السعوديون يطرحون الأسئلة حول أخبار الأسبوع.. وينشدون التسامح في المقاهي الأميركية

ساعة حرة بين صلاة الجمعة ووجبة الغداء

TT

تختلط رائحة القهوة الأميركية برائحة دهن العود الكمبودي والورد الطائفي ظهيرة كل يوم جمعة في المقاهي الغربية الطراز والمنتشرة في الأحياء الراقية. بعد الفراغ من أداء الصلاة يجلس الجد مع ولديه وأحفاده يقرأون الصحف الصادرة ويناقشون تفاصيل خطبة الجمعة التي سمعوها، كل حسب رأيه، ومن وجهة نظره الخاصة. لكنهم يتفقون دائما على ابتسامة تقطع حدة الجدل فيما لو اشتد.

ويقول العامل الفلبيني رامون بعربية «مكسرة»: «أحب كثيرا أن أعمل في مثل هذا اليوم، الناس يتعاملون بهدوء والاطفال يحضرون مع آبائهم»، ويضيف «الثياب البيضاء النظيفة التي يرتديها الناس تجعلني أشعر بشيء مختلف من السعادة، انها جمعة رائعة». ويعلق أحمد بابكير على حديث العامل الآسيوي قائلا: «نعم آتي الى هنا بعد صلاة الجمعة برفقة أبنائي، أجلس معهم ريثما تنتهي والدتهم من اعداد وجبة الغداء. أريد لاطفالي أن يشربوا العصير والتعاطي مع ثقافة حضارات أخرى في آن واحد»، ويضيف بابكير «لا اريد لدعاوى مقاطعة البضائع الاجنبية التي تصدر من بعض المنابر أن تؤثر على علاقة أطفالي بانفسهم وبمحيطهم وبالآخرين. ربما نختلف مع السياسة لكننا لا نقاطع الثقافة الأميركية». ورغم أن الشاب حاتم الوايلي، 18عاما ، يفضل ارتياد مقاهي «الكوفي شوب» برفقة زملائه في معظم الأحيان الا أنه يشعر بقيمة روحية وهو يرافق جده واخوته الصغار، ويقول «آتي الى هنا بمعدل ثلاث الى أربع مرات أسبوعيا، أصدقائي دائما يفضلون مشاهدة المباريات في جو صاخب، استمتع كثيرا معهم لكني اليوم أرافق عائلتي الصغيرة وألمس بهجة أخوتي وهم يشربون (الميكادو والموكاتشينو والإسبريسو) وكأنهم يشربونه لاول مرة».

ويقول الوايلي وهو يمسح جبينه بسجادة صغيرة يلفها حول رقبته: «يلفت نظرك أن الناس ترتدي زيا محليا وتسلم على بعضها بحرارة وتتحدث بهدوء»، ويقاطعه جده سعيد الوايلي في جمل متتابعة قائلا «آتي الى هنا معهم كي نشعر بهم في أماكنهم التي تعودوا الذهاب اليها يوميا، نحاول بخبرة السنين أن نعيد حياكة ثوب الاصالة من دون أن نقطع أزارير التحضر، ليس هناك أجمل من ساعة للراحة والحديث بعد فراغ من عبادة وخشوع».

ويساعد الجو العليل الذي تشهده مدينة جدة هذه الايام الناس على قضاء ظهيرة الاجازة الأسبوعية في الأماكن العامة التي تقدم المشروبات الباردة والساخنة، بينما تغيب دوائر «الارجيلة» التي ينفثها المدخنون، فيما يبدو أنه احترام خاص لخصوصية ظهيرة الجمعة عند المسلمين، اذ يقول مساعد السلمي «عادة ما أكتفي بقراءة الصحف المحلية وتناول القهوة التركية، وأفضل أن تتمتع رئتي هي الأخرى بهدوء في مثل هذه الساعات، أدخن كثيرا لكن روحانية الوقت وتفرد الوجوه بوقار خاص يحملني على اطفاء سيجارتي قبل أن أشعلها، أقترح أن نسمي الساعة الثانية ظهرا في مدينة جدة، ساعة غير».

وتسيطر عناوين الصحف اليومية وخطب الجمعة في مساجد جدة على نقاشات مرتادي المقاهي بعد الصلاة، حيث لا يقطع النقاش سوى صوت أقداح الشاي والقهوة وكؤوس العصير لتعود وجهات النظر تتداخل حتى تتسع دائرة المتناقشين أحيانا بين جلستين وأكثر. ويقول هشام الدماك وهو طالب جامعي «في السابق كنت أتحاشى الذهاب مع والدي واخواني في سيارة واحدة كي لا اضطر للحضور معهم الى هنا والنقاش في أمور أسبوعية، كنت أعتبر الجلسة مجموعة من الأوامر الأبوية للأسبوع المقبل، تغيرت نظرتي تماما بعد أن اقنعني خالي بعكس ذلك، أصبحت فعلا أصلي الجمعة في مكان آخر ثم أتواعد ووالدي واخوتي في هذا المكان لنناقش أكثر من خطبة جمعة ومختلف المواضيع.

ويضيف الدماك «لغتي الانجليزية بحكم تخصصي تسمح لي بالحديث مع بعض الاجانب الذين يفضلون ارتياد هذا المقهى، تعجبهم كثيرا ملابسنا البيضاء ورائحة العطور الشرقية التي تفوح من سجاجيد الصلاة، غير أنهم لا يميلون لعقد صداقات عميقة كما في السابق، أتصور أن الحل في ايدينا لكي نعيد لهم الشعور بالأمن»، يرتشف الدماك قهوته قبل أن تبرد ويؤكد «فنجان القهوة هذا يمكن أن يكون رسالة، المهم كيف تكتب على شفاهنا وشفاه الآخرين».