5 ملايين قطعة أثرية في متحف القطيف الحضاري تتعرض للتلف من دون أي تحرك

قفل أبوابه بعد مرور 8 سنوات على إنشائه بمبادرة فردية

TT

يقفل «متحف القطيف الحضاري» أبوابه خلال الأيام القليلة المقبلة نتيجة تعرض سقفه للانهيار، وتلف مقتنيات ثمينة ونادرة من محتوياته، ولعدم توفر مكان مناسب لإعادة افتتاح المتحف من جديد. وقال حسين علي العوامي، مؤسس المتحف وصاحبه، لـ«الشرق الأوسط» إنه سيضطر، بعد قرابة ثمانية أعوام على افتتاح المتحف، لغلقه ونقل المعروضات بعضها الى منزله والبعض الآخر إلى مستودع أحد أصدقائه. مع العلم بأن حجم المعروضات يتراوح بين 5 و6 ملايين قطعة من مختلف الاحجام.

في المنزل المستأجر الذي يشغله المتحف تسبب انهيار أجزاء من السقف في غرفتين بإتلاف مجموعة كبيرة من المقتنيات والتحف والتجهيزات، وهذا ما يأسف عليه العوامي وهو يتحسر على التحف «التي لا يمكن تعويضها ولا تقدر بثمن، فلا يمكن مثلاً إيجاد مثيل لبيضة النعام الزجاجية الرقيقة التي أصبحت أشلاء، أو الجرة الأثرية، أو مروحة تعمل على الكيروسين كالتي تحطمت». هذا بالإضافة الى مجموعة كبيرة من الهواتف القديمة التي تسبب الانهيار بتكسرها وتلف بعضها. الدخول الى «متحف القطيف الحضاري» يشبه الولوج في صفحات كتاب تاريخ قديم، تراكمت على دفتيه ذرات كثيفة من الغبار. قد يظن العابر في الشارع أن عبارة «متحف» التي خُطّت على جدران المنزل مجرد مزحة لأن المبنى لا يشبه المتاحف في شيء، وهو مجرد بناء سكني قديم لا يختلف أبداً عن الأبنية المجاورة له، وما ان يلج الزائر حتى يكتشف أنه أمام ثروة مدفونة تحت الغبار.

يرافقنا صاحب المتحف حسين العوامي في رحلة ممتعة لا تنتهي بزيارة واحدة، ولا يكفيها مرور عابر لإلقاء نظرة هنا وهناك. ويستوقفنا عند الغرفة التي تعرض سقفها منذ شهر تقريباً للانهيار. ويشرح بحضور مدير أعماله وصديقه سعيد التقي آل طلاق أن «الانهيار تسبب بخسائر كثيرة ولا يمكن تعويضها». ويرجح أن الرطوبة التي تملأ المكان هي التي أدت للانهيار الى جانب تآكل القضبان الحديدية المستخدمة في الأسقف قديماً. أما الغرفة الثانية التي انهار سقفها فقد تضررت فيها مجموعة كبيرة من الهواتف التي يعود تاريخها الى بداية وجود الهاتف في المنطقة. وهي تضم مجموعة كبيرة من الأجهزة الإذاعية والميكروفونات. ولأن المنزل غير قابل للترميم، وغير صالح أساساً ليكون متحفاً، لذا قرر العوامي تركه. فالمكان غير مجهز ليكون متحفاً بالمعنى الفعلي للكلمة، اذ أنه يقتصرعلى كونه مبادرة فردية لشخص محب للتاريخ والتراث قام، وما يزال، بجمع مئات الآلاف من القطع النادرة والأثرية من أماكن ومصادر مختلفة ليكون بها نواة متحف حضاري.

