بعد نقل 5 استشاريين في مستشفى الملك عبد العزيز بجدة: مرضى سعوديون يطالبون وزير الصحة بالتدخل لإنهاء معاناتهم مع قوائم الانتظار

TT

منذ «45 يوما»، تتصاعد وتيرة التذمر بين مئات من المرضى المصابين بأمراض خطيرة من طول بقائهم على قوائم الانتظار، لتلقي العلاج في مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الاورام في جدة.

التذمر سببه أن عدد الأطباء عند مراجعتهم يوميا العيادات الخارجية، والقسم الخاص في المستشفى غير كاف، بعد صدور قرارات إدارية طالت خمسة جراحين من الاستشاريين السعوديين في المستشفى والمركز الخاص، ونقلهم بهدف «المصلحة العامة»، كما أفاد مدير الشؤون الصحية بجدة، الذي استقال من منصبه ليلة أول من أمس.

وهم يعانون من قرارات تحويلهم الى مستشفيات أخرى مزدحمة بالمراجعين، والتسجيل في قوائم انتظار جديدة، خصوصا أن معظم المستشفيات الحكومية تفتقر الى التجهيزات الطبية المتوفرة في مستشفى الملك عبد العزيز ومركز اللأورام في جدة.

هل نموت.. ونحن في الانتظار؟

يقول عيسى الرابغي الذي تعاني ابنته، 16 عاما، من التهاب حاد ومزمن في القولون أن اليأس أصابه، وهو يتردد لسنوات بين المستشفيات الخاصة والحكومية بحثا عن علاج ينهي معاناة ابنته، الا أنه وجد ظالته في مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الأورام في جدة، عن طريق الاستشاري الدكتور فهد العباس، الذي ساعده على تشخيص الحالة، وقدم له خدمات طبية تجاوزت حدود المستشفى، لتصل الى حد البحث عن أدوية غير متوفرة في السوق المحلي، ومساعدته في الحصول عليها. وأثنى الرابغي على كفاءة الاستشاري السعودي الذي وصفه بأنه أعاد الأمل الى ابنته وأسرته، والتي قررت العودة الى صفوف الدراسة في المرحلة المتوسطة بعد انقطاع دام سنتين. مطالبا أن يتدخل وزير الصحة لإنهاء معاناة المراجعين للمستشفى «أملنا كبير في الدكتور حمد المانع الذي نشهد له بأنه متابع دقيق وحريص لأوضاع القطاع الصحي من خلال جولاته المفاجئة للمستشفيات والمراكز الطبية في مختلف المدن السعودية».

الشيخ «أبو عبد الرحمن»، وهو قاض شرعي وأحد المراجعين السابقين للمستشفى قال إنه حاليا يعالج ابنه في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، بعد أن لاحظ نقص الاستشاريين في مستشفى الملك عبد العزيز وصعوبة الحصول على بعض الأدوية باهظة الثمن، والذي كان الاستشاريون السعوديون يحاولون تأمنيها بشتى السبل.

وأبدى «أبو عبد الرحمن» أسفه لانتقال الاستشاريين الى مواقع لا تتناسب وامكانياتهم العالية حسب مشاهداته الطويلة من المراجعات الطبية في الكثير من دول العالم بحثا عن العلاج لابنه، داعيا أصحاب القرار لتغليب المصلحة العامة، وإعادة الأطباء الى المستشفى.

«أم أحمد»، سيدة في العقد السادس من العمر، من منطقة (الليث) التي تبعد حوالي 300 كلم عن مدينة جدة تقول «أعاني من مرض في القلب منذ فترة طويلة، وأتلقى العلاج لدى أحد الاستشاريين السعوديين في المستشفى حسب مواعيد محددة، ولا يعلم الا الله، مدى تكبدي لمشاق السفر وحيدة، للوصول الى المستشفى في الوقت المحدد. وعندما جئت اليوم بحسب الموعد المقرر سلفا، تفاجأت بنقل طبيبي المعالج، وعدم وجود البديل. وعندما اضطررت لمراجعة احد المستشفيات الخاصة بجدة، فوجئت أن فاتورة العلاج لشهر واحد ستكلفني دخلي السنوي بأكمله».

*قرار.. يمنع التصريح للإعلام

*علمت «الشرق الأوسط» أن قرارا صدر من إدارة مستشفى الملك عبد العزيز يحظر على رؤساء الاقسام ومرؤوسيهم التصريح لوسائل الاعلام، وأنه سيواجه من يخالف نص القرار عقوبات رادعة. وذلك على خلفية القرار السابق الذي أصدره الدكتور عدنان البار مدير الشؤون الصحية بجدة، وهو أيضا رئيس مجلس إدارة المركز الطبي الخاص في مستشفى الملك عبد العزيز، والذي أبان فيه أن القرار كان يهدف الى تحريك الكفاءات الطبية وتدويرها في مستشفيات محافظة جدة، في الوقت الذي اعتبره الاستشاريون الخمسة المشمولون بقرار النقل، قرارا تعسفيا طال وظائفهم بسبب تصريحات صحافية أدلوا بها الى صحيفة محلية مطلع أغسطس الفائت، وأن قرار النقل صدر بعد مرور أقل من 48 ساعة فقط من مشاركتهم في تحقيق صحافي.

