بعلبك.. مدينة الشمس الرومانية على أرض لبنان

تعدّ واحدة من المعالم الأثرية المهمة في الشرق الأوسط

أعمدة معبد جوبيتير التي يبلغ طولها 22 مترا
TT

«بعلبك أنا شمعة على دراجك»، هكذا غنت الفنانة الكبيرة فيروز، وتغنت بقلعة بعلبك الواقعة غرب المدينة، قلعة تختزن «ذاكرة» لبنان الذي تعاقبت عليه منذ ما قبل الميلاد حضارات بقي أثرها جليا في آثار تشهد على ماض سحيق لا يزال في عز الشباب.

قلعة متجذرة في التاريخ، تعتبر من روائع العالم القديم، ومن أكثر الآثار الرومانية عظمة، وتشكل مرآة لماض ممهور بـ«ختم العز» ويتعانق فيه الوحي الديني والهندسة في تناغم متكامل.

بعلبك «قبلة الدنيا» أو«مدينة الشمس»، قد تعجز العبارات الجمالية عن وصف إتقان بناء قلعتها وجمال هياكلها، التي بناها الرومان تعبيرا عن إخلاصهم لآلهتهم، ولكنها تبقى واحدة من أجمل المواقع الأثرية في العالم.

ومدينة بعلبك التاريخية هي مركز القضاء والمحافظة في آن، وواحدة من ثماني محافظات يتشكل منها لبنان الإداري، وتعود بآثارها العربية والرومانية إلى أكثر من ألفي وخمسمائة عام.

ويقول رئيس بلدية بعلبك هاشم عثمان في حديث لـ«الشرق الأوسط»: المدينة غنية جدا بالآثار، ومشاريع التنقيب عنها متوقفة حاليا، ونحن نبذل مساعي كبيرة للكشف عنها كي نعزز السياحة في المدينة، خصوصا أنها من أهم المدن اللبنانية والعالمية بالنسبة للآثار والسياحة، لكن للأسف لا تزال القلعة بحاجة إلى الكثير من الرعاية في هذه الظروف، وليس لدينا الإمكانيات للقيام بكل الأدوار المطلوبة منا.

ويتابع عثمان السياحة الداخلية مزدهرة، لكن الأحداث السورية أثرت عليها كثيرا، خصوصا في ما يتعلق بدخول السياح العرب والأجانب الذين كانوا يأتون عن طريق سوريا.

وإذ يدعو عثمان جميع السياح للمجيء إلى لبنان عن طريق المطار ويطمئنهم أن المدينة من المناطق الآمنة جدا، يؤكد أن روح الكرم والضيافة موجودة عند الجميع في المدينة لأن كل سائح هو عزيز على قلوبنا.

* مهرجانات بعلبك

* كما كل عام ستنظم لجنة المهرجانات صيف هذا العام مهرجانات بعلبك الدولية المميزة، إضافة إلى حفلات باليه وحفلات لبنانية متعددة كالفولكلور اللبناني والليالي اللبنانية المميزة، فضلا عن فرق أجنبية من باليه ورقص شعبي وموسيقى وجاز، وعلى الأرجح سيكون الفنان عاصي الحلاني من بين المطربين اللبنانيين المشاركين فيها وفق عثمان.

واللافت أيضا إقامة مهرجان للتسوق والذي سيمتد لأكثر من شهر، فيما بات في المدينة أماكن للنزهة والترفيه ومطاعم جديدة ومتطورة وخدمات مهمة جدا.

واليوم بات بإمكان السائح قضاء أيام عدة في المدينة براحة تامة وبإمكانيات مادية قليلة، إذ هناك فنادق متعددة بعضها شعبي والآخر متطور، وخصوصا فنادق الخمسة نجوم المميزة الموجودة في منطقة متنزهات رأس العين.

ومن الخطوات أيضا قيام البلدية بتأهيل وترميم السوق القديم وهو من أهم المواقع التراثية ويقع في جوار القلعة ومخصصا للمشاة، وهي تقوم بدراسة شاملة لتأهيل منطقة الوسط للمشاة والزائرين.

