هامبي.. عاصمة آخر إمبراطورية هندية

مدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي لليونيسكو

TT

لم أكن أعرف حتى وقت قريب أن الأماكن التي ظهرت في فيلم «شولاي» الهندي حقيقية إلى أن زرت هامبي، تلك المدينة الإمبراطورية الغابرة. لقد كانت هامبي عاصمة قديمة شهيرة لإمبراطورية فيجاياناغارا التي قامت بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلادي في جنوب الهند. وتعد هامبي جزءا أساسيا من عاصمة هذه الإمبراطورية منذ عام 1336 إلى 1565 قبل أن يحاصرها مسلمو الدكن وينهبوها مخلفين وراءهم واحدة من أهم الآثار الثقافية والدينية في المنطقة.

تم إدراج مدينة هامبي على قائمة مواقع التراث العالمي لليونيسكو في الهند المدرج عليها 16 موقعا، وتعد مقصدا سياحيا شهيرا. لقد احتضنت يوما نخبة ثقافية من نحاتين وموسيقيين وفنانين عملوا معا من أجل ترجمة الرؤية الراقية الرفيعة لأمراء الإمبراطورية إلى آثار خالدة جعلت من هامبي اليوم واحدة من أروع المناطق الأثرية.

وتعد هامبي مكانا رائعا لقضاء إجازة ففيها ما يرضي أذواق ورغبات الجميع. سواء كنت تبحث عن الرومانسية وسط الآثار القديمة أو تبحث عن مغامرة في قلب الصخور أو تهتم بمعرفة تاريخ هامبي، لن تمر عليك لحظة واحدة مملة في هذه المدينة.

تقع هامبي، التي تعد أشهر مملكة على قائمة مواقع التراث العالمي، على بعد 350 كلم من مدينة بانغلور الهندية. إذا كنت من المهتمين بالتاريخ والعمارة، فزيارة هامبي قد تمثل لك تجربة لا تحدث سوى مرة واحدة في العمر. لقد كانت هذه المدينة عاصمة إمبراطورية فيجاياناغارا، آخر إمبراطورية عظيمة في جنوب الهند. وتمتد على مساحة أكثر من 25 كام مربع (10 أميال مربعة) وتثير الآثار في نفسك الشعور بالضآلة وسط هذه الأرض المكسوة بالجلاميد والصخور الضخمة وآثار المعابد الهائلة الرائعة والقصور والأسواق والكيانات المائية والحصون فضلا عن آثار كثيرة أخرى تتجلى من خلالها جمال العمارة والفنون والثقافة الهندية.

لهذا المكان الذي يجمع كل هذه الآثار، التي يصل عددها إلى 500، قصة جديرة بأن تروى. إنها شاهد على ماضٍ مشرف لإمبراطورية وصلت إلى أوج ازدهارها وقمة مجدها قبل أن تنهار.

وتعد آثار العاصمة الثرية السابقة للإمبراطورية لتجارة البهارات، فيجاياناغارا، أكبر مثال على تدخل الإنسان في الطبيعة، حيث تنقسم هامبي إلى قسمين بنهر تونغابهادرا الذي تنتشر فيه جلاميد فائقة الجمال وتكتسي ضفتاه بالزرع الأخضر.

يصبح المكان عند الغروب فرصة ساحرة للاسترخاء ومشاهدة الشمس وهي ترحل خاصة عندما تنظر إليها كخلفية للمعابد الشاهقة هرمية الشكل التي تقع على الضفة الأخرى من النهر. لقد كانت هامبي حصنا طبيعيا يحميه من جانب نهر تونغابهادرا، ومن جانب آخر التلال.

