«تاج محل بالاس».. الوجه الآخر لمومباي

أول من جلب إلى الهند المصاعد الألمانية والخدم الإنجليز والحمام التركي

مبنى فندق تاج محل بالاس المطل على بوابة الهند
TT

بما أن الهند ملقبة ببلاد التوابل والبهارات، فلا يمكن وصف مومباي، إحدى كبرى مدنها وعاصمة ولاية ماهاراشترا، إلا بطريقة أشبه بوصفة طبخ تتناغم مع ألوان طيفها وثقافتها ومطبخها الغني.

فلنبدأ الوصفة السحرية لمدينة تعد واحدة من كبرى مدن العالم، عدد سكانها يتعدى 12 مليون نسمة، فيها أفقر فقراء العالم وأغنى أغنياء الكون، فالوصفة هي على الشكل الآتي: حفنة من بوليوود وست حفنات زحمة سير، حزمة من صناع القرار الأغنياء ممزوجة بآثار الاستعمار البريطاني، أضف ستة معيارات من الفقر المدقع مع رشة من المقاهي والمطاعم الراقية، إضافة إلى كوب من الصخب يعادله نصف كوب من النظام، ومقدار من الديانة الهندوسية والمسلمة، امزجه مع باقي أقسام الهند، ضع المزيج المذكور في الخلاط وأضف جرعة زائدة من التلوث «بحسب الذائقة الخاصة» لتحصل على وصفة مومباي الخاصة.

في مرة التقيت بها صديقا عزيزا شغل منصب سفير لبلاده العربية لدى الهند، أخبرته برغبتي في زيارة الهند فكانت نصيحته بأن أقرأ كتاب «ذا وايت تايغر» أو «النمر الأبيض»، وهكذا فعلت، قرأت الكتاب الحاصل على جائزة أفضل كتاب ولو أنه كاتبه شاب ليست لديه خبرة واسعة في الكتابة من ذي قبل، لأكتشف بأن صديقي كان على حق، فالكتاب هو مرآة حقيقية للهند وبالتحديد لمومباي، فإذا كنت تعتقد أن القاهرة مكتظة بالسكان والسيارات فكر مرة ثانية، فالقاهرة تبدو مكفهرة بالمقارنة مع مومباي أو كما كانت تعرف من قبل باسم «بومباي».

عند وصولك إلى مطار مومباي الذي جرى افتتاحه لحسن حظنا قبل أيام من زيارتنا، ستفاجأ بالتنظيم والنظافة، وتخرج بعدها ليبدأ الفيلم الهندي بالألوان الحقيقية، فإذا كنت تعتقد أن قيادة السيارات في بيروت مجنونة فالقيادة في مومباي فاقدة وعيها، ولكن الغريب في هذا المشهد هو أن عينك سرعان ما تألف هذا المشهد النابض من دون أي مؤثرات صوتية إضافية لأن الصوت الطبيعي الموجود هو الزمور، فالسيارة في مومباي لا قيمة لها إذا لم تكن مجهزة بزمور قوي، فالكل يزمر في جميع الأوقات، من دون توقف، والصوت الآخر والغريب هو صوت المنبهات الإلكترونية في السيارات الحديثة التي تساعدك عندما تركن السيارة، ولكن في الهند تسمع صوتها أثناء القيادة بسبب قرب السيارات بعضها من بعض، المشهد غير عادي ولكنه نابض، وبعد نحو عشر دقائق من المطار يطالعك منظر الشاطئ، وهنا تبدأ زحمة الشعب، فالشاطئ هو متنفس سكان المدينة.

التناقض هو سيد المشهد في مومباي، فهذه المدينة هي هوليوود آسيا، ففيها تصنع الأفلام والمسلسلات الهندية الشهيرة، وعلى طول الكورنيش تجد لافتات عملاقة لممثلي بوليوود وأحدث إصدارات الأفلام، وبجانبها تجد إعلانات لأغلى الساعات السويسرية، تعيش تحتها مجموعة من العائلات مع ذويها في ظروف معيشية خجولة جدا.

* تاج محل بالاس وجهتنا في مومباي كانت فندق تاج محل بالاس، الذي بناه جامستجي تاتا عام 1903 على شكل قصر ليكون بالأساس فندقا، وليصبح قلب مومباي وأهم معالمها التاريخية، فكان أول فندق مزود بالكهرباء في الهند، وكان المكان الوحيد حيث يلتقي فيه نائب ملك إنجليزي مهراجا هنديا، وكان مقصد البحارة بحكم موقعه مقابل بوابة الهند على شواطئ الهند.

