امتحانات الصف الثالث ثانوي تسبب أزمة أسريّة في السعودية مرتين في العام

لا صوت يعلو على صوت الأوامر للطلاب بالمذاكرة

TT

«الله يكون في عونكم.. ويصبّركم ويجبر بخاطركم».. جملة مواساة توجه دائماً في فترة الامتحانات الدراسية للأسر التي لها أبناء أو بنات في الصف الثالث الثانوي من مراحل التعليم العام السعودي، حيث تلجأ معظم العائلات السعودية لرفع درجة تأهبها الدراسي إلى الحالة القصوى، لا سيّما قبل فترة الامتحانات وأثناءها، خوفاً من فشل أبنائها في تجاوز المرحلة الثانوية، الأمر الذي يعني تكرار المعاناة مرّة أخرى مستقبلاً، وثانياً ـ وهو الأهم لدى الأسر السعودية ـ التوجّس من تخرّج أبنائها بنسبة أقل من 85 في المائة، وهي النسبة التي يشار أمامها بضرورة توفر مقعد جامعي شاغر عند إعلان الجامعات لعملية قبول مخرجات الثانوية، حتى لا ينتهي بهم المطاف في سلّة البطالة.

* ما نسمع من أهلنا سوى «ذاكر دروسك»

* يروي سعد البقمي، طالب ثانوي، أن أمه وقبل الامتحانات بأسبوعين قامت بوضع جهازي التلفزيون في صندوق كرتوني وخبأتهما في مخزن المنزل، إضافة لأجهزة «الاستريو والبليستيشن»، وتم سحب جهاز الكومبيوتر من غرفته، ومنع من الخروج من البيت إلا للمسجد أو للمكتبة أو المدرسة. ويضيف البقمي: «كلّما شاهدتني أمي قالت لي: ذاكر دروسك. وأصبحت تراقبني لأكثر من 16 ساعة يومياً، وتعرض علي الأكل والشرب دوماً، بل تخيّرني لجلب مدرس خصوصي، لكنني نفسياً غير مرتاح للوضع مطلقاً، أحسّ أنني مسجون».

أما بدرية، طالبة ثانوي، فتقول: «منزل أسرتي تحوّل إلى ثكنة عسكرية بكل ما تعنيه الكلمة، ولا صوت يعلو على صوت أوامر المذاكرة، حيث تمت مصادرة هاتفي الجوّال، وتم سحب الهاتف الثابت إلى داخل غرفة نوم والديّ، وفرزت محتويات غرفتي وأخرج منها كل شيء لا يتعلق بالدراسة، واعتذرت عائلتي عن عدم تبادل الزيارات الاجتماعية قبل الامتحانات بأسبوع، ومُنعت حتى من الخروج للمكتبة لتصوير بعض المذكرات، ووضع أخي الصغير تحت تصرّفي، فيما لو احتجت لأي شيء من خارج المنزل».

* «اطلب وتمنّى».. شعار الأسرة في فترة الامتحانات

* ويقول حسام الماجد، طالب ثانوية،: «إن فترة الامتحانات تعدّ من أفضل الفترات لطلب أي شيء من الوالدين أو اشتراط الحصول على مكافأة عن النجاح بتفوق في الثانوية العامّة»، ويضيف: «بل إن والدي وعدني بشراء سيارة جديدة لي في حال نجاحي في الثانوية بتقدير ممتاز، ووجه لي عبارة لم أسمعها منه قط، وهي اعمل ما يحلو لك، المهم أن تنجح بامتياز»، فأصبحت بذلك حراً في اختيار مكان وطريقة مذاكرتي.

ويتذكر هادي الدوسري، طالب جامعي، بمرارة فترة امتحانات المرحلة الثانوية، قائلا: «إنها من أصعب المراحل التي مررت بها في حياتي حتى الآن، ومن حسن حظي أن والدي كان متفهماً لقضية الامتحانات، وبأنها أيام طبيعية كغيرها من أيام العام الدراسي، بل ينبغي أن يرفّه فيها الطالب عن نفسه، ليخرج من قلق الامتحانات ورهبتها، حتى يستطيع التأدية بشكل أفضل في قاعة الامتحان، فمن يضبط أعصابه وينظّم وقته، يضحك في قاعة الامتحان».

* خوفنا على مستقبلهم وراء هذا الاستنفار

* ويقول خالد القحطاني، والد لطالب في الثانوية،: «كل ما أقوم به تجاه ولدي هو من باب الحرص على مستقبله، في ظل ما نتعايش معه حالياً من ارتفاع في أعداد العاطلين عن العمل، وصعوبة الالتحاق بالجامعات والكليات، ولعلّ حملة وزارة العمل السعودية لتوظيف السعوديين خير شاهد على ذلك، فلو ترك الأمر للطالب في فترة الامتحانات، لغاب عنه مثل هذه العواقب، والمثل يقول: أكبر منك بيوم، أعلم منك بسنة.

وترى أم سعود، ربة بيت سعودية، أنه ينبغي حث الأبناء والبنات لاستذكار دروسهم طوال العام الدراسي، ومنذ البداية، ولكن ينبغي أن تكون العملية معتدلة وموزونة، حتّى لا تكون النتيجة عكسية، وألا يكون دور الوالدين هو بثّ الأوامر فقط، بل محاولة مساعدة أبنائهم وبناتهم على الاستذكار والاسترخاء وتنظيم أوقاتهم.

* الامتحانات.. ضحية الشائعات.. والفهم الخاطئ

* يعلّق المعلّم السّعودي هيثم آل حمد على التصوّر العام للامتحانات قائلا:"ليست المشكلة في نظرة المجتمع تجاه الامتحانات بشكل عام، وامتحان المرحلة الثانوية بشكل خاص، بل الإشكال يكمن في استمرار تغذية تلك النظرة السالبة، والتي بنيت على الشائعات المغلوطة والفهم الخاطئ للدراسة والامتحانات، والمعطيات الحالية لا تبشّر بوجود حل للمشكلة، فازدياد معدّلات البطالة وقلّة عدد الجامعات والكليات ـ مقارنة بحجم مخرجات التعليم العام ـ تضغطان باتجاه تخليد أسطورة (بعبع الامتحانات)، بل والنفخ فيها.

وما زال الجهد الإعلامي والتربوي المبذول لمحاربة هذه النظرة أقل من الحدّ الأدنى اللازم لتغيير الصورة الذهنية للامتحانات لدى المجتمع، فلا يمكن الركون إلى برنامج بسيط في الإذاعة المحلية، أو جزء من برنامج تلفزيوني لمناقشة قضية الامتحانات، بل ينبغي أن تتضافر جهود عديدة وحثيثة ـ على صعيد وسائل الإعلام والمرافق التعليمية والمساجد والمراكز الثقافية ـ للحدّ من تلك المشكلة، والتي تلقي بظلالها سلباً على عطاء بعض الطلاب والطالبات، ولو أنهم من المتميزين فعلياً، فهناك حالات إغماء كثيرة حصلت في القاعات الدراسية بسبب الرهبة من الامتحانات، وهناك حالات استعصاء تذكّر كثيرة تحدث لبعض الطلاب بسبب التهويل من الامتحانات».