مليونا حاج يقفون اليوم على صعيد عرفات

في أجواء من الروحانية والهدوء النفسي

TT

يقف اليوم، في جو ايماني يغلب عليه اللون الأبيض، ما يقارب مليوني حاج على صعيد عرفات، مبتهلين إلى الله عز وجل أن يغفر ذنوبهم ويتقبل حجهم، ويمحي سيئاتهم، مرددين بصوت واحد وفي هيئة واحدة «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك» متدثرين بالرغبة والدعوات في أن تمحى ذنوبهم وأن يعود العائد منهم كيوم ولدته أمه. واتخذت القيادة السعودية ومختلف الأجهزة الحكومية كافة الترتيبات المتعلقة بتوفير الأمن والخدمات الصحية والتموينية والخدمية الأخرى، وتابع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، والنائب الثاني الأمير سلطان بن عبد العزيز، وبإشراف ومتابعة مستمرة من الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، تنقلات الحجاج ووصولهم الى منى، ومن ثم إلى عرفات.

ويأتي حج هذا العام في ظروف مناخية تعد جيدة، عطفاً على الأعوام السابقة التي كان يكابد فيها الحجاج تقلب الطقس بين الحرارة نهارا والبرودة مساء، حيث يصل متوسط درجة الحرارة في منتصف النهار 25 درجة، أما في المساء فتصل درجة الحرارة إلى 18 درجة، ورغم هذا اتخذت سلطات الحج السعودية كافة الاستعدادات لمواجهة أي ارتفاع لدرجة الحرارة، حيث سيتم تشغيل أجهزة تلطيف الجو البخارية والمنتشرة حول مسجد نمرة، وجبل الرحمة، وعدد من المناطق التي تشهد كثافة عددية في المشعر.

ووفقا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين سيتم اليوم في عرفات توزيع أكثر من 3 ملايين وجبة غذائية ساخنة وباردة على ضيوف الرحمن درج على توزيعها سنويا لحجاج بيت الله الحرام في هذا ضمن أكثر من 7 ملايين وجبة مجانية يقدمها الملك فهد سنويا لضيوف الرحمن.

وتسهيلا لحجاج بيت الله الحرام في الجانب النسكي، بدأ جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني توزيع أكثر من 500 ألف نسخة من الكتب والمطويات التوعوية للحجاج بيت الله الحرام، إضافة لأكثر من 150 ألف كتاب بمختلف اللغات الأجنبية، وذلك تنفيذا لتوجيهات الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، الذي أمر بطباعتها وتوزيعها على نفقته الخاصة أيضا.

وأكد الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية، اكتمال كافة الاستعدادات لنجاح عملية التصعيد إلى عرفات، مشيرا إلى أن جميع الاجهزة المختصة بخدمة وراحة حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة اتخذت كافة استعداداتها وترتيباتها اللازمة لعملية تصعيد حجاج بيت الله العتيق، وأضاف أمير منطقة مكة المكرمة أن الخطط والبرامج التي أعدتها كافة القطاعات ذات العلاقة بشؤون الحج والحجاج تسير وفق ما حدد لها حيث ركزت هذه الخطط على بذل كامل الطاقات الآلية والبشرية لتحقيق كل ما يمكن ضيوف الرحمن اداء الركن الخامس من اركان الاسلام في أمن وامان وراحة واستقرار، واوضح ان الاوضاع الأمنية والصحية بين ضيوف الرحمن ممتازة وهم ينعمون بوافر من الخدمات المتكاملة التي وفرتها الجهات المعنية والتي بدأت استعداداتها منذ وقت مبكر. وتشارك القوات الجوية الملكية السعودية في حج هذا العام بمفرزة مشكلة من طائرات عمودية وطائرات مروحية تساعد في أعمال الانقاذ والانتشال وكذلك في عملية إطفاء الحرائق عند حدوثها، كما تساعد في تنظيم ومتابعة حركة الحجاج وتنقلهم أثناء المناسك في المشاعر المقدسة والحركة المرورية للمركبات، كما تسهم في المراقبة الجوية اثناء النفرة، وكذلك مساعدة وسائل الاعلام المرئية للتصوير الجوي للمشاعر المقدسة.

وفي ما يتعلق بالجانب الأمني، أكد العميد منصور التركي المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية، أنه لم يظهر اي شيء يعكر صفو أمن الحج والحجاج. وكشف التركي أن العدد التقريبي لحافلات النقل التي تشارك في تصعيد الحجاج في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة هذا الموسم تبلغ 25 الف حافلة، وعزا الكثافة المرورية العالية التي شهدتها مكة المكرمة أول أمس إلى السماح للحافلات بالدخول الى مكة المكرمة تمهيدا لنقل الحجاج الى منى وعرفات.