لا تزال تطبق في الفندق تقاليد الحفاوة الهندية بحذافيرها، فعند وصولك إلى البهو الرئيس تكون هناك موظفة ترتدي الزي الهندي «الساري»، وتحمل بيدها ماء الورد وعقدا من الياسمين، تضعه حول رقبتك وترشك بالماء الذي يعبق منه العطر المركز، وبعدها تضع نقطة حمراء في وسط جبهتك، الحفاوة الهندية مميزة خاصة في فندق يبلغ عمره 110 سنوات، وجرى تصميمه على شكل قصر.

التصميم المعماري أكثر من رائع، فخلف البهو هناك بركة سباحة كانت في الماضي المدخل الرئيس للفندق، وكانت تمر عربات الخيل بمحاذاته، واليوم انتقل المدخل إلى الجهة المقابلة للبحر ولبوابة الهند مباشرة.

اللافت عند الوصول إلى الفندق هو الأمن المشدد والتفتيش المكثف للحقائب، وهذا الحذر هو بسبب تفجيرات السادس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) التي أدت بحياة 31 شخصا بعد عملية إرهابية هزت أوساط مومباي على مدى ثلاثة أيام، غير أن الفندق الذي تديره شركة «تاج»، يحاول وضع هذه المأساة وراء ظهره وطي صفحة مؤلمة راح ضحيتها عدد من الموظفين في الفندق إضافة إلى بعض النزلاء، واكتفى الفندق بوضع جدار مع شلال ماء لتذكر أسماء الشهداء الذين سقطوا في تلك الحادثة المأساوية.

* معلم سياحي الفندق يتعدى مفهوم الإقامة، فهو معلم سياحي حقيقي تحتفي به مومباي، استقبل على مر السنين الفنانين ورؤساء الدول والملوك، وجرى اختياره في المرتبة الخامسة لأفضل فندق في العالم على مدى سنتين متتاليتين وجرى اختياره أيضا في المرتبة العشرين كأفضل فندق في آسيا.

خلال الحرب العالمية الأولى، جرى تحويل الفندق إلى مستشفى وجرى تزويد المبنى بأول مصعد يعمل على البخار في الهند، وبعدها تحول إلى أول مقصد يجذب الأميركيين، وفيه أول حمام تركي في البلاد، وأول كبار الخدم الإنجليز «باتلرز» عملوا به.

* أجنحة النجوم والسياسيين أجنحة الفندق مميزة جدا، من بينها جناح «راجبوت» ديكوراته رائعة ومريحة، نزل فيه براد بيت وصديقته أنجلينا جولي، أما الجناح الرئاسي «تاتا» فهو أكبر من حيث الحجم، وقع اختيار النجم الأميركي توم كروز عليه عند زيارته مومباي، وكان أول من طلب من إدارة الفندق تزويد الجناح بغرفة خاصة باللياقة البدنية، ولا تزال الماكينات موجودة واستعملتها السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما عند زيارتها برفقة زوجها الرئيس باراك أوباما، وجلس في هذا الجناح أيضا الرئيس برلسكوني والرئيس هولاند وغيرهما من الرؤساء والممثلين أمثال شارون ستون..

أما في جناح «ذا بيل تاور» الذي يحمل شعار جرس من الحديد الصلب، فنزل فيه فنانون أمثال ميك جاغر وغيره من الفنانين، اللافت في أجنحة الفندق هو اختلاف ديكوراتها، مما يعطي كلا منها رونقا خاصا يرضي ذوقا معينا.

* لاحظنا أجمل ما لاحظناه في الفندق هو تصميم السلالم في وسط القصر، فهي متناغمة تلتقي عند مطلع كل عتبة، وقبة عملاقة إذا نظرت إليها تجد في وسطها شعار «تاج»، والسجاد الأحمر الذي يليق بالملوك والأمراء.

واللافت أيضا هو الـ«سي لاوندج» الذي يمكن أن تتناول فطورك فيه، ولكنه مشهور بتقديم شاي ما بعد الظهر على الطريقة الهندية، وأهم ما فيه هو وجود كنبتين يطلق عليهما اسم «كنبتا الزواج»، فالمعروف عن الزيجات الهندية أنها مدبرة من قبل الأهل، ففي فندق تاج محل وبالتحديد على هاتين الكنبتين تلتقي العائلات الهندية لمناقشة زواج ولديهما، وجرت الكثير من الزيجات بعد الاجتماع على الكنبتين في إحدى زوايا المكان، الذي تصدح منه أنغام البيانو بعد الظهر.

والشيء الآخر الذي لاحظناه هو وجود أرجوحة جميلة عمرها من عمر الفندق منذ أن فتح أبوابه للزوار.

