اللون الأحمر يكمم أفواه المضاربين.. وحكايات لا تنتهي عن مؤامرات الكبار لسلب أسهم الصغار بأسعار زهيدة

عيون لا ترمش.. وموظفو البنوك يدفعون ثمن تراجع المؤشر في سوق الأسهم

TT

على غير العادة.. لف الصمت أرجاء إحدى صالات البنوك لتداول الأسهم في مدينة الخبر أمس، وباستثناء عبارة «السلام عليكم» لم يشأ غالبية الحاضرين الدخول في مناقشات تسبق افتتاح الفترة الصباحية لسوق الأسهم السعودي. أما سبب هذا التغيير فلم يكن سوى انخفاض جديد في مؤشر الأسهم، وهو ما يعني تغير نفسيات هؤلاء المتعاملين، والترقب المشوب بالحذر لما تسفر عنه هذه الموجة الجديدة من الانخفاض في الأسهم التي يملكونها.

وكان للانخفاض الكبير الذي حدث أول من أمس في سوق الاسهم، دورا كبيرا في تخوف المتعاملين من استمرار الانخفاض في المؤشر، وربما كانت المرة الأولى منذ انهيار مايو (أيار) الماضي، وهو ما يعني ـ وفقا للمتعاملين ـ إشارة سلبية عن وضع السوق في اليوم الذي يليه، وهو الأمر الذي ظهر واضحا على سلوكيات المتعاملين ليوم أمس، وتخوفهم من انهيار جديد.

وما ان افتتح السوق امس عند الساعة العاشرة صباحا، حتى كان المؤشر يشير إلى اللون الأحمر (رمز الانخفاض)، فزاد التشاؤم مما سينتهي عليه سوق الأسهم، وتعلقت العيون على شاشات الأسهم الكبيرة المعروضة في صالة التداول، كل يبحث عن أسهمه ومقدار انخفاضها، حتى يخيل للمراقب أن هذه العيون لا ترمش أبدا من زيادة التركيز في المتابعة. واستمر المؤشر في الانخفاض، حتى بلغ الهبوط أكثر من 60 نقطة، إلا أن المؤشر يبدو وكأنه رأف بحال هؤلاء المتعلقين به، فعاد للتراجع شيئا فشيئا حتى بلغ 10 نقاط منخفضا، وهنا علق احد الجالسين، معتبرا انها بشرى لزملائه ببداية الارتداد نحو الصعود وإغلاق باب الخسارة، ولم يكد ينتهي من كلامه حتى عاد المؤشر للانخفاض مجددا وصولا لـ 40 نقطة ـ باللون الأحمر بالطبع ـ وسط تعليقات ساخرة على من تنبأ بالارتداد. وفي تمام الساعة العاشرة وأربعين دقيقة، علت ابتسامة خجولة على محيا الحاضرين واحدا تلو الآخر، هذه الابتسامة لم يكن سببها إلا اخضرار المؤشر، وهنا صاح أحدهم: «الله يا زين اللون الأخضر».

وبالرغم من أن انخفاض مؤشر السوق السعودي أو ارتفاعه هو أمر طبيعي وغير مستغرب، إلا أن الملاحظ أنه في كل مرة يهبط فيها سوق الأسهم، يتعامل المستثمرون ـ وخاصة صغارهم ـ مع الوضع، وكأنها المرة الأولى، وتبدأ حكاية المؤامرات التي تحاك ضدهم من قبل كبار المضاربين، ولا تتوقف رحلة الإشاعات التي تلقى صدى طيبا من قبل الحاضرين، وكل هذه الإشاعات تتركز في تعمد كبار المستثمرين لسلب أسهم المستثمرين بأسعار زهيدة، ومن ثم رفعها مجددا لبيعها عليهم.

