«تامان بلوكراماري».. مجمع يختصر التاريخ الإندونيسي تحت سقف واحد

يحوي العديد من الرموز السياسية في مختلف الحقب الزمنية

مجمع «تامان بلوكراماري» يختصر تاريخ اندونيسيا
TT

إن كنت تبحث عما هو أكثر من مجرد زيارة عابرة لمتحف، فإن مجمع «تامان بلوكراماري» الواقع بوسط العاصمة الإندونيسية جاكرتا، سيختصر لك كامل التاريخ الإندونيسي بمختلف حقبه الزمنية في مكان واحد، حيث يبدأ معك رحلة سرد مراحل هذه الجمهورية مرورا بلحظات استقلالها وحتى اليوم الحالي.

هذا المجمع اختار لنفسه رمز استقلال إندونيسيا يحمل اسم «توغو بروكلاماسي»، والذي شيد ليخلّد تلك اللحظة التي أعلن فيها الزعيم الراحل «سوكارنو» حرية الدولة في الـ17 من أغسطس (آب) عام 1945، لتبدأ الجمهورية أولى خطواتها نحو القومية الخالدة.

ومن هذا المنطلق يجد الزائر نفسه أمام تمثالين لكل من سوكارنو وهاتان، يقفان جنبا إلى جنب في وضع يظهران به في الحال الذي كانا عليه عند إعلانهما الأول للاستقلال، فضلا عن صور توثق تلك اللحظات أيضا.

وبين التمثالين تبدو مخطوطة بارزة على لوح برونزي يزن نحو 600 كيلوغرام، تتمثل في نسخة طبق الأصل من نص إعلان الاستقلال المأخوذ من المخطوطة الأصلية، تم تكبيرها 200 مرة، ويبلغ طولها ما يقارب 290 سنتيمترا، في حين يصل عرضها إلى 196 سنتيمترا، حيث قسّمت على خمس قطع متراصة.

محمد صلاح الدين، أحد المسؤولين في مجمع «تامان بلوكراماري»، أفاد بأن تمثالي سوكارنو وهاتان يزنان نحو 1200 كيلوغرام، بينما يبلغ ارتفاع سوكارنو 4.6 متر، ويصل ارتفاع هاتان إلى 4.3 متر.

ويقول صلاح الدين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يبرز تمثال الزعيم الراحل سوكارنو ملامح وجهه حينما كان في الـ46 من عمره، بينما يظهر الزعيم هاتان بعمر لا يتجاوز 43 عاما». وأشار إلى أن تشييد هذا المجمع هو بالأساس فكرة الرئيس سوهارتو التي أعلن عنها في الـ19 من أغسطس عام 1974، ومن ثم تم اعتمادها بناء على مرسوم رئيس الدولة المحرر في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1979.

وأضاف صلاح الدين «يهدف هذا المجمع إلى تكريم وتقدير المقاتلين الذين ضحوا بحياتهم وأرواحهم من أجل الاستقلال وبقاء جمهورية إندونيسيا، حيث تحول المتحف إلى مكان يرتاده طلاب وطالبات المدارس على اختلاف مراحلهم الدراسية لمذاكرة مادة تاريخ الدولة الإندونيسية، وذلك ضمن رحلات تنظمها إداراتهم خلال فترة الدوام المدرسي الرسمي».

«نوماس» نصب وطني يحويه هذا المجمع، ويعد أحد أهم رموز إندونيسيا، وتم تشييده عام 1961 ليجسد ويتوج عظمة نضال الشعب الإندونيسي وثورته التي اندلعت في الـ17 من أغسطس عام 1945، ويقف شاهدا برمزه لروح حب الوطن لدى جيل اليوم والمستقبل.