ومن أشهر المأكولات التي لطالما اشتهرت بها المدينة: «الصفيحة البعلبكية، التبولة، حمص، مخلوطة حبوب، خبز التنور، قريشة، الكبة على أنواعها وورق العنب».

* بعلبك في سطور

* تبعد بعلبك نحو 85 كم عن العاصمة بيروت، وترتفع نحو 1170 م. عن سطح البحر، وتمتد على مساحة تقدر بـ3742 هكتارا.

اشتهرت المدينة عبر العصور نظرا لوقوعها على مفترق عدد من طرق القوافل القديمة التي كانت تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي وشمال سوريا بفلسطين، وقد استفادت عبر تاريخها الطويل من هذا الموقع المميز لتصبح محطة تجارية مهمة ومحجا دينيا مرموقا، نظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي وأهميتها الزراعية. أما تسمية المدينة فهي متأتية من تركيب كلمتي «بعل» وتعني«رب» و«بك» وترمز للبقاع. كما كانت تسمى «هليوبوليس» (أي مدينة الشمس) عند الرومان، وسميت بالقلعة أيام الأمويين العرب.

أصبحت مدينة الشمس في عام 47 ق.م. مستعمرة رومانية بأمر من يوليوس قيصر والموقع المختار لبناء أكبر الهياكل الرومانية كمعبد باخوس وجوبيتير وفينوس، معابد عكست ثروة وقوة الإمبراطورية الرومانية، وقد استمرت عمليات البناء أكثر من مائتي عام وأشرف عليها أباطرة رومانيون مختلفون والذين زينوها بالزخارف والنقوش البديعة. وهناك بقايا معبد رئيسي رابع كان يقوم فوق أحد التلال إلى الجنوب من المدينة يعرف بمعبد عطارد ميركير ومعبد خامس على نبع رأس العين وهو معبد نبتون.

* أهم معالمها

* عظمة هذه المدينة لا تتوقف عند معابدها التي تكتنف الأسرار، بل تتعداها إلى حجم الأحجار والتقنيات الهندسية المستعملة لبناء هذه النصب الحجرية الرائعة، ومن أهمها حجر الحبلى وهو أكبر حجر في العالم.

ويعتبر معبد جوبيتر أضخم المعابد الرومانية على الإطلاق، ولم يتبق من الأعمدة الكورينثية الـ54 الضخمة إلا 6 أعمدة فقط؛ أما معبد باخوس فهو من أفضل المعابد الرومانية حفظا في الشرق الأوسط.

كما تعرف بعلبك بعدد لا بأس به من المعالم الإسلامية ومنها مقام السيدة خولة، الجامع الكبير الذي يرجع بناؤه إلى بدايات العهد الأموي، كما شيد في موقع الساحة الرومانية العامة، جامع النهر، جامع الحنابلة، جامع الصاغة والمدرسة النورية وفق ما تشير بعض الدلائل الأثرية.

ومن المعالم الأثرية الأخرى قبتا أمجد ودوريس، وهما عبارة عن بقايا لجامعين بنيا من حجارة استخدمت من معابد بعلبك، كما بإمكان الزائر رؤية محطة القطار التي تعود إلى حقبة الثلاثينات والتي بناها الفرنسيون في فترة انتدابهم للبنان.

ويستطيع الزائر قبل مغادرته بعلبك مشاهدة بقايا جامع أم عياد الذي يقال إنه بني على أنقاض كنيسة مار يوحنا التي بناها البيزنطيون عندما كانوا موجودين في المنطقة.

وتعتبر بعلبك من أهم المدن السياحية في الشرق الأوسط، حيث تشتهر بمهرجانها الدولي السنوي الذي يقام في معبدي جوبيتر وباخوس والذي يستقطب أهم وأشهر الفنانين العالميين لإحياء حفلات موسمية رائعة.