«السعدي» في مراكش.. فندق بصفة متحف

أعمال فنية لأشهر الفنانين المغاربة تزين جدرانه

ديكورات جميلة ترافقها أعمال فنية لأهم الفنانين المغاربة
TT

لوحات وتحف فنية على كل زاوية وكل جدار من زوايا وجدران فندق «السعدي» بمراكش. مئات اللوحات والتحف الفنية تملأ الممرات والزوايا، وغرف النوم، وقاعات الشرب الأكل، بل حتى بيوت الراحة. في هذا الفندق يصعب على النزلاء أن يصلوا إلى الغرف والأجنحة التي ينزلون بها من دون أن يتوقفوا في المرات، حيث يجدون أنفسهم مأخوذين بذلك الكم الهائل والبهي من القطع الفنية التي تزين فضاءات هذا الفندق. بل إن المتعة البصرية لهؤلاء النزلاء لا تقتصر على التحف الفنية التي تستوقفهم في الممرات وقاعات الشرب والأكل، لكن حين يصلون إلى غرفهم يجدون أن الفن التشكيلي يرافقهم في غرفة النوم، لذلك يصعب عليهم أن يجزموا في الصفة التي يمكن أن يعطوها لهذه المؤسسة الفندقية، وإن كانت فندقا للإقامة أم متحفا تشكيليا.

وإضافة إلى الديكورات والهندسة الجميلة التي شيد بها الفندق، فإنه يضم أكثر من 500 لوحة لأكثر من 50 فنانا تشكيليا مغربيا، أمثال عبد الحي الملاخ ومحمد مرابطي وأحمد بن إسماعيل وتيباري كنتور وعبد الكريم الأزهر وماحي بنبين وفريد بلكاهية وعباس صلادي ووفاء مزوار ومحمد المليحي وعبد الرحمن رحول ومحمد الشرقاوي وحسن الكلاوي والشعيبية طلال ونور الدين شاطر وعبد الله صادوق وأحمد أمين ويوسف الكهفعي وأحمد الورديغي وعزيز أبو علي وكنزة بنجلون وبوشتى الحياني والحسين ميموني ومحمد بناني والبشير آمال، كما أن هناك صورا فوتوغرافية فنية، فضلا عن أعمال السيراميك التي أنجزها الفنان كمال الحبابي، والتي تزين بهو القصر، التابع للفندق.

* لكل واحة حكاية

* تتحدث إليزابيث بوشاي بوهلال، المدير العام لفندق «السعدي»، لـ«الشرق الأوسط»، بعشق كبير عن الأعمال الفنية التي تزين جدران وأركان البناية، مبرزة حكاية كل لوحة وتحفة، والعلاقات التي ربطتها بعدد كبير من الفنانين المغاربة، الذين يعرض الفندق لوحاتهم، كمقتنيات خاصة. وفضلا عن الأعمال التي تتوزعها غرف وفضاءات المؤسسة الفندقية، خصصت الإدارة طابقا لعرض لوحات تختصر تاريخ الفن التشكيلي المغربي، من خلال أعمال تغطي الفترة ما بين 1950 و2010، وتنقل في تنوعها وغناها تنوعا وغنى في الأساليب والأشكال والتوجهات الفنية لأصحابها، بينهم محمد القاسمي والشعيبية طلال وحسن الكلاوي.

وعن دوافع خيار عرض هذا الكم الهائل من اللوحات والأعمال الفنية في الفندق، قالت إليزابيث بوهلال «همنا أن يجد زائرنا فرصة الاستمتاع بما يوفره الفن المغربي من فرص المتعة البصرية وراحة البال. نحن مرتبطون بالجمال في كل صورة، خاصة ما تعلق منه بالفن والموسيقى والطبخ وكل ما يرفع الذوق ويغذي الروح ويجعل الإنسان أرقى المخلوقات، لذلك نعمل على تقديم كل ما نعشقه إلى نزلائنا. معرضنا الفني الدائم يقترح على زوار ونزلاء الفندق المسار التاريخي للفن التشكيلي المغربي المعاصر. ما نحبه ونعشقه نصر على أن نتقاسمه مع الآخرين، والأعمال المعروضة هي مقتنيات خاصة، وهي حين تعرض تصير ملكا للمستمتع بها، ومن خلال متعة المشاهدة التي يعيشها زائرنا نشعر نحن بالفخر وبالكثير من الارتياح والرضا النفسي. الأعمال الفنية المعروضة هي لفنانين مغاربة جمعتنا بهم الصداقة وعشق الفن. كان من الجميل تتبع مساراتهم الفنية، بل ومعرفة حياة بعض الأسر الفنية، كما هو الشأن مع الفنانة الشعيبية وابنها طلال. إن متعة الفن وعشق مشاهدته شيء رائع، خاصة لحظة وقوفنا أمام لوحة أو عمل فني. وهو توقف يجعلنا نفرغ رؤوسنا من كل الهموم. هذا العشق يجعلنا نختار حتى أمكنة وضعها، بل إننا نطلب من أصدقائنا الفنانين، مثل الماحي بنبين وفريد بلكاهية، وجهة نظرهم في الأماكن التي نضع فيها مختلف اللوحات والأعمال الفنية.