لقد شهدت الجلاميد ميلاد الملوك وفترة حكمهم وصناعتهم لأسمائهم، حيث عُرف البعض بالشجاعة، والبعض الآخر بالحكمة، والبعض بالطمع وما إلى ذلك. لقد وجد البعض طريقة لترويض هذه الجلاميد الضخمة التي لبعضها قدم الزمن. أول شيء يذهلك في هامبي هذه الجلاميد الضخمة التي تنتشر في كل الأنحاء. لقد كانت في كل مكان وبدأنا نستطيع التمييز بينها بعد يومين من التجول بينها ونكتشف ما تبقى من الإمبراطورية الآفلة. وفي الوقت الذي كنت أستمع فيه إلى المرشد السياحي وأنظر إلى الآثار بحسرة، كل ما كنت أفكر فيه هو القصة التي يمكن أن ترويها لنا هذه الجلاميد الضخمة إن كان لها أن تتكلم، ثم أعدت التفكير ووجدت أنها ربما تستطيع. إنها تتحدث عن عصر مضى منذ زمن طويل. كيف انتهى بها المطاف إلى هنا؟ لا أحد يعلم على وجه اليقين. تقول الأسطورة إن إلها مشاكسا ألقى بها في هذا المكان. يخبرنا العلم بأنها آخر بقايا لحمم بركانية. أيا كان الشكل الذي وصلت به إلى هنا، تظل هذه الجلاميد شامخة يقظة كشاهد وحيد على ازدهار وانهيار الكثير من الممالك.

إذا كنت تعتقد أنك عرفت كل ما لدى هامبي، أود أن أخبرك أن هذا ليس سوى البداية؛ فلدى هامبي الكثير لتقدمه. لوتس محل وحمام الملكة وأسطبل الفيل وخزان بوشكارني و«مهانافمي ديبا» وتل هيماكوتا ولا تنتهي قائمة الآثار. لا بد من زيارة لوتس محل، التي كانت القصر الصيفي للملكات، وكذا تل هيماكوتا. ومن الرائع مشاهدة هامبي من فوق هذا التل الذي يضم تشكيلات صخرية خلابة. يقع جزء كبير من إمبراطورية فيجاياناغارا، بما فيها العاصمة هامبي، على صخور عمرها 3600 مليون سنة تعود إلى العصر ما قبل الكامبري من تاريخ الأرض. يُعرف عن هذه الصخور القديمة أنها تحتوي على أحجار كريمة ومعادن نفيسة وذهب. وكانت العاصمة واحدة من أكبر مراكز التجارة، ويعُتقد أن تلك الأحجار الكريمة والألماس كانت تباع في شوارع سوق هامبي.

بحسب الوثائق التاريخية، كانت المدينة أهم مصدر للماس في العالم قبل ظهور أول منجم ماس في جنوب أفريقيا في القرن السادس عشر تقريبا. وكانت تمتد أطراف الإمبراطورية إلى سريلانكا وتسيطر على مناجم الألماس من رايشور إلى سريلانكا. وتكررت غارات التتار عليها من أجل السيطرة على مناجم الألماس. جاء ذكر المدينة في مذكرات الكثير من الأجانب مثل البرتغاليين والفرس. وكتب الرحّالان البرتغاليان بايس ونونيز عن المملكة الغابرة في زمن مجدها وذكرا شوارعها الجميلة الواسعة ومنازلها الساحرة وأحجار الروبي والماس والزمرد واللؤلؤ والملابس وأشياء تحلم بشرائها. لقد شاهدا حدائق الليمون والبرتقال والعنب والنخيل وفاكهة الجاكا والمانجو، ووصفا الأسواق التي كانت تمتلئ بالطيور والماشية والحبوب ومهرجانات الخيول والنهر الذي يفيض بالسمك.

لم يتبق اليوم من كل ذلك سوى أعمدة قصيرة ذات أسقف من الجرانيت كانت تمد الظل على منطقة السوق الشاسعة في الأزمان الغابرة. لقد كانت ذات يوم متاجر في سوق كان يقصدها تجار من الصين والبرتغال وبلاد العرب كما هو منقوش على أعمدة المعابد.

