مجالس الصلح في عسير.. محظورات شرعية لتقريب وجهات النظر

مخيم «المغارم» ينهي الخصام بملايين الريالات

TT

برزت مجالس الصلح في منطقة عسير إلى الوجود قبل عقدين من الزمن حيث ساهم في انتشارها الهالة الإعلامية التي ترافقها ولعب الكثير من أهل النفوذ ومشايخ الشمل والأعيان أدواراً قد تكون بحسن نية أو بنية مبيتة يقصد من ورائها السمعة أو العائد المادي من طرف أو طرفي النزاع.

وتحتم الأعراف القبلية الالتزام بحرفية ما ورد في هذه الاتفاقات، فما يسمى بالقبيل (الضامن) يلتزم الجميع أمامه بحرفية التنفيذ، ولا شك أن المبالغة في دفع الديات ووصولها إلى مبالغ لا تطاق (ملايين الريالات) جعلت الكثير من القبائل تستنجد بقبائل أخرى لمساعدتها واقامة ما يسمى بمخيم «المغارم» حيث ينصب صيوان من الخيام وتعلق عليه لافتات، ويذهب آخرون إلى الأسواق ويرسلون الدعوات إلى مشايخ القبائل ونواب القرى يحثونهم للحضور في يوم يحددونه ويستعطفونهم دفع ما تجود به أنفسهم. وهنا يلعب نفوذ الشيخ أو النائب في قبيلته دوره الريادي لحثهم أو الإلحاح في طلب مزيد من الأموال ليقدموها مساعدة للقبيلة الطالبة ويعلو صيتها حيث قدمت المساعدة ويعلن ذلك على الملأ في المخيم أو من خلال الأسواق. وتلعب تلك المجالس المنتهية بالصلح دورا بارزا في إنهاء الخصام وتقريب وجهات النظر. وتعتبر هذه المجالس هي الفيصل في الموضوع وتعود المياه إلى مجاريها بعد أن كانت الآراء متباينة والخصام على أشده والتوتر يسيطر على كلا الطرفين، وتبدأ عودة العلاقات بين الأسر والأفراد. وغالبا ما يكون مشايخ الشمل ذوو النفوذ والمشهود لهم بالصلاح وأهل الخبرة هم ونواب القرى ووجهاء القبائل من متحدثين لهم مواصفات خاصة يغلب عليها المعرفة بالعادات القبلية. ويتم الاتفاق من حيث المبدأ على تحديد الأسماء وغالبا ما يحدد كبير المشايخ الأسماء الكبيرة التي يتوجب حضورها المجلس وفي بعض الأحيان يشترط أن يكون الحضور محدودا وغالبا ما يشترط حضور الكثير من المشايخ من هذه القبيلة أو تلك، إضافة إلى حشد كبير قد يتجاوز الـ 500 شخص من أفراد قبيلة المعتدي. وفيما يخص آلية التحكيم المتبعة في هذه المجالس تتحكم الأعراف القبلية في مجريات سير المجلس ويعود التحكيم إلى أسرة المجني عليه (مصابا، متوفى) ويطلبون مبالغ كبيرة وهنا يبدأ التفاوض حول المبلغ وقد يحال التحكيم إلى كبار الحضور من الوافدين ويرتضي أهل وكبار القبيلة المستقبلة بما قد يصلهم أو يحجمون وغالبا ما يرتضي المستقبلون بما جاءهم قل أو كثر.

وعن مدى الزامية القرارات التي تتوصل إليها لجان الصلح على طرفي النزاع فتعتبر الاتفاقات التي تم التوصل إليها ملزمة وعادة ما يتبعها إصدار صكوك شرعية بالتنازل عن الحق الخاص وخاصة في قضايا القتل أما الجنح فيؤخذ اقرار في الشرطة أو المحافظة وترفع لصاحب الصلاحية لإقرارها. وقضايا القتل أو المشاجرات التي تنتهي بإصابات قد تكون معيقة أو طفيفة أو إعاقة قد تكون هي ابرز المشاكل والنزاعات التي تبحث فيها تلك المجالس. ويلاحظ أن هذه المجالس تكثر فيها بعض المحظورات الشرعية مثل اليمين على (الخط والمثل) وهو أن يؤدي عدد محدود اليمين أنه لو حدثت هذه القضية على نفر منهم لارتضوا ما ارتضاه الآخرون، وفي مثل ذلك استباق للزمن وظروفه وهذه محظورة شرعا حيث صدرت فيها فتوى تحرمها ولم تجزها. أضف إلى ذلك الوقت المهدر حيث تستغرق بعض القضايا سنوات بين مد وجزر.

وبما لا يدع مجالا للشك فقد ساهمت في إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر ولكنها قد تكون عاملا مساهما في انتشار بعض القضايا وخصوصا حينما يأمن أحدهم إلى قبيلته بأنها ستقف معه فلا يتورع وقد يرتكب محضوراً. وشهدت منطقة عسير عدة حوادث وقضايا منها ما تستمر عملية الصلح إلى سنين وقد لا يفلح احد الأطراف في إنهائها بشكل سلمي الأمر الذي يحتم اللجوء إلى المحاكم وعلى الجانب الأخر تفلح تلك الوساطات في احتواء الأزمة ومن القصص التي حدثت في المنطقة حيث سجلت وقائع أسرع صلح قبلي لم تتجاوز فترة المداولات أكثر من 15 دقيقة في بادرة تعد الأولى من نوعها، وذلك بعد أن نشب خلاف بين أحد الأشخاص يساعده 4 من أولاده وبين آخر أفضى إلى تشابك بالأيدي وعراك وسدد أحد أبناء الأول ضربة نافذة من خنجر لتدخل في جسم الطرف الثاني بعمق 10سم الأمر الذي كلفهم دفع 235 ألف ريال مقابل تنازل المعتدى عليه. ولا تقتصر تلك الخلافات على الحدود المحلية إلى أنها تتعداها إلى الوصول للدول الخارجية حيث سجلت المنطقة عملية إنهاء خلاف بين قبيلة سعودية وأخرى يمنية بقبول دية قيمتها 140 ألف ريال, أيضا أعفي عن قاتل أزهق روحين من أفراد قبيلته إثر خلاف قبلي.