالميون احترفوا مهنتهم فأبدعوا بها.

مع العلم أنّ للطعام القبرصي الذي لا يختلف كثيرا عن الطعام الشرق أوسطي، ميزته الخاصة، إن لجهة طريقة التحضير أو لجهة المكونات التي تدخل فيه، ويتميز بالأطباق المتعدّدة التي تدخل وعلى الرغم من تنوعها وعددها الذي يصل إلى نحو 30 طبقا، في خانة المازة القبرصية الشهية، وهي أن قرّر الزائر تذوق كل أنواعها، فستكون كافية لإشباعه ومنعه من تذوق الأطباق الرئيسية الأخرى التي تتكوّن بدورها من مجموعة كبيرة من الأطباق والمطاعم العالمية. مع العلم أنّ طبق «جبن الحلوم» لا بدّ وأن يكون على رأس المائدة القبرصية، ويتم تقديمه مشويا أو مقليا، فيما يعرف عن القبارصة أنهم يستمتعون بأكله مع البطيخ في فصل الصيف. أما «راحة الحلقوم» فتتربع على عرش لائحة الحلوى بنكهاتها المتنوعّة، إضافة إلى المربات المصنوعة من الفاكهة والتي لا بدّ لها أن تكون خاتمة وجبتي الغداء والعشاء.