ندوة شهدت جدلا واسعا في أبها: أكاديميون يؤكدون وجود «منهج خفي» في العملية التعليمية والتربوية السعودية

أمير منطقة عسير: الإرهابيون «حطب» والجهد في تتبع من يلقيه مشتعلا في شوارعنا

TT

وجه أكاديميون وخبراء في التعليم ومشاركون في ندوة علمية اقيمت امس في مدينة أبها (جنوب السعودية)، انتقادات ساخنة ومباشرة ضد المناهج التعليمية والعملية التربوية في السعودية. وتناولوا في جلستين شملتهما الندوة التي قدمت تحت عنوان (المنهج الخفي والمنهج المعلن)، مسببات الخلل الذي يعتري المنهج الديني في المؤسسات التعليمية، والذي دفع بالمدارس والجامعات الى ان تتحول من مكان للتعليم العام والأكاديمي المحض الى محضن لنقل القيم الخاصة التي يعتنقها المعلمون والمعلمات فيها، الى الطلبة والطالبات.

وحظيت الندوة التي رعاها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير، ونظمها نادي أبها الأدبي بالتعاون مع لجنة التنشيط السياحي بحضور جمع غفير للندوة ومتابعة قنوات فضائية محلية وعربية بالاضافة الى وكالة الأنباء السعودية.

وفي الوقت الذي تباينت الآراء حول تعريف المنهج الخفي ومسبباته، وضع الدكتور حمزة المزيني الأستاذ بجامعة الملك سعود في الرياض، في ورقته التي قدمها في الجلسة الأولى بعنوان (الآثار والسلبيات للمنهج الخفي)، وضع أهمية بالغة للمنهج الخفي بكونه أبعد أثراً في صوغ توجهات الطلاب والطالبات من المناهج الدراسية الأكاديمية نفسها، لما يتمتع به المعلم من مكانة خاصة لدى تلاميذه، في ظل توجه المعلم للانتماء الى اتجاه معين يرى ان الدعوة اليه وتكثير أعداده فرض ديني يؤجر عليه.

ورأى المزيني «ان للصحوة الاسلامية تأثيرا مباشرا في بروز هذا المنهج والتي يعود إليها تشكيل المنظر العام لمظاهر التدين الخارجي من تقصير الثوب والسواك وإعفاء اللحية وتحريم الأغاني والموسيقى». ومضى يقول «ساهمت هذه الصحوة والجو السياسي العام في شيوع آيديولوجيا حركية تصطبغ بالطابع الاسلامي وتؤثر في المعلمين والطلاب، حولت المدارس من أماكن للتعلم إلى ساحات للوعظ والدعوة وتأصيل فكر الجهاد». وشدد على ان «المدارس كانت الميدان الأبرز الذي شاعت فيه هذه المظاهر، وهذا الخطاب، وأصبحت موقعاً متميزاً للحض على التبرع للمجاهدين واشاعة روح الجهاد وطلب الشهادة».

وأكد المزيني «عدم التزام المعلمين بما يرد في المقررات الدراسية من معلومات واضحة خاصة من معلمي المواد الشرعية وتفسيرهم للمنهج الدراسي وفق تصوراتهم الخاصة».

واتهم «جماعات الأنشطة الصفية وغير الصفية في المدارس، وبعض مكتبات المساجد، والاشرطة الاسلامية، والمخيمات الدعوية، والمراكز الصيفية، في المساهمة ببروز المنهج الخفي وما ترتب عليه من سلبيات، حتى تجرأ كثير من صغار السن بالوعظ والارشاد، بل والتكفير والتفسيق والتبديع، مما أوقفهم عن مواصلة تعليمهم، والمساهمة في داخل نشاطات العنف، ومن ثم الالتحاق بسلك الدعوة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، او الخروج من بلادهم ليلتحقوا بالمجاهدين تحت كل الأسماء، وهو ما جعل كثيراً منهم لقمة سائغة للفتاوى التي تحرض على الخروج على النظام العام في السعودية والقيام بأعمال عنف نتجرع مراراتها منذ سنين».

