أهالي حائل يعودون إلى الأحياء القديمة بحثا عن التآلف واللحمة

الهجرة إلى الماضي

TT

عادت بعض الأسر التي نزحت عن حي (لبدة)، سعيا إلى الجديد من مسكن ومكان، إلى حيّها القديم الجديد لا لشيء سوى الحنين إلى الروابط واللحمة الاجتماعية التي تميز بها سكان ذلك الحي. فـ(الطّعمة) وهي اسم لتقاسم لقمة العيش بين الأقارب والجيران، و(الشّبة) وهي اسم لاجتماعات السمر، و(الحير) وهو اسم من أسماء بساتين النخيل، و(القصراء) ويقصد بهم الجيران، مفردات لها وقعها في نفوس أهالي حائل عامة، وأهالي لبدة على وجه الخصوص، أحد أقدم وأعرق الأحياء في حائل، مفرداتٌ لم تجتذب الناس فقط بل العمران أيضا. يقول أحد سكان لبدة، الذي ترك الحي قبل حوالي 6 سنوات ثم عاد إليه ـ بعد أن باع مسكنه ليبني بيتا في لبدة، «إن ما دفعني لذلك افتقادي لتلك اللحمة الاجتماعية التي تركتها في حارتي القديمة (لبدة)، فكنت أسكن أنا وأهلي وأقاربي في (حيرنا)، أي حدود أرضنا ومزرعتنا الصغيرة، (الفلاحة) فنحن من الفلاليح، وكنّا في تآلف وتلاحم اجتماعي منقطع النظير سواء مع الأقارب أو الجيران، الذين كنا نعاملهم معاملة الأهل، ومع التطور وظهور الأحياء الجديدة والمتطورة في حائل، قمت أسوة بالكثيرين من أهالي حائل بشراء أرض وبنائها، ولكن بعد أن سكنت ومرت هذه السنوات أحسست بأني وحيد رغم أن الحي الذي أقطنه مليء بالسكان، فما بيننا أصبح مجرد سلام وابتسامات صفراء، فعزمت على الرجوع والهجرة النهائية إلى لبدة فأنا ولدت وسوف أموت فيها». وهل هو الوحيد الذي قام بذلك؟ يقول: «لا، فأنا وبعض أبناء عمي عزمنا على العودة، وهناك أناس من بعض العوائل أحسوا بالشيء نفسه وعزموا على ما عزمنا عليه». ولبدة التي تقع غرب وادي الأديرع، تعد معلما من معالم حائل نظرا لما تحتويه من مبان قديمة وآثار تاريخية، مثل قلعة أعيرف وسوق برزان وبساتين النخل القديمة (الحيور)، التي تقدر بأكثر من سبعة حيور معروفة يتكون كل حير، كما يقول سلطان الرقاد، الذي قابلناه في الحي القديم، من بئر وعدد من النخيل وأشجار الرمان والبرتقال وعلى حدوده شجر الأثل، وكل عائلة في هذا الحي لها حيرها الذي تشترك فيه مع بعض، كما أنها ـ أي الحيورـ بقيت على ملكيتها حتى يومنا هذا، حي متكامل الخدمات مع بقائه على النمط القديم. ولدى سؤاله هل أنت من السكان القدامى هنا، قال: أنا كنت أسكن مع أهلي في لبدة ومن ثم اشتريت أرضا في أحد الأحياء الجديدة ولكني عندما أردت البناء لم أستطع الابتعاد عن لبدة فبعت أرضي واشتريت أرضا هنا وبنيتها ولله الحمد. وعن السبب يقول الرقاد: أنا مع مقولة الجار قبل الدار، ففي هذا الحي أعرف كل من يسكنه ويعرفونني وهذا ما يتمناه أكثر سكان الأحياء الجديدة، ومن الاسباب الاخرى ايضا الطبيعة في هذا الحي، فهناك مساحات واسعة وأشجار ونخيل، هذه العوامل كلها جعلتني أتخذ قرار بالسكنى فيها. كما تتميز لبدة بشوارعها قديمة الأسماء مثل شارع لبدة، وشارع النعام، وشارع مغيضة، وشارع العليا، وكذلك شارع سرحة الذي سمي بذلك لأن الراعي كان يجمع الأغنام قديما في هذا الشارع ويذهب للرعي بها ومن ثم يعود للشارع نفسه ويوزع الأغنام على أصحابها ويأخذ أجره على هذا.

وكما لا تخلو لبدة من نخيلها ومبانيها القديمة، فهي لا تخلو أيضا من مشايخها وأعيانها مخضرمين كانوا أم معاصرين أيضا. فقد أنجبت هذه البقعة الصغيرة علماء وشيوخا لهم تاريخهم، منهم القاضي حمود بن حسين الشغدلي، وصالح السالم البنيان، ورئيس الحسبة في عصره عبد الكريم الصالح، وكذلك القاضي خلف العبد الله الخلف وغيره الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم.