سائقو أجرة وعاجزون عن تسديد فواتير الكهرباء والهاتف ومليونيرات

المتقاعدون في السعودية ثلاث فئات

TT

يفضل كثير من المتقاعدين بعد سنوات من الركض مع الوظيفة، سواء كانت حكومية أو أهلية، قضاء بقية سنوات حياتهم بعيدا عن أي ارتباط عملي، وبرز ذلك في فئة المتقاعدين ذوي الرواتب المجزية، في حين عاودت فئة أخرى من المتقاعدين من ذوي الرواتب المتوسطة والمحدودة البحث عن عمل يرفع من دخولها أمام متطلبات الحياة اليومية. وبين هاتين الفئتين تحولت فئة ثالثة من المتقاعدين التي ارتضت بواقعها الجديد إلى سائقين لأسرهم وأصبحت هذه الفئة أسيرة متطلبات الأسر التي تعيلها ورقما مهما فيها لا يمكن الاستغناء عنها، وهي بذلك سلكت نهجا مغايرا للفئات الأخرى من المتقاعدين، ووضعت نفسها ضمن واقع جديد فيه من الالتزامات ما يفوق التزامات الوظيفة.

ويقول «م. الناصر» وهو عسكري تقاعد قبل سنوات برتبة عسكرية عالية يمثل الفئة التي آثرت الراحة بعد 30 سنة من العمل بدون أن يربط نفسه بعمل آخر، انه بعد تركه الوظيفة الحكومية بعد ثلاثة عقود يشعر اليوم بأنه ولد من جديد «لقد أعطيت الوظيفة كل جهدي وتفكيري، وجاء اليوم الذي أعطي فيه نفسي إجازة طويلة» مشيرا إلى أن أصدقاءه ومعارفه وأقاربه يلحون عليه باستمرار بأن يمارس نشاطا يزيد من دخله، لكنه يصر على أنه سيرتاح وأن ما يتسلمه من مرتب تقاعدي يكفيه لإعالة أسرته المكونة من 3 بنات وولدين، لافتا إلى أن الهاجس الذي لازمه في السنة الأخيرة وهو على رأس العمل الخوف من إصابته بمرض السكري والضغط الذي لا يخلو منه من تجاوز سن الخمسين.

وأضاف الناصر أنه بعد تقاعده حرص على إجراء فحوصات بمركز طبي متقدم في الرياض وجاءت النتائج مشجعة إلا من إشارات في ارتفاع نسبة السكر في الدم مع إمكانية علاج ذلك بدون استخدام الدواء وحينها اشترك في ناد رياضي وما زال يمارس فيه أنواع الرياضات المختلفة، كما أنه تحول إلى شخص نباتي ووجد في ذلك متعة كبيرة لا تضاهى وقد لمس بسببه فارقا بين صحته قبل التقاعد وبعده. ويوضح الناصر أنه يظل في المكتبة لساعتين يأوي بعدها إلى فراشه قبل منتصف الليل، أما في إجازة نهاية الأسبوع فيقول إن برنامجه يتغير قليلا حيث يصطحب أفراد عائلته في يوم الإجازة الى احدى الاستراحات أو الفنادق أو المطاعم أو الخروج إلى الصحراء للتنزه، لافتا إلى أنه لا يحرص على حضور المناسبات التي تقام فيها الولائم الدسمة لكنه ملتزم بحضور حفلات الزفاف والزيارات القصيرة للأقارب في أوقات لا تقدم فيها الوجبات حرصا على صحته وعدم الإخلال ببرنامجه الصحي الذي وضعه لنفسه، ملمحا إلى أن راتبه التقاعدي المجزي يصرفه على متطلباته الشخصية ومتطلبات أسرته وأنه يملك رصيدا جيدا من المال وضعه كمحافظ استثمارية في عدد من البنوك وهو ما يعطيه الاطمئنان على مستقبله ومستقبل أسرته. أما سعيد محمد عون الشهراني، الذي تقاعد العام الماضي ويتسلم مرتبا تقاعديا لا يتجاوز 3 آلاف ريال، فهو يمثل قمة معاناة المتقاعدين حيث يعيل أسرة تتكون من 12 فردا وقد أصيب منذ سنتين بجلطة أقعدته في المنزل وأجهضت كل أفكاره المستقبلية بخصوص تحسين وضعه عقب تقاعده.