وهنا، يعلق صلاح الدين «تميز هذا النصب خصائص متعددة من حيث طريقة بنائه وتشييده، إلى جانب أبعاده المختلفة التي تلخص وتجسد رمزية الطبيعة الإندونيسية»، لافتا إلى أن هذا النصب يتميز أيضا بشعلة رمزية دائمة الاتقاد تعكس الروح الإندونيسية التي لا تكل ولا تهدأ - بحسب قوله. وتزن تلك الشعلة المسماة بـ«شعلة الحرية» نحو 14.5 طن من البرونز، ويبلغ طولها 14 مترا، بينما يصل عرضها إلى 6 أمتار، حيث تحوي 77 قسما، في حين يغلفها 35 كيلوغراما من الذهب تمت زيادتها في أحد أعياد الاستقلال الإندونيسي إلى 50 كيلوغراما.

وبالعودة إلى صلاح الدين، فقد أبان أن هذا النصب الذي تم تشييده على هيئة برج يثير اهتمام الزائرين ببنيته الجميلة والحديقة المحيطة به، خصوصا أنها تتيح للزائر فرصة الاطلاع على كل النباتات النامية في مناطق إندونيسيا المختلفة. واستطرد المسؤول عن المجمع بالقول «تمنح النافورة على الجانب الأيمن من مدخل البرج برودة وانتعاشا للمنظر العام المحيط به، خاصة حينما تتدفق المياه على جنبات الحديقة». وفي هذه الحديقة، ثمة مجسم كبير لزهرة الـ«رافليسيا» التي يعود اسمها إلى مكتشفها، حيث تنمو كل خمس سنوات في إندونيسيا، وتعتبر رمزا من الرموز المهمة، وهو ما جعل صورتها تتصدر فئات مختلفة من العملة الإندونيسية الورقية، على الرغم من أنها تتميز برائحتها النتنة.

وفي المنطقة القريبة من مدخل «نوماس»، يقف تمثال مهيب للأمير «ديبونيجورو» أحد أمراء جمهورية إندونيسيا وهو يعتلي حصانه، حيث يختزن هذا التمثال في داخله قرابة 8 أطنان من البرونز، والذي صممه البروفسور الإيطالي «كوبرلاتو» وقدم كإهداء من القنصل العام الإيطالي في إندونيسيا.

«موناس»، بقسميه المتمثلين في وعاء ويد هاوند، يعد رمزا لأداة لا يستغني عنها أي منزل أو مطبخ إندونيسي، خاصة في المناطق الريفية، إذ يدل هذا الرمز على الأصالة والعراقة، إضافة إلى تفاصيل الحياة الإندونيسية الدقيقة.

وأكدت عزيزة، المرشدة السياحية في إندونيسيا، خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الرمز يحمل في طياته العديد من متناقضات الحياة الإيجابية والسلبية، إذ يرمز إلى النهار والليل، والذكر والأنثى، والخير والشر، لافتة إلى أن كل تلك المتناقضات هي مقومات أساسية للحياة.

وعلى بعد ثلاثة أمتار من «نوماس»، يقع المتحف التاريخي بمساحة 6400 متر مربع، والذي يغطي الرخام أرضيته وجدرانه، ويعرض ما يقارب 51 قطعة فنية متنوعة، إذ تتولى كل قطعة مسؤولية رواية حقبة من تاريخ إندونيسيا، بدءا بالأجداد ومرورا بالحراك الوطني وصولا إلى عهد «ماجا باهي» وحتى تطور الجمهورية في العصر الحديث.

قاعة الاستقلال التي يحويها المجمع تقع على مساحة شبيهة بالمدرج المسرحي في أعلى برج «نوماس»، وتضم عدد من رموز الاستقلال وخرائط لولاية جزر «آر آي»، فضلا عن الرمز الوطني «الاتحاد في الاختلاف»، إلى جانب بوابة تقود لوعاء خاص يحتوي على مخطوطة بها نص إعلان الاستقلال الإندونيسي، مع توافر خاصية التسجيل لسماع النص بصوت «بينغ كارون».

أما الساحة العليا، والواقعة في أقصى قمة البرج، فإنها تحوي فناء موصلا إليها يتسع لنحو 11 شخصا، في حين تستوعب الساحة 50 فردا، عدا عن تجهيزها بأربعة نواظير موزعة في الزوايا، والتي تمكّن الزائرين من مشاهدة جاكرتا من علو يصل إلى 132 مترا.