واستأجر العوامي هذا المنزل وحوّله الى متحف، فقسّمه على طريقته ووزع محتوياته وفق ما أراد، فمنها ما هو تراث عائلي خاص به وبعائلة العوامي والعائلات المقربة وعائلات القطيف، ومنها ما هو أثري، وتراث القطيف والمنطقة الشرقية خاصة ومن تاريخ المملكة والدول العربية أيضاً، ومنها ما هو شاهد على التطور التقني، ومنها ما هو توثيقي بالكلمة والصورة. المعروضات تنتشر على الأرض من مدخل المتحف، هنا مدفع أثري من مدافع العهود البائدة يظن العوامي أنه ربما يعود للجيوش البرتغالية، وهناك ميزان آلي ضخم بطول يقارب المترين، والى جانبه ارتفعت دراجة هوائية هي الأولى التي مخرت عباب الأزقة القطيفية في الأيام الغابرة والتي أتت في وقت لم يعرف فيه أطفال المنطقة إلا امتطاء عصي النخل للعب وملاحقة بعضهم البعض. وعلى الحائط المقابل سجادة بعمر 200 عام تقريبا. ومن هناك يحار المرء الى أين تتجه عيناه ومن أين يبدأ. يقودنا العوامي الى الغرفة الأولى حيث رصت المعروضات على الأرفف وفقاً لموضوعها، فهنا كاميرات التصوير التي لم نشاهدها الا في الكتب التي تؤرخ للتصوير الضوئي، والى جانبها وقفت كاميرا ضخمة على قاعدة مرتفعة. أما في الرفوف الأعلى فهناك مجموعة كبيرة من مختلف أنواع المشروبات الغازية التي وصلت الى المنطقة منذ القديم وحتى اليوم، ومجموعة من الأوعية الزجاجية المتنوعة الاشكال والاحجام، وتشكيلة من الصحون المخصصة للزينة والتي تحمل صور ملوك وقادة عرب. ورتّب العوامي في واجهات زجاجية مجموعة من أدوات يستعملها الصائغ لتطويع الذهب، والى جانبها معدات حرفية قديمة من التراث المحلي وكانت تستعمل في الحلاقة وأخرى للتطهير ومعدات صناعة الآيس كريم المعروف محلياً بـ(الصبع بلي)، وعدة ندف القطن، وأدوات الصيد القديمة والشباك ومعدات بناء السفن. وبالقرب منها رصت الصناديق التي جلبها العوامي لفرز المعروضات وتوضيبها بهدف نقلها الى المستودع، «سأسجل ما تحتويه هذه الصناديق ليسهل علي استخدامها لاحقاً في بعض المعارض». الغرفة الثانية هي «غرفة العرس» وهي التي تعرضت للضرر جراء الانهيار، وفيها سرير خشبي يعرف بـ (الكرفايه) او (السجم)، وسرير حديدي ومهد طفل مصنوع من جريد النخل. كما ضمت الغرفة لوازم زينة العروس من مرايا وأمشاط وأدوات تجميل وزيوت. ومن الصالة الواسعة ندلف الى الغرفة الثانية التي تضررت وهي التي تضم مجموعة كبيرة من الهواتف التي كانت تستخدم في الماضي ومجموعة منوعة تقدم تاريخ تطور المذياع منذ القدم حتى الآن بالإضافة الى «البشتختة» او ما يعرف بالفونوغراف. كما أنه يعمل باستمرار على توثيق كل ما يجده مهماً كبيانات مرشحي الانتخابات البلدية «كون الانتخابات شكلت محطة تاريخية مهمة في المملكة». وسبق له أن جمع ما استطاع من متعلقات «حرب الخليج» و«عاصفة الصحراء». ويمتلك العوامي أرشيفاً من الوثائق المهمة ومنها جوازات سفر تعود الى دولة الحجاز وأول تذكرة سفر صادرة عن الطيران السعودي وبرقيات كانت تتبادلها القطيف مع جوارها، ومجموعة من الصحف تضم الأعداد الأولى لصحف سعودية وخليجية وعربية بالإضافة الى أرشيف من الطوابع التي تحمل صورة الكعبة والقدس، ومجموعة نادرة من العملات القديمة والحديثة العربية والأجنبية. الكثيرون وعدوا العوامي، 52 عاماً، بالمساعدة والمساهمة معه لتحسين المتحف، لكن الوعود ذهبت مع الريح، ولم يبق إلا الواقع المرير الذي يعاني منه رجل صرف أمواله وراتبه التقاعدي ويصرف راتب زوجته المدرسة على ايجار المتحف وعلى شراء ما يتوفر له من قطع أثرية «اشتريت أحد النياشين التي تعود للعهد العثماني بعشرة آلاف ريال» يقول العوامي. وهو على هذه الحال منذ 35 عاماً، ولا ينوي تغيير عادته على الرغم من أنه يأسف «لأنني لم أجد من يقدرني ويقدر عملي». ولفت العوامي الى أن قلة من الناس تقدم له بعض القطع مجاناً، فالغالبية تطلب مقابلاً لما تقدمه. وأبدى أسفه لعدم وجود اي دعم مادي له «الجميع يقول إنه سيدعمني لكن كله كلام من دون فعل»، لافتاً الى وجود تعاون بسيط مع متحف الدمام الاقليمي «أشارك في بعض النشاطات كما استشيرهم في بعض الأمور».

قد يكون من حسن حظ الكثيرين ممن زاروا متحف القطيف الحضاري أنهم استطاعوا الاطلاع على ما فيه من كنوز تراثية وأثرية وتوثيقية لحضارات مختلفة. ويبقى أن من سيرغب مستقبلاً برؤية المتحف ربما عليه الانتظار وقتاً طويلاً، أو القيام بزيارة خاصة لمنزل العوامي وللمستودع، وهذا أمر ربما يكون مستحيلاً، اذ لا يمكن لصاحب المتحف أن يستقبل الناس في منزله يومياً، كما لا يمكنه فتح المستودع للزيارات. او ربما يمكن للراغبين بالاطلاع على محتويات المتحف الاكتفاء بما سيعرضه العوامي من أغراض في المعارض العامة.

يذكر مدير متحف الدمام الاقليمي عبد الحميد الحشاش انه زار المتحف بعد تضرره وقام مهندس من بلدية القطيف بتفقد المكان ووضع تقريراً عن حالة المنزل.