ليلة الامتحان في السعودية .. يذاكر فيها الطالب أو ينام!

TT

ما الذي يعمله الطلاب والطالبات في ليلة الامتحان؟.. سؤال تسعى معظم الأسر السعودية لتكون إجابته واحدة: المذاكرة ولا شيء غير المذاكرة ، ولكن هل بالفعل هذا كل ما يحدث في تلك الليلة؟ ثمّ كيف تتم عملية المذاكرة؟.. سؤالان سعت «الشرق الأوسط» للإجابة عليهما من خلال لقاء عدد من الطلاب والطالبات في السعودية، للوقوف على ما يدور خلف الأبواب المغلقة بفعل الامتحانات، فالصورة المثالية لسلوك الطلاب المفترض تطبيقه في فترة الامتحانات من وجهة نظر التربويين، والتي تعاقب على بنائها وتكريسها أجيالٌ عديدة من المعلمين والمعلمات، وحتى اللحظة، لم تسهم تلك النظرة في إحداث التغيّر المطلوب على صعيد التحصيل العلمي أو الدرجاتي في أوساط التعليم العام والعالي ، مع أن معظم الطلاب يتفقون مع معلميهم بأنها الطريقة السليمة نظرياً، ولكنهم لا يمارسونها فعلياً، على الأقل معظمهم، ليس لأنهم عصاة أو غير مبالين، ولكن لأنهم لا يستطيعون فعل ذلك، لأنه تصور بعيد عن الواقع الذي يعيش فيه معظم الطلاب والطالبات، كما أنه ليس الخطوة الوحيدة للنجاح بتفوق كما يصوّرها التربويون، ففي كل نهاية فصل دراسي، تضج الإذاعات المحلية وقنوات التلفزيون الرسمي وبعض الصحف وبعض منابر المساجد بخطوات المذاكرة السليمة وطرق النجاح بتفوق وسمات الطالب النجيب، هذا على المستوى النظري، ثم يأتي دور الأسر في تطبيق ما ذكر سابقاً على أبنائها وبناتها، إلا أنها تجد صعوبة بالغة في ذلك، وينجم عن ذلك أحياناً نتائج عكسية، وشيئاً فشيئاً، فُقِد الإغراء والإعجاب الذي كان يرافق صورة الطالب الذي ينام مبكراً وينتظم في تغذيته ، ويجلس بهدوء وبشكل صحي على مكتبه للاستذكار، ويشرب الحليب الساخن أثناء مذاكرته، سواء كان ذلك نتيجة لطرح سينمائي أو مسرحي أو قصصي أو إرشادي.

المشاركات التالية تسير بخلاف السابق، حيث جمعت منال، طالبة في المرحلة الثانوية تبلغ من العمر 19 عاماً، كل اسطوانات الموسيقى التي تفضّلها، واشترت مشغّل اسطوانات جديد مع سمّاعة أذن، استعداداً لامتحانات نصف العام الدراسي، لأنها لا تستطيع المذاكرة بدون سماع الموسيقى، فهي عادة قديمة لازمتها في حياتها الدراسية منذ أربعة أعوام، وأضافت منال: بدأت في سماع الموسيقى كعلاج لحالة الرهبة التي كنت أعاني منها في ليالي الامتحانات، بحسب ما قرأت في أحد كتب علاج القلق والأرق، ثم تطور الأمر إلى حاجة يومية، تزداد إلحاحاً عندما أمرّ بفترات عصيبة، والامتحانات جزء من تلك الفترة، فكنت أسمع الموسيقى خلسة، خوفاً من أمي تحديداً، لكنني، وبمرور الوقت، أصبحت مدمنة لسماع الموسيقى، وحتى أستطيع الاستمرار والتركيز في ما أدرسه، يلزمني دائماً سماع موسيقى إما عن طريق سماعات خاصة في أذني، أو عبر سماعات مستقلة، ولكن ينبغي أن يكون الصوت منخفضا، لتصبح مثل الخلفية الصوتية الهادئة.

