في رمضان.. موظفون «صائمون عن العمل» أيضا وموعد دوامهم التالي بعد «عيد الفطر»

TT

يعمل المهندس (سعد. م) في مكتب هندسي في الخبر، ومع بدء شهر رمضان المبارك تتثاقل همته عن إنجاز عمله، اذ يقول «يصبح العمل عبئاً عليّ، كما يتغيب معظم زملائي عن المكتب فأنساق في دوامة الإهمال». لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد إذ يتسبب هذا الإهمال في تأخير أعمال كثيرة ويؤدي الى سخط أصحاب المشاريع عليه «أحياناً قد يأتي صاحب مشروع ما، ويتسبب ببلبلة كبيرة في المكتب لأن بناء منزله لم ينجز في الوقت المحدد». كما يجد سعد نفسه بعد عطلة عيد الفطر أمام كمّ هائل من الأعمال «التي تتطلب السرعة في الإنجاز وإلا أدى تأخيرها لمشاكل مع الزبائن، وبالتالي قد يتسبب الأمر بمشكلة مع صاحب العمل».

سعد نموذج واقعي للموظفين في شهر رمضان المبارك، صحيح أن «العمل عبادة» لكن هذه المقولة لا تطبق في هذا الشهر عند شريحة كبيرة من الناس. ومع أنه لا يمكننا تعميم ظاهرة التكاسل هذه، واتهام جميع الموظفين بالإهمال لكن الصورة التي تطغى هي الصورة السلبية. صورة الموظف النائم خلف مكتبه بانتظار انتهاء الدوام، أو صورة المكتب الفارغ لأن الموظف قرر أخذ إجازة خلال شهر الصيام لأن العمل فيه مشقة عليه.

«شهر رمضان شهر عمل وعبادة وليس شهر عطلة كما يتخذه البعض، حيث يجمعون رصيد الإجازات السنوية للإستفادة منها خلال الشهر الكريم لأنهم لا يتحملون الصوم والعمل معاً» يقول أبو عبد الله بلهجة تشوبها الحدة والغضب.

ينخفض مؤشر الإنتاجية كثيراً في هذا الشهر، حتى أنه قد يصل إلى ما دون الصفر في بعض الأوقات، ويدفع المواطن ثمن هذا التأخير من وقته وماله وأعصابه. فعلى الرغم من أن ساعات العمل في شهر رمضان تكون أقل من معدلها الطبيعي في باقي أيام السنة، الا ان همم الموظفين تتثاقل عن أداء واجباتهم وتكون حجتهم على الدوام هى أنهم صائمون. حتى أن بعضهم يعتبر العمل محطة يومية لتمضية الوقت بانتظار موعد الإفطار، أو استراحة للنوم والتكاسل. ويصاب المراجعون بالملل نتيجة المماطلة التي يصادفونها ونتيجة الإهمال الذي يجدونه لمعاملاتهم. كما يشكو البعض من العصبية التي يتعاطى بها بعض الموظفين. ويقول يوسف الدوسري «يتحجج البعض بالصيام والتعب الذي يسببه لهم، ويتعلل آخرون بالمرض ومثلهم من يتحجج بأنه اضطر لترك التدخين وهذا ما يجعله عصبياً خلال يوم الصيام». هناك الكثير من الموظفين الذين يتعاملون بسلبية مع المراجعين ولا يستجيبون لطلباتهم حتى أن البعض قد يطلب ممن أتى لقضاء مصلحة ما أن يأتي في يوم آخر وربما «بعد عيد الفطر». ويعتبر محمد س. أن من يتقاعسون عن القيام بواجباتهم «يتجاهلون أن شهر رمضان كغيره من الأشهر وفيه تمت أعظم الغزوات والفتوحات الإسلامية ولم يكن شهر عطلة كما يفعلون الآن».

ذلك التكاسل قد يؤدى الى ان يعاني الناس طوال الشهر. يقول أحمد يوسف، «في إحدى المرات اضطررت لإجراء معاملة خلال رمضان وجهزت الأوراق كافة لكن الموظف المختص كان يؤجل إنجاز المعاملة بحجج مختلفة، أما زميله فكلما سألته سؤالاً يقول لي أنه متعب ولا يستطيع الكلام، حتى أنني في إحدى المرات وجدته غافياً على مكتبه، من دون حسيب أو رقيب». ومن الموظفين من يشعر المراجع أنه يتعدى على وقت قيلولته أو يقلق راحته ويزعجه لأنه صائم، وقد يصل به الأمر الى حد الطلب إليه العودة لاحقاً. وطبعا العتب مرفوع عنه بحجة الصيام. ويقول محمد ق. «يعمل الموظفون في ظروف من الرفاهية تتمثل بالمكاتب المكيفة والمجهزة بوسائل الراحة، إلا أنهم يتذمرون من العمل خلال الصيام، بينما تجد عمالاً يقاسون أشد أنواع الظروف ومع ذلك لا يبدون أي اهمال في عملهم».

عبد الله الأحمد روى لنا حادثة حصلت معه عندما كان أحد الموظفين غائباً عن عمله ومعه مفتاح الأدراج التي تحتوي معاملات الناس. ويوضح عبد «الأمر يتعلق بالضمير المهني، فبعض الموظفين ينام ضميرهم خلال شهر رمضان». ويضيف عبد الله ويوافقه محسن م. الرأي، ان «الدوام خلال شهر رمضان المبارك يراعي الصيام لكن الموظفين لا يراعون مصالح المواطنين وكأنهم يصومون عن العمل».

وقد يكون المدير هو السبب في تسيب موظفيه، إذ يعطيهم الإنطباع بأنهم غير ملزمين بشيء في هذا الشهر، بل قد تصل به الأمور الى حد التأخر عن العمل هو نفسه مما يجعله القدوة السيئة لموظفيه. غير ان احد الموظفين يشدد مجددا «الصوم ليس مبرراً لترك الواجب، ففي إحدى زياراتي الى إحدى المؤسسات قابلني الموظف بالقول: رئيسي غير موجود حالياً سيعود بعد عيد الفطر. وقد كنت مضطراً لإجراء هذه المعاملة للسفر، وهكذا تأجلت رحلتي بانتظار توقيع المدير».

وهذا المثال يؤكد أن المراجع يدفع ثمن الإهمال مادياً من خلال الزيارات المتكررة للمؤسسة من دون انهاء معاملته مما يرتب عليه خسائر معنوية حيث أنه هو أيضاً صائم وترهق أعصابه بالتأخير. ويجمع الكثير من المواطنين على ضرورة قيام المعنيين «بجولات تفتيشية ومراقبة سلوك الموظفين للحفاظ على حقوق المراجعين» كما يشير محمد ق. معللاً سبب إهمال الموظفين لعملهم بـ«السهر حتى وقت متأخر والأكل حتى التخمة مما يجعلهم غير قادرين على الحركة في اليوم التالي».