وحماية للمصادر المشاركة في هذا الموضوع، اختارت «الشرق الأوسط»، عدم الكشف عن هوياتهم، مع الاحتفاظ بتوثيق مشاركات الاستشاريين أو المتخصصين أو منسوبي المستشفى والمركز الطبي الخاص، بالرغم من عدم ممانعة البعض في كتابة أسمائهم الصريحة، عند تعليقهم عن الضرر المادي والصحي الذي طال المرضى في المستشفى جراء نقل الاستشاريين السعوديين الخمسة.

وأكد أحد العاملين في قسم المواعيد بمستشفى الملك عبد العزيز ومركز الاورام أن شباك المواعيد يوميا بات مصدر احراج لهم مع المرضى المراجعين للاستشاريين المنقولين، وأنهم لا يعرفون كيفية التصرف معهم، خصوصا في ظل وضعهم الصحي الحرج، ونقص الأطباء في المستشفى. وتساءل عن مصير المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية أو تنظيرية أو بدأوا على علاج متخصص يحتاج الى متابعة دورية، ومن سيقوم بمعالجتهم او متابعتهم، وهل ستتم احالتهم للمستشفيات التي تم نقل الاستشاريين اليها بالرغم من عدم جاهزيتها؟

*نقص الكوادر الطبية

*تقول احدى المتخصصات في قسم الجراحة العامة بمستشفى الملك عبد العزيز ومركز الاورام(تحتفظ الجريدة باسمها) الى أن المستشفى يعاني من تحويل مرضاه الى مستشفيات حكومية أخرى، بعد قرار نقل استشاري أمراض القلب، ورئيس وحدة القلب الدكتور محمد المغربي، وهو الطبيب الاستشاري السعودي الوحيد في المستشفى، الى جانب طبيب استشاري عربي واحد لا يمكنه، أمام ضغط المراجعين من مباشرة جميع الحالات، والمناوبة الليلية اليومية.

بينما تؤكد إحدى المتخصصات في قسم الولادة بمستشفى الملك عبد العزيز ومركز الاورام (تحتفظ الجريدة باسمها) على أن نقل رئيس قسم النساء والولادة بالمستشفى الدكتور انتصار الطيلوني، حرم المراجعات من اجراء عمليات المنظار «عمليات اليوم الواحد»، التي يعتبر الطيلوني المتخصص الوحيد في القطاع الصحي الحكومي بجدة في جراحة عمليات المنظار العلاجي من دون الحاجة لعمليات «شق البطن»، التي تضطر لها المريضات حاليا من أجل ازالة «كيس من المبيض» أو «حمل خارج الرحم» وهي العمليات التي تستدعي تنويما لفترات تصل الى أسبوع كامل يكلف وزارة الصحة ماديا وسريريا الكثير من التبعات. في الوقت نفسه قلل مصدر طبي (تحتفظ الجريدة باسمه) في مستشفى العزيزية بجدة من امكانية الاستفادة طبيا من نقل الدكتور الطيلوني اليهم، خاصة عمليات المنظار التي يعتبر الدكتور الطيلوني المتخصص الوحيد فيها على مستوى منطقة مكة المكرمة كون المستشفى غير مؤهلة فنيا من حيث الاجهزة لعمليات المناظير.

وكشفت بعض المصادر في المستشفى عن نقص حاد في عدد الاستشاريين العلاجيين فيما يخص أمراض الأطفال بشكل عام، وأمراض دم الكبار، والأمراض المعدية والحميات وأمراض الروماتيزم وغيرها من الأقسام التي لا يوجد بها حاليا سوى استشاري واحد.

وفي السياق ذاته، علق استشاري آخر من المنقولين الخمسة (تحتفظ الجريدة باسمه) على النقص الحاد في الكوادر الطبية بالقول «اذا كانت إدارة الشؤون الصحية بمكة المكرمة تهدف الى تحريك الاستشاريين من مكان الى آخر، للاستفادة منهم، فلماذا لم تبادر بإحلال استشاريين بدلاء من مستشفيات أخرى لسد النقص وبما يضمن عدم الاضرار بمصالح المرضى ولاستمراية عملية التدريب للمتدربين من المتخصصين والمتخصصات على البرامج المعدة في التخصصات الدقيقة.

*تعليق الشؤون الصحية بمنطقة مكة المكرمة

*«الشرق الأوسط» اتصلت بمدير مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الأورام. وبدوره أحالنا الى مدير الاعلام والتوعية الصحية والعلاقات الذي أفاد بأن الشؤون الصحية أقرت النقل بهدف تحريك الكوادر الطبية للاستفادة منها بشكل كامل ووفرت البديل المناسب من داخل الاقسام الطبية في المستشفى، مستبعدا أي ضرر سيطال المرضى جراء نقل الاستشاريين.

