جدة تتحول إلى مدينة للـ«مُولات»

المراكز التجارية الكبرى تغزو عروس البحر الأحمر والسكان يشكون من الزحام

TT

اتجهت الأنظار قبل أيام صوب مشادة كلامية كانت بين سائقين بسبب موقف للسيارة أمام أحد الأسواق الكبيرة في جدة، وكان وقع المشادة سيئاً على المارة في ذلك الشارع الرئيسي، كونها عطلت حركة السير إلى أن تم فك الاشتباك بينهما، ليتنفس الجميع الصعداء بعد ذلك، إلا أنّ أحدهم علّق قائلاً «وضع الأسواق في هذه المدينة لم يعد يطاق». هذا هو واقع مدينة جدة ـ التي يبلغ عدد سكانها قرابة 3 ملايين نسمة ـ مع الأسواق المركزية التي يزداد عددها بشكل مستمر حتى وصل عددها إلى 286 مركزاً حالياً، تصل مساحتها إلى قرابة 5000 كيلومتر مربع، مما يعني أنه في كل 17 كيلومترا مربعا من جدة يوجد مركز تجاري، هذا في حال كانت المراكز موزعة بشكل منظم، إلا أنّ معظمها ينصب في الوسط والشمال الغربي منها. وفيما يصف الكثيرون مدينة جدة بأنها «مدينة المولات» (أي المراكز التجارية)، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى متى سيستمر زحف المراكز التجارية؟ وهل جدة في حاجة إلى المزيد منها؟ يعلق مدير «سوق الحجاز التجاري» عابد الشريف على الموضوع بنوع من السخرية «كثرتها تضر .. ومن المتوقع أن تقفل العديد منها خلال عشر سنوات، وستتساقط تلو بعضها، لأن المدينة على الرغم من زيادة عدد السكان لا تحتاج لكل هذا الكم الكبير»، ولكنه استثنى حالة قائمة في أسلوب التسوق وهي «المتعة»، حيث أن أغلب العائلات أصبحت تتجه للأسواق للترفيه وليس للتسوق الفعلي. أما عبد الله باعارمة، مدير مركز المحمل، فيرى أن الذي يمسك بتلابيب هذه الأسواق هي محلات الماركات، ولهذا نراها متكررة في كل الأسواق، وينظر إلى أنه على مر السنوات سينعكس ذلك سلباً على أصحاب هذه الماركات، حيث أن لن ينشط من جميع محلاتها سوى واحد أو اثنين، بحسب رأيه.

وتطرق باعارمة إلى نقطة مهمة وهي أن «معظم الأسواق غير خاضعة من الناحية التنظيمية للنظام، حيث أن أغلبها لا تتوفر بها مواقف للسيارات مما يسبب زحاماً في الشوارع الضيقة في الأصل، وهذا يجعل صعوبة في التنقل، ويعطل كثيراً من المصالح التجارية أو غيرها». من ناحيته قال مستشار رئيس مجلس الإدارة بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، الدكتور أنور مفتي، إن «سوء التنظيم من الأمانة لتحديد مراكز هذه الأسواق، أدى إلى كونها تضارب على بعضها». ويرى أن تكون هناك لجنة مشتركة ما بين الأمانة ورجال الأعمال لتوزيع أماكن إقامة هذه الأسواق، بدلاً عن هذا الزحام المنصب في شارع أو حي واحد. وأضاف «ان الاستمرار في هذا سيؤدي مستقبلاً إلى خسائر اقتصادية فادحة للبلد، وإن كانت نتائج ذلك ظاهرة من الآن في إغلاق بعض الأسواق أبوابها». يعود باعارمة ويؤكد بقوله إنه يتوجب على الأمانة التركيز على أحياء شرق الخط السريع التي تفتقر إلى الأسواق المركزية، وإن لم توجه الأمانة رجال الأعمال إلى ذلك فلن يتجهوا إليها. وبعكس مفتي ينظر إلى أن اللجنة التي يجب أن تشكل أن يكون المرور طرفاً فيها للبت في مسألة الزحام الشديد في الشوارع وخصوصاً أمام المراكز التجارية. وعلّق مدير سوق الحجاز على نقطة اللجنة بقوله «من حق المستثمرين أن يستثمروا في المكان الذي يرغبون، والاستثمار في العقار التجاري هو توجه الغالب من أصحاب رؤوس الأموال، ولكن فقط عليهم إلزام هؤلاء المستثمرين بتطبيق الدراسات والقرارات حول نموذجية الأسواق» .

أما أمانة مدينة جدة فتطرح رؤية مختلفة في هذا الموضوع. يقول الدكتور وليد عبد العال وكيل التعمير بالأمانة «متى ما طلب المستثمر إقامة مشروعه فإننا لا نعارضه في ذلك، وهذه رؤوس أموال ومن حق أصحابها استثمارها في المكان الذي يرغبونه». معترفاً في ذات الوقت بأن هناك أسواقاً ماتت جراء تزايد أعداد الأسواق.. ومع ذلك يرى أن كثرتها تخدم العميل أينما كان، وأن كثرتها تساعد على فك الزحام، فبدلاً من تكدس سيارات العملاء على سوق واحد هناك سوق في حيه يخدمه». ويرى عبد العال أن زيادتها تخدم البلد من حيث توفر الفرص الوظيفية ومن حيث تناقل السيولة المالية في الأيادي. ويذكر أن الأمانة منحت تصاريح بناء لقيام 22 سوقاً تجارياً سيتم تنفيذها على المدى القريب، أي أن الحصيلة النهائية للمراكز التجارية في هذه المدينة ستصل إلى أكثر من 300 ، لتبقى جدة بالفعل... غير!