للفن والعمارة مكانة خاصة في هامبي، حيث كان الحكام يرعون الفن والدين ويهتمون بهما. ولوتس محل من الأماكن الأثرية الشهيرة في هامبي والتي كانت مكانا للنفوذ والاحتفال والمتعة معًا. لاحظ الحياة النباتية والحيوانية التي تزين الأقواس والتي تعد نموذجا يمزج بين الحضارة الهندوسية والإسلامية في العمارة. ويمتد سحر الإمبراطورية من خلال المباني غير الدينية ذات الملامح التي تمزج بين العناصر الهندوسية والإسلامية حيث كان الحكام مهتمين باستجلاب أهل الحرف والبنائين من الدول الإسلامية المجاورة. من أجمل البنايات ما يطلق عليه «أبراج المراقبة» على الرغم من أن الغرض من بناء أغلبها هو تحقيق المتعة للنبلاء حيث تتيح لهم الإطلال على المدينة. وتضم هذه الأبراج مفردات وعناصر من الحضارة الهندوسية والإسلامية، حيث نرى الأقواس ذات الطابع الإسلامي والتخطيط المربع والمثمن والأفاريز والأقواس ذات النتوءات أسفل النوافذ والزخارف الهندوسية التي تزين قمة التكوينات المشيدة. ويناسب مكان أسطبل الفيل مكانة هذا الحيوان بصفته حيوانا يشارك في الاحتفالات والحروب. ويتسم بالضخامة بل ربما يكون أضخم مباني هامبي. هناك مدخل للحيوانات في هذا البناء المكون من 10 قباب عبارة عن قوس ضخم وهو ما يذكرنا بمقابر لودهي في دلهي. شيدت القباب على الطراز الإسلامي بالأساس لكن لا تغيب عنها اللمحة الهندوسية. وتجتمع الأقواس ذات الإضاءة الجانبية عند المستوى الأمامي والبناء الرئيسي على القمة لتجعل من هذا الأثر مكانا جديرا بالزيارة.

يكمن جمال هامبي بالأساس في العمارة وما تمثله. ويعد التقدم الهيدروليكي والشبكة المتطورة من المياه من الأشياء المبهرة في هامبي. ستجد قنوات مبطنة بالجص وخزانات حجرية ومزرابا حجريا متجانسا وقنوات حجرية لسحب الماء.

ويعد وجود الدين الإسلامي في المجتمع بهامبي أمرا مثيرا للاهتمام. واتسمت هامبي كعاصمة الإمبراطورية بتعدد الحضارات. على الرغم من أن سلاطين الدكن قوضوا هذه الإمبراطورية، تضم هامبي عددا كبيرا من السكان المسلمين، الذين كانوا جزءا من الجيش أيضا. وتتسم النقوش الفريدة على المعابد بالطابع الإسلامي. من الأمثلة على ذلك تماثيل لجنود مسلمين يركبون «اليالي» الحيوان الذي يوجد في الأساطير الهندوسية. وتم بناء مطبخ أو مستودع معبد كريشنا على طراز العمارة الإسلامية. ويوجد عدد من المباني الإسلامية في هامبي، حيث يوجد عدد من المساجد والصوامع خاصة في جنوب غربي العاصمة.

ويُعتقد أن ما أصبح اليوم كاديرامبورا، كان مكان سكن ضباط الجيش المسلمين. وكانت تُعرف المنطقة الواقعة بين كمالابورا ومعبد فيتالا بأنها مركز المسلمين، لذا يوجد مسجد في قلب هذه المنطقة يحمل اسم أحمد خان، الذي كان موظفا رفيع المستوى في بلاط الإمبراطور كريشنا ديفارايا الثاني. كذلك يُعتقد أن الملك كريشنا كان يحتفظ بنسخة من القرآن على منصة بجانب عرشه. ويبدو أنه كان يستخدمه كدليل على رعايته للدين وللقسم عند تعيين الموظفين المسلمين. لا تستطيع الكلمات وصف مشهد الوديان وحقول الأرز والأنهار والآثار من أعلى ولا يمكن لكاميرا أن تنقل جماله. لقد كانت ملحمة حقيقية وجمالا مبهرا. لولا وجود بعض الدلائل على وجود حياة للبشر هنا، لكان من السهل علي الاعتقاد أنني أمام مشهد يعود إلى ما قبل التاريخ تجري فيه الحيوانات المفترسة وسط السهول. لقد رأيت الكثير من المناظر الرائعة قبل ذلك، لكنني أعتقد أن هذا المكان من أفضل ثلاثة أماكن بالنسبة لي، لذا أنصح الجميع بزيارته خاصة عند الغروب.

يعد الغروب في هامبي فرصة رائعة للمتفرجين، حيث يستمتعون بمشهد تحول التلال والجلاميد من اللون الكريمي والرمادي إلى درجات الأحمر والبرتقالي الدافئة. وتظل الصخور محتفظة بدفئها حتى بعد ساعات من الغروب.