وأوضحت إحدى المتخصصات (تحتفظ الجريدة باسمها) في مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الأورام أن الضرر من نقل الاستشارين سيطال المرضى والمتخصصين والمتخصصات السعوديين المتدربين في برنامج الزمالة، والذي يشرف عليه الاستشاري الدكتور انتصار الطيلوني كون برنامجهم التدريبي سيتأثر كثيرا بعملية النقل، لعدم وجود استشاريين آخريين يمكنهم القيام بعملية تدريبهم في الوقت الحاضر، واستطردت المتخصصة قائلة إن غياب الاستشاريين عن التدريب في المستشفى يضعف من فرصهم لانجاز برنامج الزمالة الذي أقرته الجمعية السعودية للتخصصات الطبية بصفتها المشرفة على برامج التخصصات الطبية في السعودية.

«الشرق الأوسط» قامت بالاتصال بمدير عام الهيئة السعودية للتخصصات الطبية في الرياض،(في31 اغسطس (آب) 2004) بصفتها الجهة المختصة بمتابعة أهلية المراكز الطبية التعليمية في السعودية، ومن ضمنها المركز الطبي الخاص في المستشفى الملك عبد العزيز بجدة، لاستشراف رأي الهيئة حول مدى نظامية وقانونية وضع المركز الطبي بعد قرار نقل الاستشاريين الخمسة، الذين كانوا يتولون عملية تدريب الأطباء المتخصصين لنيل درجة الزمالة في المركز، الا أن الهيئة لم تتجاوب مع اتصالاتنا المتكررة حتى تاريخه.

*وأيضا في الأجهزة الطبية

*طالب أحد الاستشاريين الخمسة المنقولين (تحتفظ الجريدة باسمه) بضرورة سرعة توفير تجهيزات طبية ملائمة في المستشفيات التي تم نقلهم اليها، أسوة بالتجهيزات المتوفرة في مستشفى الملك عبد العزيز، حتى يتمكنوا من ممارسة مهامهم الطبية، والقيام بواجبهم تجاه المرضى، وتحقيق مبدأ المصلحة العامة، التي استند إليها قرار النقل الصادر بحقهم.

من جهته بيّن مدير طبي في إحدى شركات توريد المعدات الطبية في السعودية (تحتفظ الجريدة باسمه) أنه سلم ادارة مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الاورام دفعة من التجهيزات الطبية في آخر شهر أغسطس الماضي بعد توفير مبلغ الاعتمادات المالية عن طريق جهود أحد الاستشاريين المنقولين الذي اقنع بجهده الشخصي فاعل خير في مدينة جدة، لدفع تكاليف التجهيزات الجديدة.

*وزارة الصحة .. «لا تعليق»

*«الشرق الأوسط» قامت بالاتصال بالدكتور خالد المرغلاني المشرف العام على الاعلام والتوعية بوزارة الصحة السعودية، الذي فضل توجيه أسئلة خطية لوكيل الوزارة التنفيذي. وتم توجيه خطاب رسمي بتاريخ (12 أغسطس 2004 ) الا أنه لم يصل أي رد حتى اعداد هذا الموضوع للنشر.

أوضح الدكتور وائل بافقيه المحامي والمستشار القانوني بأن نظام الخدمة المدنية الذي يتبع اليه الأطباء المنقولون وضع شروطا يجب مراعاتها في حال نقل الموظف سواء نقلا نوعيا أو مكانيا تبعا للمواد 10/4 وما بعدها من اللوائح التنفيذية للنظام.

ويجوز الطعن في قرار الجهة الادارية لدى ذوي الشأن الذي هو ديوان المظالم متى كان ذلك متعلقا بعدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في التطبيق أو التأويل أو اساءة استعمال السلطة. وأضاف بافقيه أنه يجوز للأطباء الطعن في القرار الإداري وفقا لأحد الأوجه السابقة، بما يتناسب وطبيعة قضيتهم وتقديم تظلم للجهة الادارية خلال 60 يوما من تبليغ قرار النقل والرفع لديوان المظالم بعد 90 يوما من رفع التظلم، وعدم الرد عليه ليكون قرار ديوان المظالم نهائيا حول سريان القرار أو ابطاله.

*رأي جمعية حقوق الإنسان الأهلية في السعودية

* تعليقا على قرار نقل الاستشاريين السعوديين الذي تصدر مقالات عدد من الكتاب السعوديين خلال الشهر الماضي لمناقشة تداعياته، قال عبد الله أبو السمح عضو الجمعية الأهلية لحقوق الانسان في السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «إن دور الجمعية اشرافي فيما يتعلق برفع الظلم أو منع وقوعه». وفي قضية الأطباء السعوديين وما اذا كان قرار النقل تعسفيا أم لا، قال أبو السمح إن الجمعية «معنية بتوفير مناخ قانوني ملائم للاستشاريين في حال قاموا برفع قضية لدى الجهات القضائية، التي هي بدورها جهات مشهود لها بالنزاهة»، معتبرا أن «حق الفرد في الحصول على حقوقه لا بد وأن يتم عبر القنوات القضائية الرسمية التي كفلتها الحكومة السعودية».