ينبع.. المدينة القادمة من قلب تاريخ السعودية

عدد ينابيعها يفوق الـ90

TT

تكثر في السعودية المطلة على الخليج العربي والبحر الأحمر، المدن السياحية والتاريخية، ففي كل موطئ قدم هناك حكاية، وما بين الحكاية والتاريخ تفتح كل مدينة ذراعيها وتخرج مكنونها الممزوج بالمخزون التراثي والمقومات السياحية الحديثة، وتفرشها على أعتاب المدينة بغية استقطاب القادمين من الخارج والداخل.

وفي هذا الزخم الكبير من التاريخ والمساحة، يبدو أن «ينبع» الواقعة غرب البلاد قد شقت طريقها نحو التميز والهدف الأقرب بدعم أمير المنطقة والهيئة العامة للسياحة والآثار، لتكون المدينة «النموذجية» في قطاع السياحة من خلال المشروعات الكبرى المزمع تنفيذها في المدينة، بعد أن خصص ما مقدراه 60 في المائة من إجمالي المشروعات المطروحة في الفترة المقبلة، وعلى مساحة 7 ملايين متر مربع لقطاع السياحة.

ولينبع التي سميت بهذا الاسم نسبة لكثرة ينابيعها، التي اختلفت الروايات على عددها، إلا أنها تفوق الـ90 نبعا، كثير من القصص في بطن التاريخ، فعرفت عند الإغريق ميناء مهما لتزويد القوارب والسفن الإغريقية أثناء عبورها البحر الأحمر بالمؤن، كما كانت مركزا رئيسيا في طريق القوافل المتجهة إلى الشام، بينما تعد الغزوات التي كانت بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقريش، من أهم الوقائع التاريخية، وتحديدا «سرية العيص، وبواط، والعشيرة»، وهي مواقع قديمة في ينبع النخل والبحر.

وتحتضن ينبع كثيرا من المواقع التاريخية التي تستقطب السياح، ومن ذلك كثرة قلاعها التي تقدر بنحو 5 قلاع، أنشئت على مدخل المدينة، إضافة إلى سوق الليل التي أخضعت من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار لعملية ترميم، وشيدت هذه السوق قبل 500 عام، واكتسبت الاسم بسبب أنها السوق الوحيدة في تلك الحقبة التاريخية، التي يرتادها المتسوقون ليلا، بينما تتميز السوق بقربها من الميناء البحري وتطل على البحر مباشرة، ويباع في هذه السوق الشعبية السمك المجفف، وأنواع مختلفة من الكائنات البحرية التي يطلق عليها «البصر والزرنباك»، إضافة إلى السمن والعسل والتمر، وبعض المنتجات النحاسية التي كان سكان ينبع يقومون بصناعتها.

وتشتهر المدينة بساحلها الخصب الذي يمتد على نحو مائة كيلومتر مربع، من إجمالي 2400 كيلومتر للسواحل السعودية المطلة على البحر الأحمر وخليج العقبة، الذي يحتضن كثيرا من المشروعات السياحية والمنتجعات، ومنها مشروعات تابعة للهيئة الملكية للجبيل وينبع الصناعية، بينما يعد الصيد في المدينة من أهم الممارسات الترفيهية لكثرة أنواع الأسماك وسهولة عملية الصيد وفق أنظمة الصيد.

وقال المهندس مساعد السليم، محافظ ينبع، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك كثيرا من الفرص المتاحة للاستثمار في قطاع السياحة، والمحافظة بصدد عرض أكثر من 45 فرصة استثمارية، يستحوذ قطاع السياح على النصيب الأكبر بواقع 60 في المائة من إجماليها، وذلك بهدف تقوية البنية التحتية للمدينة في هذا القطاع الذي نجح خلال السنوات الماضية في استقطاب أعداد كبيرة لزيارة المدينة بشقيه التاريخي والسياحي».