* فندق يختصر تاريخ مدينته

* وليس فندق «السعدي» إلا نموذجا من عدد من الفنادق ودور الضيافة التي تجر وراءها تاريخا غنيا، يختصر جانبا من تاريخ المدينة الحمراء. نذكر، هنا، «المأمونية» و«المنزل العربي»، على سبيل المثال. الأول حديقة تحولت إلى فندق تعلق به مشاهير العالم. والثاني دار عتيقة تحولت إلى دار ضيافة يسعد سياح المدينة وكثير من مشاهير العالم بالنزول في غرفها وأجنحتها، التي أخذت أسماء تبدو كما لو أنها خرجت للتو من عوالم ألف وليلة وليلة، من قبيل «شمس» و«بدر»، مثلا.

ولعل أجمل شيء في فنادق مراكش أن لكل واحد منها خاصية تميزه عن باقي الفنادق. ومن بين كل هذه الفنادق تبقى لـ«السعدي» خاصية التميز كفندق طور خدماته باستمرار، لكن وفق تصور خاص، مختلف عن كثير من الفنادق، التي قد تبقى، في الأول وفي الأخير، مجرد بنايات إسمنتية صممت، أساسا، لمبيت وإقامة السياح.

* الموقع

* ويقع فندق «السعدي» في الحي الشتوي الراقي، الموجود في منطقة جمعت أفضل وأفخر فنادق المدينة، وهو يمتد على مساحة 8 هكتارات، على شكل فندق وقصر وفيلات ومطاعم ومسابح وكازينو. ويسعى «السعدي»، منذ سنوات، لكي يكون وفيا لتسميته «السعيدة»، ملبيا، بذلك، انتظارات الزبائن، حيث الرهان على أن سعادة الإقامة هي أعز ما يطلب.

ويتنوع اقتراح الإقامة في فندق «السعدي» بين الغرف والأجنحة والفيلات، التي هي عبارة عن قصور صغيرة، متنوعة في تصاميمها وهندستها، حيث نكون مع فيلا «مهاردجا»، ذات الطابع الهندي، والفيلا «الأمازيغية»، التي تنقل بساطة وسحر الأطلس إلى وسط مدينة مراكش، والفيلا «الفارسية»، التي تتميز بسحر وثقافة بلاد فارس، وفيلا «ألف ليلة وليلة» مع ما تثيره في خيال السائح من حكايات أسطورية، والفيلا «الرومانية» ذات التصميم الموغل في الحضارة الرومانية، والفيلا «الأندلسية»، وفيلا «سلطان» حيث نكون مع تصاميم مستوحاة من العمارة الأندلسية، إلى غيرها من البنايات والفيلات التي تتعدد في أشكالها، غير أنها تلتقي في منح المقيم لحظة إقامة ممتعة ومتنوعة تساير رغباته وميولاته.

* واحة ملؤها الاسترخاء

* وكتبت إليزابيث بوهلال في كلمتها على موقع الفندق «كان والدي جون بوشاي هو من أنشأ الفندق والكازينو. وفي عام 1966، تكلفت والإدارة. ومنذ ذلك الوقت سعيت لأن نشتغل بنفس الروح، وأن نجعل من الفندق منزل أسرة كبيرة، مع تقديم خدمة جيدة، يكون خلالها نزلاؤنا ضيوفا، قبل أي شيء آخر، وأن نجعل من المكان واحة ملؤها الاسترخاء والهدوء والسكينة وراحة البال، ولذلك فثلث زبائننا يرجعون كل سنة لقضاء أيام سعيدة بين أحضان فندق (السعدي)، الذي يعني الحياة السعيدة، كما أنه يحيل على أسرة السعديين التي طبعت تاريخ المغرب ببناياتها الأثرية المتميزة بطابعها المعماري المتفرد».