ويقول انه كان يحلم بعد تقاعده من الوظيفة بأن يجد عملا يعينه على زيادة دخله أمام كثرة عدد أفراد أسرته ومتطلباتها التي لا تنتهي ومحدودية راتبه التقاعدي، وقد فكر في تحويل سيارته الخاصة إلى سيارة أجرة (ليموزين) وبالفعل نفذ هذا المشروع وعمل عليه لعدة أشهر لكنه لم يدم طويلا فقد أصيب بجلطة أصبح بسببها أسير المنزل، لكن مع العلاج بدأ يتحسن نسبيا فعاود مشواره من جديد مع سيارة الأجرة حيث يكتفي من خلالها بتوصيل أبنائه إلى المدارس والعودة بهم إلى المنزل والدوران لساعات محددة لحمل ركاب في مشاوير قصيرة لتأمين مصروفات الأبناء في المدارس فيما يسمى بـ«الفسحة» حيث لا تساعده ظروفه الصحية على قيادة السيارة لساعات طويلة.

وما يثقل كاهل الشهراني ويؤرقه هو فواتير الكهرباء والهاتف حيث تستنزف كل مرتبه التقاعدي إضافة إلى الالتزامات الاجتماعية التي تتطلب مصروفا مضاعفا يقوم بتأمينها عن طريق الاقتراض من الأصدقاء.

أما (حمد. ف) الذي تقاعد منذ أشهر من مهنة التعليم فهو يرى أن مرتبه التقاعدي كاف للصرف على متطلباته واحتياجات الأسرة، معتبرا التقاعد راحة إذا استطاع الإنسان أن يكيف نفسه حسب واقعه الجديد، ملمحا إلى أنه تحول بعد التقاعد إلى سائق للأسرة بعد أن استغنى عن السائق الخاص الذي استقدمه منذ سنوات عندما كان يعمل معلما في إحدى المدارس الابتدائية في الرياض ليحل محل هذا السائق.

وقال إن برنامجه اليومي يتضمن الاستيقاظ فجرا ثم الذهاب بالأولاد إلى المدرسة والعودة بهم ظهرا وأخذ قسط من الراحة قبل الغداء ثم تناول الوجبة مع العائلة، وبعد العصر يقوم بمراجعة دروس أبنائه والإشراف على تأدية الواجبات المدرسية.

أما (خالد. ج) الذي تقاعد منذ سنة فقد انفتحت أمامه أبواب الرزق عقب تقاعده وعمل بعدها في مجال الأسهم، ويقول عن تجربته هذه إنه بعد 29 عاما من العمل في القطاع الحكومي تقاعد العام الماضي وخلال هذه المدة لم يستطع أن يوفر شيئا من مرتبه باستثناء حسنته الوحيدة وهي قيامه ببناء مسكن له عن طريق الاقتراض من صندوق التنمية العقاري وذلك في السنوات الأولى من التحاقه في العمل الحكومي، وبعد التقاعد أشار عليه صديق له ببيع مسكنه والقيام باستئجار مسكن آخر واستثمار المبلغ المتبقي في الأسهم وبالفعل أخذ بنصيحة صديقه واقترض مبلغا من أحد البنوك ليدعم به محفظته الاستثمارية وخلال أشهر بدأ يجني ثمار هذا المشروع، وأمام تقلبات سوق الأسهم صعودا وهبوطا أصبح من أصحاب الملايين. مشيرا إلى أنه يستيقظ الساعة التاسعة صباحا ليفتح جهاز الحاسب المحمول لمتابعة حركة سوق الأسهم اليومية والقيام بعمليات الشراء والبيع داخل مكتبه في البيت، وفي العصر يتوجه إلى قاعات التداول في أحد البنوك لمتابعة أداء السوق قبل الإقفال.

وفي هذا الصدد، يسدي نصيحة إلى جميع المتقاعدين بألا يستكينوا للتقاعد بل يجب عليهم البحث عن فرص العطاء.. فسن التقاعد لا تعني لهم نهاية العمل.