من جهة أخرى يؤكد عبد الكريم المقرن، طالب ثانوي، أنه لا يستطيع المذاكرة بدون كمبيوتر، لا سيما في فترة الامتحانات، فجميع ملخصات المقررات التي يدرسها قام بحفظها على الكومبيوتر، ويحرص على تبادل المعلومات مع زملائه عبر الماسنجر، ويدخل إلى غرف البالتوك الخاصة لتلقي دروس خصوصية في بعض المواد ـ وهي غرف إلكترونية تتيح لأعضائها التواصل بالصوت والصورة ـ ويبحث من وقت لآخر عن الامتحانات التي يتم تسريبها عبر الإنترنت، وتشعر أسرته بأنه طالب مهمل وولد عاق، بسبب إصراره على طريقته في الاستذكار.

أما ابتسام ، طالبة جامعية في بداية عقدها الثالث، فتقول: أحب أن أذاكر في فترة الامتحانات بشكل جماعي مع زميلاتي، من خلال اجتماعنا في منزلي أو منزل إحداهن، وفي بعض الأحيان نقوم بمراجعة المعلومات عبر الهاتف من خلال المكالمة الجماعية، وهذا الأمر يساعدني في سماع الأسئلة المتوقعة ونماذج الإجابة عليها، وتفيد المذاكرة الجماعية في اختبار الحفظ أو الفهم للمعلومات، والتخفيف من رهبة الامتحانات. بينما يعتبر موسى التركي ليالي الامتحانات فترة تجبره للجلوس في البر والهواء الطلق وحيداً، حاملاً سجادته ومستلزماته الخاصة بالمذاكرة، من شاي وقهوة ودخّان وكُتب، ويعمد لتغيير هيئة استذكاره من وقت لآخر، بين الجلوس والوقوف والمشي، وقراءة المعلومات بصوت مرتفع وترديدها، ويفضّل القيام بذلك في النصف الأخير من الليل لكونه أكثر الأوقات هدوءاً.

علي الهزازي، طالب ثانوي ، يقول من جازان عبر الهاتف: لا يمكنني أن أفهم أو استوعب حرفاً واحداً دون مضغ القات ـ شجرة مصنفة بأنها مخدّرة تكثر زراعتها في اليمن وجنوب شرقي أفريقيا، تمضغ أوراقها وأغصانها الطرية لاستحلاب عصارتها المنشطة ـ وتدخين الجراك، وهذه عادتي في فترة الامتحانات وغيرها، في الفترة من بعد صلاة العشاء من كل مساء، وحتى ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي، حيث أقوم بشراء القات وأجهّز شيشة الجراك، وأرتّب الجلسة الخاصة بي، وأبدأ في تعاطي القات لمدة تصل إلى 9 ساعات، بعدها أتناول القهوة والشاي قبل ذهابي لأداء الامتحان بساعة، حتى أكون في كامل نشاطي وتركيزي، وعلى الأقل فإن القات أفضل من الحبوب المنبهة كالكبتاغون أو الأبيض كما يطلق عليه شعبياً، على حد تعبيره، والتي ينتشر استخدامها في فترة الامتحانات.

فيما يرتاح عبد الهادي العسيري للمذاكرة وحيداً في المقاهي، ويحمل مذكراته ودفتر الملاحظات، ويطلب رأس معسّل وإبريقا من الشاي، ويتنقل ببصره بين المذكرة والتلفزيون، حيث يقوم بقراءة المعلومات وتحديدها بالقلم، ويرى أنّ ليالي الامتحان لا ينبغي أن تخصص لمذاكرة المقرر للمرّة الأولى، لأن ذلك يؤدي إلى الرهبة غالباً، وعلى هذا الأساس ينبغي زيادة جرعة الترفيه في ليالي الامتحانات، على عكس ما هو سائد، وتوزيع جهد استذكار المقررات على طول فترة الدراسة.