ويقال إن الملك الراحل الحسن الثاني هو من اقترح إطلاق اسم «السعدي» على هذا الفندق، الذي يجمع، بما يقترحه من ألوان وأشكال إقامة وأكل وراحة، سحر الصين والهند والبلاد فارس والأندلس والمغرب في المكان نفسه، الشيء الذي يجعل منه عالما مصغرا، لا يمكن إلا أن ينال رضا النزلاء.

* نزلاء ومشاهير

* ويجد مالكو الفندق صعوبة في إحصاء النجوم والمشاهير الذين نزلوا بـ«السعدي». ويذكرون من بين هؤلاء النجوم والمشاهير الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو، الذي اختار فيلا «مهاردجا»، والنجمة الفرنسية كاترين دونوف، التي نزلت بالفيلا نفسها. ومن النجوم العرب الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، التي اختارت فيلا «مهاردجا»، والممثل السوري سامر المصري، والممثل المصري يحيى الفخراني، وغيرهم. بل إن مجموعة «رولينغ ستون»، الشهيرة، سبق لها أن نزلت بالفندق لأسبوع كامل، وكان ذلك في عام 1968، حيث احتلت الطابق الخامس بالكامل، رغبة منها في عدم إزعاج النزلاء، لكن إدارة الفندق اختارت بدورها أن تخلي الطابق الرابع زيادة في راحة الفرقة الشهيرة. كما نزل بقصر الفندق المخرج الأميركي الشهير أوليفر ستون، حين كان يصور فيلم «الإسكندر»، ولذلك صارت الغرفة التي خصصها لمتابعة سير أشغال التصوير بقصر «السعدي» تحمل اسم «غرفة الإسكندر». أيضا، نجد باربرا هندريكس وشارل أزنافور، الذي غنى في «كازينو مراكش» في عام 1950، وجاك بريل الذي غنى بدوره في «كازينو مراكش»، وفورد كوبولا، وروبرتو كافالي، وجيرار كلين، ومارك لافوان، ومارتن سكورسيزي، وميلوس فورمان، وسيغورني ويفر، والأميرة مارغريت، وغيرهم كثيرين.

* فندق متحف

* «هل (السعدي) فندق أم متحف؟»، سألت «الشرق الأوسط» إليزابيث بوهلال، التي ردت، قائلة «هذا سؤال يشبه سؤال علاقة البيضة بالدجاجة، ومن السابق بينهما. كان يمكن أن يكون (السعدي) مجرد فندق كباقي الفنادق، لو كان له مالك آخر وإدارة أخرى، ولم يكن فندقنا. علاقة الفندق بالفن التشكيلي ليست طارئة، بل رافقته منذ لحظة بنائه، إذ جئنا بفنانين وطلبنا منهم القيام بأعمال فنية تلائم هندسة كل غرفة. أي أن هذه الأعمال الفنية مفكر فيها. بعد ذلك لاحظنا أن الفندق به أروقة وممرات فسيحة فقلنا: لماذا لا نضع عليها أعمالا فنية؟.. وكذلك كان. أن يتميز (السعدي) بهذا الدفء الذي تقترحه الأعمال التشكيلية والمواعيد الموسيقية، من دون أن ننسى تميز مطبخه، فذلك له علاقة بما نحمله في قلوبنا من تعلق وعشق للفن ولكل ما له علاقة بجمال الروح والذوق. وهو عشق أردنا أن نتقاسمه مع نزلائنا، لأننا نرى في ما نتقاسمه مع الآخرين راحة نفسية لا تقدر بمال أو عائد مادي، وإيمانا بقيمة وقوة الفن والجمال».

يشار إلى أن علاقة إدارة فندق «السعدي» بالفن التشكيلي لا تتوقف عند الأعمال الفنية التي تملأ أركان وجدران البناية، إذ إنها انخرطت، منذ سنوات، في تنظيم تظاهرة فنية ببعد عالمي، أطلق عليها «آرت فاير»، أي معرض الفن المعاصر، وهي تظاهرة تشكل فرصة أمام المهتمين وعشاق الألوان للوقوف على جديد الممارسة الفنية، عربيا وعالميا، ووضع المقارنات بين مختلف التجارب الفنية. ويشدد المنظمون على أن التظاهرة تتوخى النهوض بالحركة الفنية بالمغرب، وخلق مجال أوسع لتداولها، والتعريف بأشكال وتعابير فنية لم تجد مجالها بعد في الساحة الفنية بالمغرب، وعلى رأسها فن الفيديو والتصوير.