ويقول خالد العمور، وهو مستثمر في سوق الأسهم، ان بداية الأسبوع الجاري لم تكن موفقة لـ«صغار» المتعاملين، فبينما كانت التطلعات تذهب نحو استقرار السوق ترقبا لنتائج نهاية العام للشركات المساهمة، وبالتالي صعود السوق، كانت المفاجأة بادية على وجوه المستثمرين من النزول القوي في مؤشر السوق السعودية، إضافة إلى هبوط كبير لأسعار الشركات، الكبيرة منها والصغيرة، وهو الأمر الذي اعتبره العمور نزل بمثابة الصاعقة على تعاملات المستثمرين. ولكن المستثمر خالد العمور يحمل صغار المساهمين المسؤولية في هذا الانخفاض الكبير في أسعار الأسهم، مشيرا إلى ان الارتباك الكبير الذي يحدث بينهم له دور في هذا الانخفاض، حينما يندفعون نحو عمليات البيع التي يقومون بها فور هبوط السوق ولو كان بصورة جزئية، حيث يتسبب هذا الاندفاع في زيادة حجم العرض من قبل صغار المستثمرين، فيما يحجم البقية عن إدخال طلبات للشراء، وهنا ـ يقول العمور ـ تبدو الفرصة سانحة لكبار المساهمين لشراء الأسهم بأسعار خيالية، فيما «نأتي ـ نحن صغار المستثمرين ـ لنلومهم فيما بعد ونحملهم المسؤولية».

ولم يقتصر التغيير، الذي حدث بعد انخفاض المؤشر، على تعاملات المستثمرين مع أسهمهم التي يملكونها، بل تعدى ذلك نحو تغير حتى في السلوكيات ايضا، فهذا مستثمر يرفع صوته على موظف البنك الذي يقوم بإدخال الطلبات متهما إياه بالتأخير في عرض أسهمه ومن ثم انخفاض السعر عما كان يرغب فيه، وتسببه في خسارة مالية حملها إلى هذا الموظف المسكين، وبالرغم من التبريرات التي ساقها الموظف المسكين من أن هناك من هم قبله وهو يقوم بعمله بإدخال الطلبات بالترتيب، إلا أن هذه التبريرات لم تكن مقنعة للمستثمر الذي رفع صوته عاليا أمام الجميع بعبارات نابية، وفي الوقت الذي كانت فيه مجموعة من الحاضرين تسعى لتهدئة هذا المستثمر الغاضب، كان هناك صوت عال آخر هذه المرة أمام شاشة التداول بعد أن صاح أحدهم رافضا المرور أمام الشاشة وبالتالي انقطاعه عن متابعة الأسهم في هذه الفترة الحساسة! والغريب أن نفس هؤلاء المتعاملين الذين يظهر سلوكهم العدواني مع ظهور اللون الأحمر على شاشة الأسهم، هم من تراهم يستقبلون الآخرين بابتسامة عريضة صباح مساء كل يوم، إلا أن تغير لون المؤشر يؤثر عكسيا على تعاملات وسلوكيات المتداولين.

إلا أن طلال المحمد ـ معلم ويحضر في الفترة المسائية لمتابعة الأسهم ـ يعتقد بأن ما يحدث هو أمر طبيعي في ظل تفاوت تعاملات المستثمرين، وهو ـ ويشير هنا إلى سوق الأسهم ـ يظهر المعدن الحقيقي للأشخاص، بغض النظر عن مظهرهم الخارجي. ويعترف طلال بأنه صدم كثيرا بسلوكيات يراها لا تتناسب مع شخصيات كان يقدرها ويحترمها، ولكنها تتغير إلى الأسوأ ـ بحسب وصفه ـ كلما انخفض المؤشر.

ومع إغلاق الفترة الصباحية أمس، الذي كان حافلا بكثير من التقلبات في تعاملات وسلوكيات المستثمرين، عادت الابتسامة من جديد لمحيا المتعاملين، وزال الاحتقان في تعاملاتهم، والفضل بالطبع كان للمدعو المؤشر، الذي أغلق على ارتفاع بلغ أكثر من 50 نقطة.

ومع أن غالبية أسعار الأسهم لم تعد إلى ما كانت عليه قبل ذلك الانخفاض، إلا أن سلوكيات المستثمرين عادت إلى طبيعتها، وكأن الأسعار ليست دائما هي المحك، بل ان تغير لون المؤشر من الأحمر إلى الأخضر وبالعكس، هو الذي يحدد كيفية التعامل داخل مجتمع المتعاملين في سوق الأسهم السعودي.