وأضاف السليم أن «إجمالي ما هو مطروح من أراض من قبل أمانة المحافظة أمام المستثمرين يتجاوز 7 ملايين متر مربع، التي ستكون في مواقع مختلفة من المدينة، تشمل الفنادق، والمنتجعات السياحية، والمستشفيات، وفرصا في البنى التحتية، وستكون عملية الاستثمار مباشرة مع الجهة المعنية، بعيدا عن الروتين التقليدي في الجهات المعنية».

ولفت محافظ ينبع إلى أن هناك اهتماما كبيرا من الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، بتطوير المدينة وجعلها في مقدمة المدن السياحية، موضحا أن أمير المنطقة التقى بالأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وتخلل هذا اللقاء حوار مطول حول السياحة في ينبع.

ونتج عن هذا اللقاء تشكيل لجنة عليا تحت إشراف الأمير سلطان بن سلمان، لدراسة ينبع الاستثمارية، لتكون نواة ونموذجا على مستوى المملكة، بينما ستقوم لجنة عليا من الهيئة العامة للاستثمار خلال الأيام المقبلة بزيارة المدينة ورصد أبرز معالمها والمواقع الاستثمارية فيها، وذلك بهدف أن تكون ينبع المدينة «النموذجية» والأولى في عالم السياحة.

وأكد السليم أن «ينبع تمتلك كثيرا من المقومات، منها الموقع الاستراتيجي على مستوى المملكة، ووجود المطار الدولي الذي أصبح يستقبل الحجاج، إضافة إلى الطقس المعتدل على مدار العام، والشواطئ البكر على مسافة 80 كيلومترا، وتعد السياحة فيها على مدار العام وهي سياحة مستدامة، خصوصا أن المدينة مقبلة على نهضة في قطاع السياحة وغيرها من القطاعات».

ويرجع تاريخ ينبع إلى 2500 عام، عندما كانت على طريق البهارات والبخور من اليمن إلى مصر ومنطقة البحر المتوسط، وأهملت في كثير من القرون وبقيت مدينة صغيرة لها مقومات غير مستقلة، حتى عام 1975 عندما اختارتها الحكومة السعودية لتكون مدينة صناعية، فعادت من جديد على ساحة الأحداث، وقبل ذلك عندما التقى المؤسس الملك عبد العزيز بالملك فاروق حاكم مصر - آنذاك - في منطقة يطلق عليها «شرم رضوى» التي تبعد عن المدينة قرابة 15 كيلومترا مربعا.

و«شرم رضوى» الذي يطلق عليه حاليا «شرم ينبع» يعد من أهم الوجهات السياحية على البحر الأحمر، كما يحتضن أحد الآثار المهمة وهو «الفرن» الذي أقيم قبل أكثر من 70 عاما لصناعة الخبز والحلويات لضيف المملكة؛ حيث كان موقع الاستقبال - آنذاك - في منطقة جرداء مطلة على البحر، وبمرور السنين تلاشى هذا المخبز. الآن، هيئة السياحية شرعت في إعادة هذا الموقع التاريخي.

وفي هذا الصدد، قال يوسف الوهيب، أمين عام لجنة التنمية السياحية بمحافظة ينبع، إن «العمل بدأ بإعادة بناء وتطوير وترميم الموقع التاريخي الذي التقى فيه الملك عبد العزيز بضيفه الملك فاروق بشرم ينبع»، لافتا إلى أن «الموقع يلقى اهتماما من قبل الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، الذي زار الموقع وقدم كل ما يمكن لإعادة بنائه وترميمه وتطويره».

وأضاف الوهيب أنه «قبل انطلاق العمل في الموقع، وجه الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، جهاز السياحة بالمدينة لعمل المخططات اللازمة، وبعد ذلك شرعت الجهات المعنية والمقاولون في تنفيذ عملية الترميم للموقع»، موضحا أن «أرض الموقع قدمت من علي الجميعة (أحد أعيان ينبع)، إضافة إلى تبرعه في ترميم الفرن وإقامة مركز حضاري يحيط به».