فوز رواية «آخر الأخبار السيئة» تكشف عن حالة طلاق بين الإبداع والفن وإدارة الأندية الأدبية في السعودية

العتيق: الأديب السعودي يعرف طريقه جيدا والجائزة ليست أمرا ملحا

TT

قال القاص السعودي منصور العتيق في حديث مطول حول أزمة المثقفين والثقافة في بلاده، إن هناك حالة طلاق بين الإبداع والفن وإدارة المناشط الفنية والثقافية في السعودية، وذلك بسبب أن الفعل الرسمي المتعلق بالثقافة لا يناسب روح الثقافة. وتساءل العتيق في حديثه لماذا يتنكر المجتمع السعودي لابنه بمجرد أن يصبح مثقفاً، ولماذا تهمل الأجهزة الرسمية الثقافة والمثقفين في البلاد، هل لأنها رسمية؟

وتناول حوار «الشرق الأوسط» مع القاص السعودي منصور العتيق، الذي جاء بمناسبة حصوله على المركز الأول عن القصة القصيرة في جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها السابعة عن مجموعته القصصية «آخر الأخبار السيئة»، عدم تكريم المبدعين السعوديين داخل بلادهم عند تحقيقهم للإنجازات الأدبية عربيا أو عالميا، ضعف أداء الأندية الأدبية وغيابها عن الساحة الثقافية في البلاد، وعدم تبني المؤسسات الثقافية للشباب في بداياتهم. * عدم تبني المؤسسات الثقافية للشباب في بداياتهم ألا يشكل قطيعة بينهما في المستقبل، وهل يمكن أن تشكل هذه القطيعة خطورة ما على هذه المؤسسات ودورها الثقافي؟

ـ بلى، الشق الأول من سؤالك صحيح تماماً.. هناك قطيعة تتزايد باطراد، وليس في الأفق حل محتمل أو انفراج وشيك، لكنني أشك أن هناك خطورة، معظم البرامج والمناشط المؤسساتية عبارة عن رؤوس أقلام مكتوبة في أحد المكاتب، هذا التغيب عن المشهد والعزلة في المكاتب يجعلها لا تتخيل البرامج فقط، إنما تتخيل جمهوراً ومتلقين، ولن يضيرها أيضاً أن تتخيل مثقفين، يبدو أنه انفصال متفق عليه مسبقاً، وأن الطرفين المثقفين والمؤسسات الرسمية مرتاحون لهذا الطلاق. إنه لا يمكن أن تكون الثقافة مؤسسة لها الكثير من الموظفين وتوزع الرواتب وتقبل المناشط المعدة مسبقاً وتعمل بساعات عمل رسمية، فالمؤسسة الرسمية لا تخلق الثقافة والإبداع، بل تهيئ له هواءه النقي وجوه الملائم، لكن هذه مهارة لا تجيدها بعض المؤسسات لدينا كما تجيدها مؤسسات مماثلة في أبو ظبي والشارقة وبيروت والقاهرة.

* المواقع الثقافية على الإنترنت أكثر تبنياً للشباب المبدعين من المؤسسات الرسمية ما مدى صحة ذلك؟

ـ أخاف من مفردة (تبني) لأنها ستحيل الأمر إلى وظيفة رسمية يجب أن تبدأ وتنتهي وفق خطة مرسومة مسبقاً، فمواقع الإنترنت تحمل سلاح الاتساع، والحرية والانفتاح، لذلك ينقاد لها الشاب بلا شعور، ربما لأنه لا وجود لتلك المؤسسة الرسمية التي ترحب بالشخص فقط لكونه موهوباً، أو مبدعاً شاباً.

* ما مدى جدية المنتديات الثقافية على الإنترنت وما هو تقييمك لهذه المنتديات وماذا قدمت للمثقفين؟

ـ ليس هناك مقياس ثابت للجدية، المسألة نسبية تحكمها رغبة الشخص المرتاد، وبحسب جدية المثقف المعطاة لهذه الشرفات الحرة المسمّاة منتديات ثقافية يكون ما يجنيه من جدية ومن فائدة، لكن المنتديات مع ذلك ليست جنة المثقف دائماً، أحياناً تتسرب لها مشاكل وعاهات الصحف، من وصاية ورقابة وفهم خاط، بجانب الشللية والتعصب أحياناً.

* الأندية الأدبية ماذا تقدم للمبدع والمثقف بوضعها الحالي وهل ترون ضرورة لتطويرها؟

ـ في المرة الوحيدة التي حضرت فيها أمسية ما في أحد الأندية كان الأمر أشبه بمعركة كلامية شديدة الصخب، بدأ النقاش حول رواية سعودية، ثم انتهى إلى تعارك وشتائم مؤدبة وغير مؤدبة.. هل تصدق؟ أحكي لك هذه الحكاية لكي أقول إنني لا أملك ذكريات جيدة مع هذه الأندية.. في السابق كنت أسمع أسماءها فأعتقد أنها أماكن للشعر والفن والكتب، كان اسمها «أندية أدبية» جميلاً على كل حال، لكن إصداراتها لا تصل للناس، ودورياتها شحيحة الكم والكيف معاً، ولا يكاد يعرف الناس عنها شيئاً، باستثناء تجربة جميلة لناد جميل هو نادي جدة الثقافي الأدبي، هناك مناشط فعالة حقا وإصدارات غنية ومفيدة، لا أعرف لماذا لا تستفيد الأندية الأخرى من تجربة غنية مثل تجربة نادي جدة، لكن أعتقد فعلاً أن كلامي ضرب من حكايات الوقت الضائع لأن الكثيرين قبلي قالوا مثل هذا الكلام، لا بد أن أصواتهم بحت بلا نتيجة، ولا أريد لصوتي نفس المصير!

* ما سبب تغيب المثقف والمبدع السعودي عن مجتمعه؟

ـ أنت تحيلني إلى زوايا لا أريد اللجوء إليها، على الأقل الآن، لا أريد أن أخوض معركة تنظير مع أو ضد المثقف السعودي، ولكن هل يكفي حالياً أن أطرح السؤال بشكل آخر: أن أقول مثلاً: «لماذا يتنكر المجتمع السعودي لابنه، بمجرد أن يصبح مثقفاً؟».

* ما مدى حاجة الشباب إلى جائزة وطنية تقديرية لدفع مسيرتهم الإبداعية كما هو معمول به في كثير من البلدان العربية؟ ـ الحاجة ليست ملحّة، لأن الشاب هنا لم يعد ينتظر الشيء الكثير، يشتري كتبه من القاهرة والبحرين، وينشر في بيروت، ويشد الرحال لمعرض أو محفل هنا وهناك، لكن إن أتت جائزة كهذه فلا شك أنها خطوة في إعادة الأمور إلى نصابها، على الأقل في الاعتراف بالشعر والقصة والرواية والمسرح كإرث حضاري وكمشروع إنساني جاد. إن مشكلتنا أننا نحيل هذه الفنون إلى الهامش، أو إلى الفهرس تماماً، تصوّر أنني تعبت في الشرح لجهة العمل التي أنتمي إليها كيف أنني فزت بجائزة عربية بهذا الوزن وأنني أستحق بسببها الحصول على إجازة اضطرارية والسفر لتسلم الجائزة، وكيف أنني وجدت من الضروري الإجابة عن أسئلة مثل: ما هي القصة؟ هل هي حقيقة أم كذب؟ هل تعود من العمل لتكتب قصصا؟ وحينها لم أوفق في الشرح، ولم أحصل على إجازتي المرجوّة!.