السعوديات يعانين من «الإرهاب» النفسي: غياب ثقافة الاعتذار تقود المرأة من بريئة إلى مذنبة

TT

سلطت قضية المذيعة السعودية رانيا الباز التي تعرضت للضرب المبرح والإيذاء الجسدي من قبل زوجها، الاضواء على اوضاع المرأة في السعودية وما تعانيه من «ارهاب» نفسي. وتفجرت قضية رانيا الباز وزوجها نتيجة خلاف أسري بينهما، أعقبها الزوج بمحاولة للتشهير والتلويح على مسمع ومرأى من جميع المشاهدين بان السبب في قضية الخلاف ربما يعود لقضية أخلاقية، هذا مما جعل القضية تأخذ منحى آخر، من الخاص الى العام، خاصة بعد تنازل المذيعة عن حقها في القضية، وتم الإفراج عن الزوج مقابل هذا التنازل.

وترتب على تصرف الباز هذا نقمة كثير من السعوديات عليها، بعد أن كانت في نظرهن بعد عرض صورها وقد تضخم وجهها من جراء الضرب، بريئة ومظلومة وواقعة تحت ظلم يجب أن تنصف، لأن إنصافها إنصاف لكل المظلومات اللاتي يتعرضن للضرب على شاكلة الباز.رانيا الباز ليست أول امرأة تتعرض للضرب، ولا زوجها هو الوحيد الذي يستند الى مبررات لكسب استعطاف الآخرين وكسب آرائهم ولماذا يكون الاعتذار من قبل المرأة شهادة ضعف لا قوة، وكيف نستطيع أن نحمي أطفالنا من مشروع إنتاج جيل يحمل نفس الثقافة ؟

يقول د. سليمان الغديان أستاذ العلاج النفسي المساعد عن ذلك: ان الاعتذار يعتبر من أهم عوامل الحفاظ على العلاقات بين الأشخاص من التدهور والانقطاع. فتجد أن عدم اعتذار الزوج أو الزوجة عن خطأ صدر من أحدهما تجاه الآخر ربما أدى إلى الطلاق بين الزوجين. لهذا تكمن أهمية الاعتذار في وقت وقوع الخطأ إلى تلافي حدوث عواقب وخيمة كان بالامكان التعامل معها وحلها في حينه. إلى جانب أن هناك بعض الناس لا يعتذرون عن خطئهم خوفا من الشعور بالدونية ?وضعف الشخصية ووصم النظرة الاجتماعية له بأنه خائف لا يستطيع أخذ حقه بيده. ويؤكد الدكتور الغديان أن التزام الشخص بسلوك الاعتذار من الآخرين يدل على أنه يتمتع بنضج عقلي وانفعالي من خلال تحكمه في الموقف. وانه يتمتع بتقدير عالي لذاته من خلال اعتذاره وذلك للحفاظ على مصالحه وحقوقه بدون انتهاك لحقوق الآخرين الى جانب حب الشخص ورغبته في الحفاظ على علاقة جيدة مع الآخرين.

* تحقيق الأمان

* وتباينت ردود مجموعة من السعوديات عن أهمية تحقيق الأمان الاجتماعي لدى المرأة ومن يحقق لها هذا الأمان. (أ. ح) ربة منزل تؤكد: أن انعدام الشعور بالأمان، مسؤولية الأسرة قبل أي مؤسسة أخرى، لكونها السور الذي يحمي ويرسخ الشعور بالأمان، وبالنسبة للمرأة في مجتمعنا يأتي دور الزوج بعد دور الأهل مباشرة في حفظ الحياة الاجتماعية والنفسية للمرأة. ومع مشاركة الكثير من الجهات والمؤسسات في التأثير المباشر عليها إلا أن الأهل والزوج هما الإطار الذي يرسم مساراتها ويحدد لها الأولويات بحسب الأعراف والتقاليد وليس بحسب مشيئتها، مما يعرضها للشعور بالكبت ومحاولة إخفاء ذلك في تكريس للأمراض النفسية الكامنة والتي يأخذ التعبير عنها أشكالا عدة قد يكون أخطرها تمرير إحباطها من خلال التعنيف لأبنائها والقسوة عليهم.

من جانبها تفيد نوال إبراهيم ، 25 عاما ، بأنها عازفة عن الزواج لأنها تراه من اقوى الأسباب المؤدية لزعزعة شعورها بالأمان وتؤكد على أنها ستنقل هذا الشعور لأبنائها، فيما لو تزوجت ، موضحة بأنها تعيش في بيئة جيدة ولا تعاني، وهي بين أفراد أسرتها من أي معاناة ، مبررة عزوفها عن الزواج بأنه رد فعل طبيعي على كل ما يمنحه المجتمع للرجل من امتيازات تمكنه من السيطرة على المرأة بدون رادع مستشهدة بما طالعتنا به وسائل الإعلام مؤخراً من إثارة لقضية لسيدة إعلامية معروفة انتهت بالإفراج عن المعتدي (زوجها). إذ تعتبر نوال هذا الموقف تجاهلا لحقوق الفتيات بالشعور بالأمان وبان هناك من سيكون بالمرصاد لمن يعتدي على النساء حتى ولو كان من المقربين.