كما تطرق إلى استعدادات المديرية العامة للدفاع المدني لخطة الحج والتي يشارك فيها ما يزيد عن 22 مصلحة حكومية وخطط تنفيذية لكل جهة أخرى حيث تشتمل الخطط الحماية ومواجهة السيول والامطار وموضوع الانفاق والازدحام حول جسر الجمرات.

فيما جندت وزارة الحج في السعودية، نحو 50 ألف فرد لخدمة حجاج هذا الموسم، خاصة مجال النقل، وفي هذا الصدد قامت اللجنة التنفيذية لمراقبة الحجاج وبتوجيهات من الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز بتنفيذ الخطة التشغيلية للجنة التصعيدية والنفرة لنقل الحجاج بنظام الرد والردين، ونفذت في هذا السبيل الخطط والبرامج المتعلقة نقل حجاج مؤسسة تركيا واوروبا وأميركا واستراليا وحجاج مؤسسة جنوب شرق آسيا بنظام الرحلات الترددية لهذا الموسم. وأوضح حاتم قاضي وكيل وزارة الحج أن الخطة تركز على توفير وسائل النقل الكافية والآمنة بين المشاعر المقدسة لحوالي مليون و400 ألف حاج من الخارج بنظام الرد والردين والنقل الترددي، على ان يتم ذلك في حدود الفترة الزمنية الشرعية لأداء المنسك، وبين أن عدد حافلات نقل الحجاج المعتمدة من اللجنة في هذا الموسم تتجاوز 14500 حافلة تابعة للنقابة العامة للسيارات. وافادت تقارير أولية من مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أن عملية انتقال حجاج بيت الله الحرام تسير بدقة وانضباط ومرونة مع المتابعة المستمرة من جميع الاجهزة المعنية، ورصدت بعثة «الشرق الأوسط» في المشاعر المقدسة توفر جميع الخدمات التموينية والصحية والارشادية على مختلف الطرق المؤدية الى منى وعرفات وبقية المشاعر.

وفي مدينة الأيام الخمسة تهيأت كافة المحلات التجارية التي تم تزويدها بجميع احتياجات الحجاج من مواد الغذائية وتموينية لخدمة وفود الرحمن وتأمين احتياجاتهم, وفي جانب آخر تم توفير المياه اللازمة بواسطة الخزانات الكبرى المنتشرة في سفوح مكة المكرمة ومنى، وفي جميع أنحاء المشاعر المقدسة إلى جانب انتشار البرادات والمياه الصحية.

* عرفات.. المشعر الذي لا حجّ لمن لا يقف فيه ولو ساعة - قال النبي صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة». وهذا تأكيد منه عليه السلام بأن من لا يقف داخل حدود هذا المشعر الحرام الشرعية في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فلا تصح منه حجة، ولو أدى جميع المناسك الأخرى. وتبعد عرفات ـ وهو المشعر الوحيد الذي يقع خارج منطقة الحرم ـ نحو 21 كيلومترا شرق المسجد الحرام وهو عبارة عن سهل واسع، يأتي على شكل قوس محاط بالجبال، ويشكل وادي (عُرنة) وتر هذا القوس، وكانت قبيلة قريش وأحلافها لا يقفون قبل الاسلام في عرفة في ذلك اليوم، اعتقادا على أنه تشريف وتقديس منها لمكة المكرمة، بيد أنها كانت تقف داخل نطاق الحرم، وبعد أن أتى الإسلام، أصبح الحج لا يتم الا بالوقوف بهذا المشعر، وعرفات أو عرفة كلها موقف ما عدا وادي (عُرنة) فإنه يعد خارج نطاق الوقوف في ذلك اليوم، كما أخبر بذلك النبي في حجته المشهورة. كما يحف بعرفات من الشمال الشرقي جبل عال يسمى «سعْد»، ومن الشرق جبل «ملحة» ومن الجنوب سلسلة تلال اشهرها «الرخوم» و«ام الرضوم»، ومن ناحية الغرب والشمال الغربي يمر وادي عرفة، وكل هذه الديار كانت لقريش وفيها يقع جبل الرحمة، والذي ترسخ في أذهان بعض الحجاج أن الوقوف لا يصح إلا فيه، ولكن غاب عنهم قول المصطفى عليه الصلاة والسلام، عندما وقف في مكانه قرب هذا الجبل «وقفت هاهنا بعرفة. وعرفة كلها موقف» وذكر العلماء انه ليس شرطا ان يقف الحاج عليه او انه ليس من واجبات الحج.

وهناك منطقة في جبل الرحمة تسمى مبرك الناقة يتسابق الحجاج للوقوف عليها، وهي صخرة عظيمة شبه مستوية في اسفل الجبل الذي يتوسط المشعر، حيث كان مبرك ناقته صلى الله عليه وسلم (القصواء).