وطالب الدكتور علي الشعبي عميد كلية الأمير سلطان لعلوم السياحة والادارة في أبها، في قراءة لورقة المزيني، بالادراك «ان هناك مظاهر ايجابية للمنهج الخفي وهي في الوقت ذاته من مطالب المنهج المعلن، وتحول ثقافة المدرسة المتزمتة إلى ثقافة انتقائية تقوم المدرسة بطرد العناصر من المعلمين الذين لا يسيرون وفق توجهاتها وجذب العناصر الخارجية التي تتبنى أفكارها المتشددة عبر آلية على المستوى المركزي للحد من هذه الظاهرة» .

وألقى الشعبي باللائمة على «الكليات والجامعات والتي شكلت لدى المعلم قناعات لتبني بعض الافكار المتطرفة والتي تمثل الأنشطة الطلابية والمعسكرات بيئة خصبة لها، ويحمل القائمون عليها أفكاراً للتشويش على النشء في قضية المواطنة، وان هذا ابن البلاد هو مسلم، والمسلم وطنه كل العالم الاسلامي، ليضعفوا لديهم انتماءاتهم الوطنية وبالتالي تقبل الافكار المتطرفة التي تجعلهم لا يرون ضيراً في القتل والتخريب في وطنهم».

واعترف الشعبي باستحالة إلغاء المنهج الخفي ولكنه لمس امكانية التعامل معه بشكل أكثر ايجابية ومكملاً للمنهج الدراسي المعلن عبر «تنمية الوازع الديني لدى الطلاب على الوسطية ليشكل لديهم معياراً يضبطهم مع التركيز على مهارات تنمية الذات وبناء الشخصية وتعزيز الثقة في النفس وتقبل النقد واحترام الآخر لتدعيم مفهوم بناء الشخصية المتكامل والمتوازن».

وتساءل الدكتور خالد بن صالح السيف، وهو محاضر بكلية الشريعة في القصيم، في قراءته التعقيبية عن «عدم التفطن لاكتساح المنهج الخفي حجرات المدارس وآلية فحص واقع المدرسين للربط بين وظيفة التدريس والتكوين».

وقال «ان عدم اعتاقنا من مأزق أزمة العقل وبقاءنا في قمقم هذه الأزمة، يرشحنا بكافة أطياف مجتمعنا أن نظل نهباً لأيما أدلجة تتخطفنا من بين أيدينا ومن خلفنا. كما ان تولعنا بالهروب الى الماضي والارتداد الى قضاياه ومشكلاته واطر مفاهيمه، يفضي بنا إلى فكر سكوني يرفض الاعتراف بالصيرورة التاريخية في بعدها القرآني وليس الديالكتيكي».

ثم بدأت مداخلات الحضور بمحمد آل زلفة عضو مجلس الشورى السعودي، الذي ركز فيها على «اختطاف المجتمع والخروج به من دائرة الوسطية»، فيما قاس مشاري الذايدي في مداخلته «مدى هيمنة التطرف والاشادة برموزهم» وتساءل «عن سلامة المنهج المعلن من الخلل الذي يساق جميعه على المنهج الخفي».

وأكد زياد الدريس، وهو رئيس تحرير مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم السعودية، «على عدم إمكانية تغيير المنهج الخفي الذي لا يشكل مشكلة في محتوياته بقدر ما يشكلها رموزه». وقال «نحن لسنا ضده، فهو أحيانا ليس سيئاً بل هو مطلوب وحسن من المعلم، الذي لا نريده محنطاً، ويلزمنا هنا ان نعالج المنهج الخفي السيئ دون الدعوة لإلغائه بوضع قيود عليه». وتحدث محمد الناصر الأسمري عن الغفلة عن خطورة الفكر المتطرف، ووصف المثقفين السعوديين «بممارسة الاستحياء والنفاق في توضيح المنهج الخفي».

وكان الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير قد ألقى كلمة تضمنت في مقدمتها ان «هذه الدولة دولة اسلامية ولن تحيد عن الاسلام، كما أكد ذلك الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد الذي قال اما ان تكون هذه الدولة بالاسلام او لا تكون». وأضاف «ان الدولة ايضا مصرة على التطوير والتحديث ولن يردها شيء. وهي تعتقد ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان، وهو المساعد الاكبر على الاصلاح والتطور. ومن يعتقد ان الاسلام ضد التطور والتحديث فهو ليس منا، واسلامه غير اسلامنا».

