أهالي جزر فرسان وضيوفهم يستقبلون سمك الحريد بالأهازيج الشعبية والشباك والشواء

TT

لن تمر عطلة الأسبوع الحالية مروراً عادياً في جزر فرسان، التابعة إدارياً لمنطقة جازان في جنوب المملكة، لا سيما بعد أن بدأت أعداد من الزوار في التوافد نحو الجزر منذ بداية الأسبوع الجاري، طلباً لحضور ومشاركة أهالي جزر فرسان احتفالهم السنوي بموسم ظهور سمك الحريد. وسيتقدم الحضور الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز، أمير منطقة جازان، الذي يرعى اليوم الحفل الرسمي لمهرجان الحريد، الممتد خلال الفترة من 22 ـ 30 إبريل (نيسان) الجاري، وستقوم الهيئة العليا للسياحة برعاية المهرجان، وتم تكليف وكالة الفهد برصد ظاهرة موسم الحريد. وكثفت كافة الجهات الحكومية في محافظة جزر فرسان جهودها للمساهمة في إنجاح فعاليات المهرجان، التي تتخللها بعض الأمسيات الثقافية والتراثية، إلى جانب تنظيف الشواطئ وإقامة متحف بحري. وشهد ميناء جازان أمس كثافة في أعداد المسافرين إلى جزر فرسان، سواء عن طريق الركوب المجاني في الرحلة الصباحية لإحدى السفن المترددة بين ميناءي جازان وفرسان، أو ركوب القوارب الصغيرة (الفلّوكات) مقابل مبلغ مادي لا يقل عن خمسين ريالاً للفرد، وميزة القوارب الصغيرة أنها متعددة الرحلات يومياً، بحسب عدد المسافرين، وقبل ذلك حالة البحر. ما هو سمك الحريد؟ اسمه العلمي ببغاء البحر، كون فمه وألوانه تشبه فم وألوان طائر الببغاء، ويطلق عليه سكان المنطقة الغربية في المملكة سمك «الماشي»، ويعد سمك الحريد من الأسماك الملونة والذكية المتصفة بخفة حركتها داخل البحر، وينقسم إلى قسمين، قسم يعيش بشكل فردي في ثنايا الشعاب المرجانية بالقرب من السواحل طوال أيام العام، فيما يعيش القسم الثاني في شكل جماعات كبيرة، ويبحث دائماً عن الأماكن الهادئة، ويهاجر هذا النوع من السمك من الشواطئ الهندية في شهري إبريل ومايو من كل عام، إلى منطقة معينة في جزر فرسان، من أجل التكاثر، حماية لأسرابه من الحيتان الكبيرة المفترسة، وهرباً من الأمواج الهائجة، ليمارس عملية تكاثره بكل هدوء، وعادة ما يظهر في الشواطئ ذات المياه الضحلة الهادئة.

* موقع ووقت ظهور الحريد في فرسان

* يظهر سمك الحريد المهاجر للتكاثر في منطقة واحدة في جزيرة فرسان، يطلق عليها بحر الحريد، وهي عبارة عن شبه بحيرة ضحلة المياه، تقع في الشمال الغربي من جزيرة فرسان الكبرى، ويمتد هذا المكان نحو 3 كلم تقريبا من الشمال إلى الجنوب، ويتراوح طوله ما بين 800 و900 متر تقريباً من الشرق إلى الغرب، كما يطلق على الساحل الذي تتم فيه عملية صيد الحريد ساحل القبر أو خارج السيلة، وتحيط به بعض الجبال وأشجار الشورى. ويظهر سمك الحريد في النصف الثاني من الشهر القمري في كل عام، خلال الفترة من 16 وحتى 22 منه على أكثر تقدير. وينبغي أن توافق تلك الفترة شهر أبريل (نيسان) أو أول شهر مايو (أيار) فقط، وهي الفترة الأولى من فصل الربيع.