* عنوان الأكل في مومباي لا أخفي عليكم سرا إذا حذرتكم من الأكل في الشوارع والأماكن غير المضمونة من حيث النظافة، ولكن مطاعم الفندق تعد مقصد الهنود الذواقة، وتنتشر فيه عدة مطاعم تساير جميع المذاقات، على رأسه مطعم «ماسالا كرافت» ويقدم المأكولات الهندية، ومطعم «ذا ذودياك غريل» مقصد النخبة، ولمحبي المأكولات العربية ينصح بزيارة مطعم «سوق»، أما لمحبي المأكولات اليابانية فيمكنهم تذوق ألذ الأطباق في مطعم «واسابي». ويفتخر الفندق بـ«هاربر بار» الذي يستقبل الضيوف فترة المساء ويقدم الكوكتيلات المميزة، وفيه ولد شراب المارغريتا الذي جرى ابتكاره نزولا عند رغبة أحد البحارة الأميركيين، ولا يزال الفندق يحتفظ بوصفة المشروب الأصلية حتى يومنا هذا.

* خدمة ملكية بما أن الفندق بني على شكل قصر، فلا بد أن تكون الخدمة على المستوى نفسه، فسيكون بانتظار كل ضيف خادم خاص «باتلر» يلبي طلباته في جميع الأوقات.

* الرواق الملكي يشتهر الفندق أيضا برواقه الملكي الذي تزينه اللوحات والقطع الأثرية الأصلية، وصور الرؤساء والفنانين أثناء إقامتهم بالفندق، وبعدها تصل إلى محلات راقية داخل الفندق لأهم المصممين العالميين، إضافة إلى محلات لبيع «الباشمينا» (يمكن المفاصلة فيها)، وفي الخارج تجد فرعا لمقاهي «ستارباكس» تحمل اسم عائلة «تاتا» المالكة للفندق، كتبت باللغة الهندية الرسمية في البلاد.

* خدمات الفندق يقدم الفندق خدمة مميزة يطلق عليها اسم «ذا ترافيلينغ إكسبيرينس» تسمح للضيف بترك أغراضه الخاصة في الفندق إلى حين زيارته في مرة مقبلة، كما يقدم الفندق خدمة النقل من المطار، بالإضافة إلى خدمة التنقل بواسطة أصغر سيارة في العالم، سيارة تاتا نانو، مع سائق يأخذك إلى حيث تشاء، وقد تكون هذه هي الطريقة المثلى للتنقل، إضافة إلى تاكسي التوك التوك والتاكسي العادي وباصات النقل العام، ولكني لا أنصح بها لأنها مزدحمة في جميع الأوقات.

ومن الخدمات المميزة في الفندق، جولة تاريخية يومية في تمام الساعة الخامسة، يقوم دليل من داخل الفندق بتعريف الضيف بتاريخ المبنى وجميع تفاصيله، وتعد هذه الخدمة مرغوبا فيها جدا من قبل النزلاء ويجدر بك حجزها مسبقا.

* زيارات مهمة قريبة من الفندق يقع الفندق في قلب المدينة، ومنه يمكنك التجول على الأقدام للوصول إلى بوابة الهند، ومتحف أمير ويلز والمتحف الوطني للفن الحديث.

ولمحبي التسوق، تنتشر في الشوارع المتفرعة من شارع الفنادق شوارع صغيرة تبيع «الباشمينا» والحلي فلا تقبل بالسعر الأولي، المفاصلة مسموحة وتجدي نفعا. من أشهر شوارع التسوق القريبة من الفندق شيفاجي ماهاراج مارغ وراجكافي بوشان مارغ وشارع ماهاتما غاندي.

تجدر الإشارة إلى أنه في الكثير من الأحيان، تكون المسافة أقصر إذا مشيت إلى تلك الأماكن، فالزحمة خانقة وهناك تحويلات سير كثيرة تجعل التجول بالسيارة من المستحيلات.

* أشهر المحلات «بومباي ستور» Bombay Store، و«إنديان كوتاج» Indian Cottage، ومحلات على امتداد شارع كولابا Colaba

* مطاعم للمأكولات البحرية مطعم تريشنا Trishna، وللمأكولات النباتية swati snacks، ولمحبي الكباب مطعم bade miya وSardar pao bhaji

* ما يبقى في الذاكرة مبنى الفندق الشامخ والتاريخي، وموقعه الرائع على ضفاف بحر العرب مقابل بوابة الهند، وعبق الزهور في أروقة الفندق والأرضية الرخامية والموزاييك والقطع الأثرية الفريدة، وصوت الغراب الأسود في الصباح الباكر، وهدوء المكان من الداخل بالمقارنة مع صخب المدينة ما إن تطأ قدماك خارجه.

للمزيد من المعلومات، يمكنكم زيارة www.tajhotels.com

* للوصول إلى مومباي تسير «طيران الإمارات» رحلات يوميات من دبي إلى مومباي، للمزيد من التفاصيل: www.emirates.com