بيت «بنط» يفتح باب الذكريات والأمنيات على مصراعيه للأجيال

جدة تعانق دمشق في معرض «التراث الدمشقي»

TT

نظمت الجمعية الفيصلية الخيرية بجدة مساء الاثنين في بيت «بنط» في المنطقة التاريخية، معرض «التراث الدمشقي» بالتعاون مع معرض «طغراء» للسيدة هدباء نزار قباني، برعاية الأميرة فهدة بنت سعود آل سعود رئيسة الجمعية. وافتتحت المعرض الأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود.

وتحول بيت «بنط» الى ما هو بعد ان كان سابقا تابعاً لوزارة الصحة يستعمل للحجر الصحي للحجاج ويعرف باسم (الكرنتينا) ثم أطلق عليه بيت «بنط» تيمنا بباب البنط (احد أبواب جدة). وعلى رائحة زهور الياسمين التي طافت المكان مذكرة برائحة دمشق، كن سيدات المجتمع وهن مرتديات العباءات الدمشقية والخليجية، وهناك من مزجت بين التراثين في ثوبها لتوضح كما تقول السيدة أم هيثم «هنا في بيت بنط وحدة الوطن العربي»، مشيرة إلى أن جميع السيدات على اختلاف لهجاتهن توحدت قلوبهن، فقد اتحدت الأصالة العربية وألغت الحدود التي على الخرائط.

احدى الفتيات تقول «أشعر بأنني بطلة المسلسلات السورية الشهيرة كـأيام شامية وليالي الصالحية».. وعلى أطراف المعرض خصصت مواقع للمؤسسات الرسمية والأهلية غير الربحية التي تهتم بتدريب وتأهيل وتوظيف المرأة السعودية.

وعلى إحدى هذه الغرف مكتوب «مجالس الأحياء المكية» التابعة لجمعية أم القرى الخيرية النسائية حيث تجلس السيدتان خديجة حجار ومرزوقة الكديوي في عقديهما الخمسين وكل واحدة منهما تمسك بالإبرة والخيط وتطرز على القماش الأبيض زهوراً وأشكالاً هندسية للبقشات المكاوية «وهي عبارة عن قطعة من القماش كبيرة الحجم تطرز بالخرز واللؤلؤ وهي للعروس حيث توضع بداخلها ملابسها أو ملابس أو هدايا العريس» والصدرية والوسادات والشراشف الخاصة بمناسبة (السبوع والطرح)، وهما تعلمان فتيات اليوم ما أرادت العولمة طمسه.

تقول السيدة خديجة «إنني اعمل متطوعة وذلك حبا لوطني وللاحتفاظ بتراثه المكاوي الذي لا تعرفه بنات اليوم» والسيدة مرزوقة علمت الفتيات الصبر وسعة البال بتعليمهن الخياطة والتطريز، وهذه الخدمة هي واحدة من عشرات الخدمات والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها مجالس الأحياء المكية والتي هي في مثابة مكتب عمدة الحي ولكن تديره سيدات مكة المكرمة.

في مقابل هذه الغرفة هناك فتيات سعوديات في العشرين من أعمارهن يرتدين (بالطو) ابيض خاصا ويستقبلن الزوار بصينية فضية مليئة بأصناف من الحلويات العالمية وقد صنعنها بأنفسهن، فهن طالبات يدرسن بمعهد جدة لفنون الطهي.

تقول معلمتهن والمشرفة على هذا النشاط، إخلاص جبرين، «أجد نفسي في المطبخ وأشعر بسحر يشدني إلى رائحة البهارات والخضراوات فأظل في المطبخ وأنا أتحرك فيه بكل حرية لساعات قليلة وأخرج بأطباق عديدة، فقد كانت هواية دعمتها بالدراسة، وتخرجت وعملت في الخطوط الأجنبية لتموين الطائرات ثم انتقلت إلى آرامكو لتعليم السيدات فنون الطهي». هي وتلميذاتها تعلمن من خلال دراستهن الصبر والتفاؤل والعزيمة، ولم تقتصر دراستهن على تعلم فنون الطهي بل تعلّمن الفندقة وتنسيق مائدة الطعام وإعداد بوفيه ويتمنين أن يفتتحن مطعماً يدرنه بأنفسهن.. وتقول جبرين «أتمنى أن أكون أول شيف سعودية» .

وبالخروج من عالم المطبخ توجهت الزائرات إلى عالم الألوان وسحر الصور وجمال الزهور فتيات سعوديات مللن من التخصصات الجامعية بالسعودية وكان لهن بُعْد نظر حينما وجدن أكثر قريباتهن تخرجن من الجامعة عاطلات عن العمل تقول رنا قملو، 32 عاما، «أخذت دورات في كل شيء إلى أن وجدت نفسي في التصوير الفوتوغرافي صادقت الكاميرا كثيرا، فقد علمتني التأني والدقة في العمل وهدوء الأعصاب بعد أن كنت عصبية جداً» وتتذكر زميلتها أمل الشريف كيف أنهن ينقلن إحساسهن المتمثل بالتقاط عدستهن لأشياء لا حياة فيها ويجعلنها حية في قلوب الناس، وتقول «صورت مرة قطة طرقات وأزقة حولناها إلى نجمة استعراضية بكاميراتنا فنافست قطات نجمات هوليوود».

في داخل المعرض، بعد أن تمر الزائرات بين التراث الدمشقي المتمثل في الأثاث الذي أحضرته السيدة قباني من معرضها كالخزائن الدمشقية المطعمة بالصدف والمشغولة بالخشب والطاولات والكراسي والبلاط القديم المزين بآيات قرآنية والمجوهرات والإكسسوارات المنزلية القديمة، توجد غرفة صغيرة شدت انتباه الزائرات حيث نصبت المانيكان وارتدت أزياء تراثية كالزي المكاوي والمدني والنجدي والجنوبي خيطت كلها وطرزت وزينت بأنامل سعودية كافحت وسهرت حتى وصلت صاحبات الأنامل إلى «ركن سليسلة» التابع للجمعية الفيصلية.

فأم ماهر تحمل الشهادة الابتدائية وتريد الستر لها ولأولادها فتعلمت الخياطة وطورتها في هذه الدورة (سليسلة) التي هي بمثابة مصنع صغير، تهدف إلى القضاء على البطالة والعوز بين صفوف النساء. تقول أم ماهر «بعد أن أنهيت هذا الثوب (مشيرة إلى ثوب بدوي جنوبي اشتغل يدوياً 100%) شعرت بفرحة عامرة وامتلأت عيناي بالدموع شاكرة المولى عز وجل».

وتقول منى العجمي، منسقة الاعلام بالجمعية، «إن من أهداف الجمعية خدمة التراث الإسلامي والتعريف به ومساعدة المحتاجين خاصة أطفال التوحد».