سعوديات يتخلصن من «الكعب العالي» بحثا عن الرشاقة في أرصفة الشوارع

TT

بدلا من «الكعب العالي» الذي تهتم بارتدائه الفتيات حينما كن سابقا يمشين على الأرصفة الطويلة كنوع من التنزه أو الرياضة التي كانت تمارس في ظل غياب الأماكن المخصصة لهن، أصبحت الأحذية الرياضية أكثر حضورا وهن مرتديات عباءاتهن السوداء، ويمشين بقوة على أرصفة طويلة بثقة رغم أعين المارة. هذا المشهد لم يعد غريبا في سور الحوامل أمام دوار الفلك في جدة أو سور الجامعة أو مجرى السيل في حي الصفا أو على كورنيش البحر أو أي رصيف يتخذ سمة المسافة الطويلة التي تجعلهن يحظين بمشي طويل ممارسة للرياضة.

ترى عبير (طالبة جامعية) أن ممارسة الرياضة شيء ضروري. وتقول: «إنها هامة في وقتنا الحاضر، فهي التي تجعلنا نقاوم السمنة والأمراض التي تتبعها كالسكر والضغط وغير ذلك، كما أنها تجعلنا نقضي أوقات الفراغ في شيء مفيد بدلا من التسكع في الأسواق أو المقاهي». وعن تجربتها الأولى في مزاولة رياضتها تقول: «بداية كنت أمارسها على استحياء أمام الناس وكانت أسرتي ترفض ذلك خوفا من المعاكسات كوني في شارع عام، لكني أصررت على ذلك».

أما مها، فهي الأخرى تمشي مع مجموعة من الصديقات تعرفت عليهن من خلال ممارسة الرياضة على رصيف سور الحوامل، وتقول: «الرياضة كما هي حق للشباب هي حق للفتيات أيضا، أم أن صحة الرجل لدينا أفضل من صحة المرأة»؟ وتضيف : «لو وجدت الأماكن المخصصة كالأندية الحكومية الرياضية والترفيهية لنا مثلنا مثل الشباب لما كنت أمارس الرياضة هاهنا في شارع عام، لكن الحاجة أم الاختراع، والأندية الرياضية الأهلية باهظة الثمن جدا، حتى أني سألت احد الأندية النسائية عن سعر الاشتراك فيه فوجدته لا يقل عن 2000 ريال شهريا، فمن أين آتي بهذا المبلغ وأنا راتبي لا يتجاوز 1800 ريال كوني أعمل في مدرسة أهلية»؟

وتصف خديجة معاناتها مع بداية ممارستها لهذه الرياضة، قائلة: «كنت في البداية أخجل من المشي في شارع عام بحذاء رياضي، إذ جعلني أشعر بسخرية البعض لكني تغلبت على ذلك، بل أصبحت لدي رفقة من الأخوات اللاتي يمارسن المشي هنا». وتقاطعها ابنة عمها نادية قائلة: «نحن لا نمارس الرياضة خوفا من السمنة، فكما ترين لسنا نعاني من ذلك، ولكن وعينا بفوائد الرياضة الصحية ولكي نقضي أوقات فراغنا فيما يثمر جعلنا نعترف بحقنا الشرعي في ممارستها كالشباب، فلدينا طاقة وعلينا توظيفها بشكل مثمر بدلا من هدرها فيما لا ينفع، وأعتقد أننا لا نختلف عنهم، فنحن أجساد من أوعية دموية وشحم ولحم مثلنا مثلهم، وما يضر صحتهم يضر صحتنا أيضا».

وتعود مها لتعلق: «نعلم أن نسبة النساء السعوديات اللاتي يعانين من السمنة عالية، ولو أتيحت لهن فرصة الرياضة في أماكن مخصصة وزاد الوعي الاجتماعي والصحي بها لما كن يعانين ذلك بسبب جلوسهن في البيت كحارس له».

أحلام محمد تمارس الرياضة منذ أربع سنوات وتقول بصراحة «المجتمع يضطرنا إلى أن نعوض احتياجاتنا بطرق بديلة، والمشي على الأرصفة الطويلة في شوارع عامة له سماته، فهو الحل الوحيد بالنسبة لنا في ظل غياب الأماكن المخصصة ومن جهة أخرى له سلبياته، إذ تلاحقك الأعين التي تعبر بك سواء من المارة مشيا على الرصيف أو حتى أولئك الذين يهتفون بكلمات ساذجة من نوافذ سياراتهم»، وهي تقترح على الحوار الوطني الرابع أن ينظروا في حال الشابات السعوديات وما لديهن من طاقة وأن يخصص لهن أمكان وأندية رياضية وترفيهية تمكنهن من ممارسة الرياضة والترفيه في جو صحي وبضوابط آمنة، خاصة أنها غدت ضرورة ملحة في ظل الوعي المتزايد لدى الفتيات بحقوقهن. وتقول ببساطة «أتمنى أن يأخذ الحوار الوطني أمر الشابات السعوديات بجدية، فلدينا طاقة نريد أن نستثمرها، وإن كنت أنا وبعض الأخوات ممن أصررن على ممارسة الرياضة في أرصفة الشوارع العامة كحل بديل، فإن أخريات يقضين أوقاتهن تسكعا بين المحلات التجارية أو في أمور أخرى نعرفها جميعا في ظل الانفتاح الإعلامي».

من جهة أخرى، أكد الدكتور إبراهيم تركستاني، استشاري نفساني وأستاذ الطب النفسي والصرع بكلية الطب بجامعة أم القرى، على ضرورة ممارسة الرياضة للشابات والشبان بصفة عامة. ويقول: «إن الأبحاث الطبية العلمية أثبتت أن للرياضة فوائد نفسية وبدنية على الإنسان، وممارستها تعمل على صحة الدماغ والكبد وتنظيم ضربات القلب وبقية الأعضاء، والصحة البدنية تعمل على تفادي الأمراض النفسية، بل أثبتت هذه الأبحاث على أنها تقلل من حدوث الاكتئاب والقلق الذي يعتبر نسبة إصابته في النساء ضعف نسبة إصابة الرجال».

وأشار الدكتور تركستاني إلى ضرورة توعية المجتمع بأهمية الرياضة ليس للشباب فقط بل حتى الفتيات، خاصة في ظلّ ظروف الانفتاح الإعلامي، ويذكر «من الهام جدا أن توجد أندية رياضية وترفيهية ثقافية للفتيات، يستطعن فيها تفريغ طاقتهن مثلهن مثل الشباب وإلا فإن ذلك قد يؤدي إلى هدرها في أمور قد لا يحبذها المجتمع». وينصح الدكتور تركستاني الفتيات بضرورة ممارسة الرياضة وعدم انتظار المجتمع في تخصيص أماكن لهن، وذلك بممارستها مشيا كما فعلت بعض الفتيات عندما حولن بعض الأرصفة لأجل الرياضة، أو شراء بعض الأجهزة الرياضية المنزلية لمن لا تسمح لها ظروفها بغير ذلك. وقال «هذا حل قد يكون مرضيا ولكنه لا يغني عن الفوائد الجمة التي يمكن أن ينالها الإنسان في ظل رياضة جماعية وفي الهواء الطلق».