وأكد الفيصل على قوله «آن لنا أن ننتبه من الغفوة وان يتم محاسبة الذين لا يبثون ثقافة البناء في اشرطتهم وكتيباتهم». وشدد في قوله «انتهى وقت الغفلة، وقرار المواجهة مع الارهاب ليس مقصورا على القنابل البشرية التي تنفذ التفجيرات وأعمال التخريب، بل على الغطاء الفكري والنظري لهم. وهذه هي المعركة التي ستستغرق عشرات السنين ولن نتوقف عنها أبدا».

وقال «ان هؤلاء المنفذين من الارهابيين ليسوا الا حطبا، والجهد الحقيقي سيتجه بمن يلقي بهذا الحطب المشتعل في شوارعنا».

وتذكر الأمير خالد الفيصل في كلمته مراحل دراسته في المدرسة النموذجية في الطائف، وكيف كانت مثالا للتسامح والإنضباط والحب، وتساءل «ما الذي جرى، ولماذا صرنا نسمح بالتكفير والتطرف والتفجير؟».

وكانت الجلسة الثانية بعنوان (المنهجان الخفي والمعلن اتفاقاً لا اختلافاً) والتي ادارها حمد القاضي عضو مجلس الشورى، وقدم ورقتها الدكتور محمد شحاتة الخطيب مدير مدارس الملك فيصل، ويحاور فيها عبد الله محمد الفوزان عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، والدكتور طلال بكري المحاضر بجامعة الملك خالد. وتناول الخطيب المنهج الخفي بين الأيدولوجية والتصميم واعتبره منهجا يمكنه ان يكون أيديولوجياً في تحقيق العديد من المطالب والوصول الى الكثير من الاهداف غير المعلنة، ويتعدى المنهج المعلن متناولاً كل ما يمكن تعلمه في المدرسة من تعلم غير مقصود وغير موجود في المنهج الرسمي. وقال «ان اخفاقات المنهج المعلن تقود الى اخفاقات المنهج الخفي»، وهنا تساءل الدكتور عبد الله محمد الفوزان أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود في الرياض بعد اتفاقه مع رؤية المحاضر، عن سبب اتجاه اخفاقات المنهج الخفي اتجاهاً تدميرياً للمكاسب القائمة بدلاً من ان تتجه الى إضافة مكاسب جديدة تضاف الى سابقاتها؟ ولم يخف الدكتور طلال اتفاقه مع ما ذهب إليه الدكتور الفوزان واضعاً عدداً من الرؤى التي ساندت بعض ما جاء في الطرح.

وطالب الدكتور علي شويل القرني رئيس جمعية الاعلام والاتصال بالتفريق بين التعليم والاقناع خصوصاً ان الارهاب مؤسس على الاقناع لا على التعليم الذي لم يفرز الارهابيين.

وتعجب من تسليط الضوء على المنهج الخفي الذي لا يتجاوز 10 في المائة، دون المنهج المعلن الذي يساوي 90 في المائة.

وشعر مشاري الذايدي بحجم الخطر في التربية التي لا يجب ان تترك للأكاديميين وأكد ان «المفاجأة التي تلحق بالكثير لو طرح استفتاء حول بن لادن و«القاعدة» وهل هما نموذج للبطولة والنجاح؟». وخشي الذايدي من وعي التخدير كلما حاولنا الافاقة من الارهاب الجرح النازف المسنود بفكر ودعم معين.

* لقطات

* أدار الجلسة عبد الرحمن السدحان نائب أمين مجلس الوزراء السعودي

* شاركت سيدتان بمداخلات جاءت في خارج الموضوع

* امتدت الجلسة عن الوقت المقرر لها بساعة ونصف

* غلب النوم بعض الحاضرين في ظل تواصل الجلسة لثلاث ساعات دون وقت للراحة

* أحدثت مداخلة محمد الناصر الأسمري جدلاً كبيراً لجرأتها

* شاركت قنوات فضائية في تغطية الحدث ( artوالسعودية والإخبارية)