«القصار» أقدم قرى جزيرة فرسان في البحر الأحمر: متحف مفتوح عن العهد الروماني تحرسه مزارع النخيل بعد أن هجرها أهلها

TT

تعد قرية «القصار» من القرى التراثية القديمة في جزيرة فرسان. وبرغم ذلك لا يجد زائرها أي معلومات تفيد عن سكانها الأوائل في العهد الروماني، أو حتى تنبيهات لأمور خطرة قد تواجهه داخل هذه القرية المهجورة. وعلى زائرها الاجتهاد في تجواله وأن يترك لمخيلته بقية المشوار. بيوت حجرية طينية قديمة جدا، وأطلال بقيت صامدة في وجه الزمن تحكي قصص الراحلين عنها، بعد أن تركوا كل ملامحهم على جدرانها الحجرية وأزقتها الترابية التي يترامى على حوافها بعض أحجار لبيوت لم تصمد كثيرا أمام سطوة الأمطار والرياح لتكون شاهدا على الهجر. لكن شيئا وحيدا رفض الهجرة من قرية القصار وظل وفيا لها.. هي مزارع النخيل المترامية بجوارها على امتداد النظر ترحب بالزائرين بخضرتها وبلحها الناضج في انتظار أصحابه الذين رغم هجرهم السكن في القرية، الا أنهم بقوا على علاقة ود بنخيلها.

وقرية «القصار» كانت منطقة غير اعتيادية لمغرياتها، كونها كانت مصيفا قديما لسكان جزيرة فرسان أثناء مواسم استواء الرطب. وتتصف آبارها بعذوبة الماء لقربها من سطح الأرض. وهي عبارة عن عدد غير بسيط من البيوت والأطلال الحجرية التي تجبر السائح على التجوال في أرجائها ليشبع نهم فضوله لمعرفة حياة الإنسان في قرية حجرية بيوتها الطينية بنقوش زخرفية وكتابات قديمة، تتوسطها آبار الماء ويزيد سحر هذه القرية بعض الشجيرات الخضراء الصغيرة التي تنبت في أرضها بشكل عفوي، إلى جانب أنها قريبة جدا من وادي (مطر) المليء بقطعان الغزلان الأدمي والذي يعتبر من المحميات الفطرية الهامة، وهي في ذات الوقت قريبة جدا منطقة (الكدمي) الأثرية.

يقول الكاتب إبراهيم عبد الله مفتاح والمهتم بالآثار في المنطقة «قرية القصار هي الجرح الدامي فهي منطقة خصبة بالآثار التي تعود إلى العهد الروماني، إذ بداخلها ما يشبه كنيسة قديمة وفيها بعض الرسومات والكتابات القديمة جدا بعضها تعود للعهد الحميري والمؤسف في الأمر أنها تتعرض في بعض الأحيان إلى السرقة من قبل أناس لا يعون أهمية التراث وتُباع على مرأى من الناس من دون أي اهتمام بقيمتها التاريخية ولم تنل القرية اهتمام المسؤولين الأثريين». وتقع بالقرب من القصار أيضا قلعة لقمان على بعد 2 كم منها، فتظهر على مكان مرتفع أطلال لبرج أو حصن دفاعي قطره أكثر من عشرة أمتار مبن بحجارة ضخمة وهو في مكان استراتيجي بالنسبة للجزيرة. ويعود هذا الحصن الأثري إلى الفترة الإسلامية المتأخرة، وذلك يتضح من نوعية الفخار المنتشر حول الموقع.

وذاكرة القرية الحجرية تملأ خيال السائل تساؤلات كثيرة .. عمن سكنوا هذه الأطلال وعن نمط حياتهم، ورغما عنه سيشاهد أناسا بملامح سمراء تمر من تلك الأزقة وتدخل تلك الدور الحجرية وتتحدث بلكنة فرسانية عتيقة ونساء يلبسن المسافع على رؤوسهن يتحدثن قرب أبواب خشبية قصيرة، كل هذا يعتمد فيه السائح على مخيلته إن قرأ عن هذه القرية، فإن لم يفعل فإنه يجد نفسه أمام حياة إنسانية مجهولة لفقر القرية التراثية من اللوحات التي تتضمن معلومات تعطيه فكرة عامة عما بداخلها.

لكن أمرا وحيدا يعكر صفو التجوال في أرجاء قرية القصار المترامية بمغرياتها، وهي الأفاعي والثعابين التي تكاثرت في هذه المنطقة وسكنت تلك الدور الحجرية المهملة بعد أن هجرها سكانها وأهملتها أيدي المسؤولين عن التراث.

وكما تقول مريم إحدى بنات فرسان: «التجوال داخل القرية خطر بسبب كثرة الأفاعي التي قد تقفز في الهواء متجهة نحو هدفها». وتحكي قائلة «ذات مرة كان هناك بعض الزائرين لنا وذهبوا إلى القصار للتجوال فيها وكان نصيب أحد أفرادها أن لدغه ثعبان في رجله. وأناس آخرون أيضا تفاجأوا بعد تجوالهم وركوبهم سيارتهم بإحدى الأفاعي قد تسللت لسيارتهم وكانت بالانتظار».

لكن إبراهيم مفتاح يجد هذا الكلام مبالغا فيه بشكل يخيف الزائر ويقول «لقد حصلت بعض حالات قليلة تعرضت للدغ الثعابين، وحالة وفاة واحدة، لكنه من الطبيعي أن توجد الثعابين والأفاعي في قرية مهجورة لا يخدمها أحد ولا تنال الاهتمام الأثري الذي تحتاجه. ويمكن القضاء على ذلك ببساطة لو وصلتها أيدي المهتمين».

وهذه القرية التي تعج بعبق تاريخي وموقع استراتيجي مغر في جزيرة فرسان الأم ما تزال مهجورة من سكانها ولم يدرك قيمتها المهتمون بالآثار والتاريخ، لكن صمودها يعطي علامة أنها ما زالت تنتظر من يسعف آثارها القديمة.