أفضل طريقة لإدراك عظمة هامبي هي تسلق تل مانتنغا ويُفضل أن يكون ذلك عند الغروب للتمتع بأفضل مشاهد. الدرجات الصخرية منحوتة في قلب التل، وفي الوقت الذي تعد فيه هذه هي الطريقة الوحيدة للشعور بحجم هذه المدينة، يظل من الصعب تخيل كيف قضى السلاطين المسلمون الذين غزوا المدينة ستة أشهر في نهب والهجوم على العاصمة التي كانت مزدهرة يوما ما ويسكنها 500 ألف نسمة. المقارنة بين ما كان وما يوجد اليوم جزء لا ينتهي من التجربة في هامبي.

زيارة أكثر هذه الأماكن مجانية، ولا تدفع رسوم إلا لدخول ثلاثة أماكن فقط، لكن لن تحتاج سوى تذكرة واحدة لدخول تلك الأماكن الثلاثة شريطة أن يكون ذلك في يوم واحد. لذا من الأوفر أن تراهم جميعا معا.

تلك كانت الجوانب الإيجابية في هامبي، وفيما يلي بعض الجوانب السلبية التي يجب على الزائر الانتباه لها. الأمر الأول هو الثعابين، التي نادرا ما نراها في المناطق الحضرية، لكن هامبي أبعد من أن تكون منطقة حضرية. ولا يوجد الكثير من الأماكن التي يمكن أن تجد فيها ثعبان كوبرا طوله 5 أقدام في دورة مياه عمومية. الأمر الثاني هو الدببة التي تهاجم الإنسان بلا سبب أكثر من أي حيوان آخر والإصابات التي تتسبب بها أمر شائع الحدوث مع الأسف، وكثيرا ما يتشوه الشخص إن لم يمت حيث توجه الدببة ضرباتها إلى رأسه ووجهه.

إجراءات احترازية: احتراما للطابع الديني للموقع، لا تقدم الخمور في هامبي. ومن المهم ارتداء ملابس لائقة محتشمة تغطي الذراعين والرجلين. وهامبي مدينة نباتية، لذا لا تتفاجأ عندما لا تجد لحم على الكثير من قوائم الطعام. ويوجد بالمطاعم وسائد على الأرض لا مقاعد. إنه مكان يتوقف فيه الزمان بحيث يتيح لك تناول زجاجة كبيرة من المياه الغازية ذات علامة تجارية لم ترها منذ زمن. إنها مكان حيث يوجد مطعم «مانغو تري» الذي يقدم لك وجبات تبدو كأنها مقبلة من السماء ويدعك مطعم «برينس» تسترخي مثل النجوم إلى أن تحضر وجبتك. إنه مكان تراقب فيه السحاب وهو يتحرك لساعات. لا حاجة إلى العجلة أو للقيام بأي شيء.

إنه المكان الذي تقترب فيه بأكبر قدر ممكن من أفكارك وجوهر ذاتك. ويحدث هذا فقط عندما تمتلك القدرة على السكون.

* هامبي مكان جدير بالزيارة في أي وقت من العام حتى خلال أشهر الصيف إذا كنت على استعداد لتحمل السخونة الشديدة لهذه الأرض الصخرية. إنها مكان مذهل لن تنساه بكل تأكيد. مع ذلك يعد أفضل وقت لزيارة هامبي هو فصل الشتاء. يمكنك القيام برحلة خلال فترة الأمطار الموسمية، إذا كنت قادرا على تحمل الصخور الزلقة.

الوصول إلى هامبي:

يمكن الوصول إلى هامبي بسهولة، حيث يمكن استقلال الحافلة من بانغلور أو غوا ولن تستغرق الرحلة سوى يوم واحد. وتوجد في هوسبيت، التي تقع على بعد 13 كلم، أقرب محطة قطار. وتتصل هامبي بشبكة من خطوط الحافلات عبر هوسبيت. وأقرب مطارات كبيرة توجد في بانغلور وبيلغام، حيث يوجد خط طيران في ساندور تالوك، التي تبعد 32 كام، في مكان يسمى تورناغالو. تكلفة الإقامة هناك منخفضة ويتوافر الطعام الجيد ويجدر تجربة جوز الهند الطازج بوجه خاص. ويجعل توافد عدد كبير من الزائرين على هامبي منها مكانا جيدا للتعرف على الناس وتكوين صداقات.

سعر الإقامة في المنازل القروية ضعف سعر الإقامة في الفنادق، وبات أصحاب المنازل خبراء في فن الضيافة واستقبال الزائرين.