* طقوس موسم صيد سمك الحريد

* يعد موسم الحريد موسماً تقليدياً قديماً جداً، حيث ظلت جزر فرسان تحتفل به في كل عام، من أجل الحفاظ على موعده والطقس الثقافي المصاحب له، وفيه تتهيأ فرسان وكأنها مقبلة على عرس كبير، ويتضح ذلك من خلال الحفاوة والزينة التي تطغى على جزر فرسان وأهلها، الذين يحتفلون في كل عام بظهور أسراب الحريد، فيقيمون حفلات ابتداءً من أول ظهوره وحتى اختفائه في منازل العرائس اللواتي تزوجن في العام نفسه الذي يظهر فيه سمك الحريد، حيث ترتدي العروس كامل زينتها، وتتدفق على دارها نساء الحي أو الجزيرة ليحتفلن بذلك، وكان أغلب الناس في الماضي، يذهبون إلى الحريد مشيا على الأقدام، وقليل منهم يركب الجمال والحمير ـ وسيلة النقل آنذاك ـ، أما المشاة فيخرجون قبل صلاة الفجر، وعندما يصلون إلى المكان المحدد مع طلوع الشمس، ينتشرون على الجبال التي تطل على الشاطئ لمراقبة خروج الحريد، ويمكن معرفة وجود سمك الحريد من خلال ظهور بعض الاضطرابات الخفيفة على سطح الماء، وأثناءها يتناولون إفطارهم الشعبي على مائدة واحدة، وعادة ما يشترك كافة أهالي الجزر في ذلك، وإذا ظهرت أول دفعة من الحريد ويسمونه «سواد»، يصيحون بلهجة شعبية جميلة موحدّة (أدوال.. أدوال) أي الشّباك، حيث يتوجه بعض صيادي الأسماك، ممن قد اختيروا من قبل كبار البلد الموجودين هناك، ليقوموا بوضع الشباك (الأدوال) حول سرب الحريد (السّواد)، بحيث لا يخرجون ما اصطادوا من حريد من الماء، حتى لا يموت، ومن الممكن رؤية سمك الحريد أثناء وجوده في وسط حلقة الشباك، وهو يدور من دون الاصطدام بالشباك الموجودة حوله، ويكررون الطريقة نفسها لاصطياد أسراب أخرى من الحريد، ومن ثم يقومون بسحب تلك المجموعات لإدخالها داخل حلقة واحدة من الشباك، ثم ينادون على الشباب والأطفال لجمع شجيرات «الكِسْب» الموجودة على طول الساحل (ذكر أن جزر فرسان تتفرد بهذا النوع من الشجيرات الساحلية) وبعد جمع كمية لا بأس بها، يبدأون بإحاطة الحريد بالأشجار، لإزالة الشباك (الأدوال) من حول سرب الحريد، بحيث تكون الشجيرات هي المحيطة بالحريد في عمق لا يتجاوز نصف المتر أحياناً، وعندما يكون كل شيء جاهزاً تماما، يصيح كبير الصيادين بأعلى صوته: «الضويني.. الضويني» التي تعني اهجموا على سمك الحريد المحتجز داخل الشباك، ثم يتسابق الجميع للنزول في الماء، فيهب الحاضرون من على الجبال وعلى الساحل، كل يحمل كيسه المطوق ليجمع ما يستطيع من الحريد وسط جو مليء ببعض الأهازيج الشعبية، وبعد أن يجمع كل فرد ما يستطيع من أسماك الحريد، يقوم بعض الحضور بشق كل سمكة من أعلاها وليس من أسفل بطنها، فتخرج منه الأمعاء، وهو من أنظف الأسماك، فهو لا يأكل إلا الطحالب ودقيق الرمل الناعم، وتؤخذ المرارة من الكبد ثم يملح بقليل من الملح، ويضاف إليه بعض البهارات من كمون وفلفل أسود، ثم يقطع البصل ويوضع في بطنه مع الكبد، بعد ذلك يوضع في التنور المليء بالجمر، يطلق عليه شعبياً «الميفى»، وبعد الطهي يخلط لحم سمك الحريد مع الكبد أو بدونه، بحسب ذوق من سيأكله، وعلى الرغم من أخذ كل فرد في فرسان كمية من الحريد تفوق احتياجه، فإنهم لا يبيعونه مطلقاً، ولكنهم يتهادونه فيما بينهم، سواء أكان مطبوخاً أو نيئاً. وكان أهالي فرسان في الماضي، يعلمون بقدوم الحريد على الرغم من عدم مشاهدتهم له، ذلك لأنهم يشمون رائحته في منازلهم، والتي تبعد عن منطقة تجمع الحريد بما يقارب ستة كيلومترات، حيث يقوم الحريد، بعد قطع رحلته الطويلة الشاقة، بالاستراحة في الشعاب المرجانية الضحلة، ويطفو على سطح البحر، ثم يفتح فمه، فتسري رائحته في أرجاء جزر فرسان، ويطلق عليها أهالي فرسان كلمة (بوسي). أما في الفترة الماضية الأخيرة، لا سيما منذ تولي الأمير محمد بن ناصر إمارة منطقة جازان، أصبحت عملية صيد سمك الحريد أكثر تنظيماً من ذي قبل، من خلال إقامة مهرجان سنوي دائم، تقام على هامشه بعض الفعاليات الثقافية والتراثية، لجعل موسم الحريد تظاهرة منظمة، تسعى لاستقطاب عدد من السيّاح السعوديين والأجانب في كل عام، من أجل التعريف بالجزر الفرسانية وما تحتويه من تنوع بيئي وحيواني، ولأجل إشهار موسم صيد الحريد إعلامياً.