الآيديولوجيا الاجتماعية أجهضت الدور التنويري للفنون والدراما

محمود تراوري على نغمات الفن الحجازي في خطاب التنوير في الدراما والفنون والإذاعة والتلفزيون

TT

«كان من الممكن أن تكون التجربة الدرامية التلفزيونية والمسرحية ناجحة وموازية لتجربة الكويت لولا الآيديولوجيا الاجتماعية التي أحاطت الفنون بالتحفظ وأجهضت دورها في الخطاب التنويري» .. بهذه الفكرة لخص الأديب محمود تراوري تجربة الفنون والدراما في المملكة العربية السعودية التي تناول نقاشها ضمن ورقته التي قدمها في أمسية النادي الأدبي بجماعة حوار الثلاثاء الماضي بعنوان «خطاب التنوير في الدراما والفنون والإذاعة والتلفزيون في السعودية».

واعتمد التراوري التتبع التاريخي للدراما السعودية من حيث النشأة والتأسيس والظروف التي رافقت تلك المرحلة اجتماعيا وفكريا وسياسيا، والتأثيرات الإقليمية والثقافية ودور واسهامات الأدباء، هذا إلى جانب وقفته عند تجربة مسرح أحمد السباعي ومزامنته مع تجربة المسرح الكويتي الذي اصبح أكثر ازدهارا في الوقت الراهن رغم مزامنة نشأته مع مسرح السباعي الذي أنشئ في مكة منذ نصف قرن لكن المجتمع المحافظ أجهضه قبل افتتاحه بليلة، وقد أرجع التراوري عدم تطور الدراما والفنون في السعودية إلى «الآيديولوجيا الاجتماعية المحافظة التي لم تسمح بتطورها ونموها كما هو حال الدول العربية الأخرى» ولجأ التراوري أيضا إلى عملية الموازنة بين المسرح الكويتي والمسرح السعودي حيث تطور الأول وتخلف الثاني وقال «لو سمح لتجربة السباعي المسرحية بالحياة لكان المسرح السعودي في موازاة مع المسرح الكويتي الذي يشهد تطورا ملحوظا».

هذا إلى جانب اتكاء التراوري على عملية جهيمان التي أحدثت نكسة مؤثرة للفنون أدت إلى تراجع نموها الطبيعي حيث تم التشديد على التلفزيون والمسرح والغناء، ومنع غناء المطربات من التلفزيون والأفلام الغنائية بعد أن كانت ضمن النشاط الإعلامي المسموح به.

وشهدت جلسة الأديب تراوري حضورا غير عادي شمل مجموعة من المسرحيين والفنانين وكان من ضمنهم الممثل السعودي محمد حمزة الذي شارك بمداخلته قائلا: «الانتاج الفني من أهم الأسباب التي يمكن أن تساعد على عملية ازدهار الدراما ولكن للأسف لا توجد جهة تعنى بشكل جيد بعملية الانتاج» ووصف حمزة ورقة التراوري بقوله «كانت ورقة جميلة استطاع فيها أن يتتبع الأسلوب العلمي عندما تتبع الدراما تتبعا توثيقيا تاريخيا». وحول مساهمة الدراما المسرحية والفنون بشكل عام في عملية التنوير قال: «بالطبع مساهمتها ضعيفة جدا لأنها اجتهادات فردية لم تجد الدعم من الجهات المختصة فكيف يمكنها أن تثير وتساهم في عملية التنوير». أما المسرحي علي دعبوش الذي كان من ضمن حضور الجلسة فيجد ورقة التراوري ورقة استطاع بها أن يقف على الجرح الغائر وقال «للأسف الدراما المسرحية لم تساهم في الخطاب التنويري في المجتمع لسبب بسيط هو عدم دعمها من الجهات المختصة إلى جانب ما اتكأ عليه التراوري في قوة الآيديولوجية المحافظة التي صادرت الفن المسرحي وكافة الفنون من دون أن تترك لها فرصة التطور والحياة» ويتابع حديثه «للأسف لم يكن هناك سوى المسرح المضحك لأن التصريحات لا تفسح إلا للمسرحيات المضحكة وحسب». وعلى عكس الآراء السابقة كان رئيس قسم المسرح بجمعية الثقافة والفنون بجدة عبد الله باحطاب في رأيه، حيث يجد محمود في ورقته متشائم ويقول: «كانت ورقته سوداء ومتشائمة» وتابع بقوله «حقا مساهمة المسرح في الخطاب التنويري بسيطة جدا لكن تراوري أغفل وتجاهل نشاط البعض الذين يحاولون النهوض بالمسرح فهناك أنشطة مسرحية تقام في مسرح الجمعية ومسرح العلوم بجامعة الملك عبد العزيز كما أنه أغفل النشاط المسرحي المدرسي ودور المرأة وإن كان بسيطا ويتمثل في الكتابة» وباحطاب يحمل تفاؤلا في إحياء المسرح الجماهيري ويقول:«المسرح الجماهيري سيكون يوما ما وغيابه أدى إلى ضعف المساهمة في الخطاب التنويري». أما المشاركة النسائية التي جاءت عبر الصوت من خلال الصالة النسائية بالنادي الأدبي التي حضرتها ست مهتمات فقط فكانت بدايتها بما قالته الدكتورة فاطمة إلياس «استطاع مسرح شكسبير أن ينهض من دون امرأة عندما استغنى عنها بغلمان يلبسون أثوابا نسائية ويقومون بأدوارهن في المسرحية، فلماذا لا ينهض مسرحنا مثله» وتابعت قائلة «أعتقد أن سبب تدهور الدراما المسرحية والتلفزيونية لدينا هو الخوف من المرأة والتوجس من وجودها بجوار الرجل على المسرح» وترى فاطمة أن المسرح عامل من عوامل التنوير الاجتماعي الفكري ولهذا تجد أنه من الضرورة لفت الانتباه الثقافي إليه ودعمه من خلال وزارة الثقافة والإعلام إلى جانب المال الخاص وفي الوقت نفسه تجد «الإذاعة هي من كان لها نصيب الاسد في عملية التنوير بالمجتمع». في المقابل رأت الدكتورة لمياء باعشن أستاذة الأدب والنقد الإنجليزي بجامعة الملك عبد العزيز والمسؤولة عن الصالة النسائية بالنادي الأدبي أن ورقة تراوري مفككة وليست مترابطة لكنها أوجدت العذر له، كما قالت «الموضوع الذي يتناوله التراوري في ورقته واسع جدا لأنه يتناول خطاب التنوير في كل من المسرح والإذاعة والتلفزيون إلى جانب الغناء الذي أسعدنا هذه الليلة بإحضار المريعاني ليغني مقطعا من التراث الشعبي الحجازي» وقالت «المسرح السعودي يحتاج إلى دعم المواهب المسرحية الموجودة من خلال الوزارة إلى جانب أهل الاقتصاد». وأعاد التراوري للذاكرة الشعبية التراث الطربي الحجازي بمصاحبة الجلسة، عزف العود من قبل علي المريعاني الذي أنشد أغنية من التراث الشعبي الحجازي استرعى انتباه الحضور والحاضرات الذين يشهدون ذلك لأول مرة في النادي وذلك حينما تحدث التراوري عن الغناء الأمر الذي جعلهم يتوقعون مقطوعة طربية أخرى ختامية تعيد للذاكرة أنفاس النغم الأصيل قبل تناولهم العشاء.