ومن نوال إلى نورة التي طرحت سؤالا وصفته بأنه حائر وقالت «إلى أي درجة يمرر لنا المجتمع رسائل (إرهابية) لا تقل أهمية عن خطورة التشريك والتفخيخ المؤدي للتفجير؟». وتشرح بقولها «لا يوجد فرق بين الإرهاب الذي يمارس على المجتمع بكافة أطيافه أو على المرأة فقط ، لكن تظل المرأة ترتكب جريمة في حق كرامتها عندما تصمت وتتواطأ مع من يمس كبرياءها، في حين ينطلق الإعلام وطبقات المجتمع والكتاب والمفكرون لنقد ما يستفزهم حتى يتم النظر فيه، وهنا يكمن الفرق، حيث أن التصعيد يؤدي بالضرورة للدفع بالقضية لأن يتم حلها، بينما يبقى الحال على ما هو عليه عندما تتنازل النساء ويتكتمن على عنف المجتمع الواقع عليهن». وتزيد موضحة «إن من يمارسون العنف منا وفينا، لكن تبقينا أواصر القربى مرتبطين بهم بالرغم من كل شيء». وتختم نورة بالاشارة الى «ضرورة البحث عن جذور القضية والتعرف على مكمن الخلل والتصدي لعلاجه».

سحر الرملاوي، الإعلامية والكاتبة بجريدة الرياض، ترد على حيرة نورة إذ تقول «يظل العجب من مجتمع يرفض العنف ويحاربه وفي ذات الوقت يصبه دون أن يدري في أوردة رجاله». وتقول «نحن نكبر وندخل دوائر العالم الحديث ونتعامل مع معطياته، لكننا ما زلنا نصر على الاحتفاظ بالمبادئ التربوية القديمة التي تفرق بين خطأ الولد وخطأ البنت حينما تتجاوز عن أخطاء الذكور وتبقى في الذاكرة صغائر الأخطاء التي تبدو من الفتيات». وتؤكد أن «المجتمع ما زال يغلب العرف على شرع الله الذي ساوى تماما بين الرجل والمرأة لذلك من الطبيعي أن يتجذر العنف ويتغلغل في أحشائه».

وعن الحلول الممكنة تفيد الرملاوي بأننا لكي نتجاوز ونتغلب على الإرهاب الاجتماعي ـ العنف الأسري ـ لا بد لنا من وقفة مع ذواتنا ومراقبة دقيقة لردود أفعالنا إزاء تربية الصغار حتى لا نجير الحقوق دائما لصالح الذكر فيما نثقل المرأة بالواجبات ونحرمها بالمقابل من ضرورة معرفة حقوقها، ثم نعود للتعجب حين يطبق الذكر حرفيا ما تعلمه من الموروث الاجتماعي من تعنيف للمرأة أو محاولة لاستلابها. ويعلق د الغديان على هذا الطرح بقوله «تعتبر الأسرة واحدة من المؤسسات الاجتماعية الرئيسية، لديها وظائف هامة في ما يتعلق بالأطفال. وهذه المهام والوظائف هي التعليم غير الرسمي والتدريب ونقل ثقافة الوالدين والمعرفة العملية والزمالة وممارسة السيطرة والحماية وتحقيق الأمان النفسي». وينصح بأنه «في حالة حدوث اضطراب في العلاقات بين الزوجين فان تأثيره لا يقتصر على الوالدين فقط وإنما يمتد إلى الأبناء. ويظهر هذا التأثير على شكل اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية. ولكي نحمي الأبناء من تأثير سوء العلاقات بين الزوجين فلا بد من تقوية الوازع الديني لدى الوالدين للوصول إلى عمل موحد من اجل تجاوز المواقف السلبية مع معرفة كل طرف دور كل واحد منهم، لان اختلاط الأدوار قد يكون السبب في كثير من المشاكل الزوجية، إضافة إلى العمل على حل المشاكل في وقتها وعدم تأجيلها، لان ذلك يجعلها تكبر وتتفاقم مما يزيد من صعوبة حلها واللجوء إلى أهل الاختصاص للمساعدة في حل المشكلة».

واضاف د. الغديان «ينبغي إدراك أهمية ذلك لان كثير من حالات الطلاق كانت نتيجة لمشاكل بسيطة والنقاش الحاد (أو الصدام) بين الزوجين بسبب مشكلة ما، كان يجب أن لا تطرح أمام أعين وسمع الأطفال، لان ذلك يزرع في نفوسهم الخوف وعدم الثقة في البيئة الأسرية». ويشدد على أن من المهم «عدم نقل ضغوط العمل إلى البيت، لان لها دورا كبيرا في بعض المشاكل الأسرية والتدريب على المصارحة بين الزوجين، لان هذا من أقوى العوامل التي تزيد من قوة العلاقة بينهما، إلى جانب ضرورة تغيير الروتين في البيت، لفائدته في التقليل من الشعور بالملل والذي يلعب دورا كبيرا في حدوث بعض المشاكل الزوجية».