خبير تربوي يدعو لتفعيل «الفلقتين» في الأساليب الحديثة للتعليم عبر استخدام الخريطة الذهنية

بعد أن كانت «الفلقة» أشهر مصطلح للعقاب في المدارس

TT

دعا محمد المسعودي، المشرف التربوي ومدرب الاستراتيجيات التربوية الحديثة بتعليم منطقة مكة المكرمة، الجهات التعليمية إلى التركيز على الاساليب الحديثة في طرق التدريس وتشجيع الطلاب على تعلمها واتباعها، في خطوة وصفها بالهامة للتعامل مع عصر ثورة المعلومات.

وقال في حوار مع «الشرق الاوسط»، «إن طرق التدريس المتبعة حاليا تعتمد على (الفلقة) اليسرى من الدماغ مع تعطيل تام (للفلقة) اليمنى من المخ والتي تعنى باستخدام الالوان والخيال والابعاد والمساحات، وهو الامر الذي يراه المسعودي أحد العوامل الاساسية في صعوبات التعلم لدى الطلاب. وفي ما يلي نص الحوار.

* على ماذا يعتمد أسلوب «الخريطة الذهنية» في تحقيق أهدافه من تغيير نمطية التعليم؟

ـ نجد ذلك يعتمد نسبياً في طرائق التدريس والمقررات الدراسية على الجانب الأيسر من الدماغ الذي يتناول المنطق والقوائم والأرقام والتسلسل والكلمات والتحليل، وهذا أكثر ما تدرب طلابنا على مهارته في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية مما يندر استخدام الجانب الأيمن الذي يهتم بالنغمة والألوان والخيال وأحلام اليقظة والأبعاد والمساحة أو الحيز، وهو شبه مهمل، لذا لا نستغرب عندما يعاني الكثير من الطلاب من صعوبة في التعلم والتذكر وصولاً للاختبارات ومخرجات التعليم.

* وهل يعني ذلك أن تغيير أسلوب التعليم يمكن أن يعطي نتائج حقيقية في مجال الابتكار والابداع؟

ـ التربويون وضعوا في المقررات الدراسية حدوداً لقدرات العقل العظيمة لطلابنا في التعليم وحصرناها عندما ألزمناهم بتلك الطرائق حتى أصبحت عادة، لذلك تتضح أهمية الخريطة الذهنية واستعمالها في المقررات الدراسية، لأنها تعكس أسلوب عمل دماغ الإنسان واستثمار طاقاته بالفلقتين إضافةً إلى تزويد الطلاب بطرق جديدة ممتعة لحفظ واستعمال المعلومات وتحسين الذاكرة والتركيز والإبداع بإحياء التخيل، فهي توفر أفضل السبل لاستخدام موارد الطالب الذهنية.

* على ماذا تقوم آلية تنفيذ «الخريطة الذهنية» في التعلم والمذاكرة واسترجاع المعلومات؟ ـ باستخدام العمليات الذهنية الطبيعية عن طريق عملية استخدام فلقتي الدماغ لتعمل في انسجام معاً مما يحتم توجيه الذهن بجعل الانتباه مركزا، وبذلك نجعل التعلم والتفكير مرحا، لتطوير قدرات طلابنا الدراسية والإبداعية.

* هناك من المعلمين أو الطلاب من قد يرى صعوبة في فهم منهجية «الخريطة الذهنية». كيف يمكن تبسيطها في أقرب شكل؟

ـ هي من اسمها، خريطة ذهنية، مثلها كخريطة طريق ما، فهي تعطينا ملخصاً لمساحة جغرافية كبيرة، فخريطة الإنسان الذهنية لموضوع ما تساعده أولاً على التفكير المشع وتجعله يستمتع بكل قراءة ليلخصها بوضع الأولويات وكذلك بتحليل وتلخيص الدروس أو حفظ نص أو قطعة بطريقة مشوقة أكثر ألواناً ورموزاً وأكثر تطبيقاً للأبعاد الثلاثية وأكثر خيالاً وبهذا سيطور مهاراته الذهنية بدقة وبتركيز أكثر، تجعله يفضل استخدامها لمراجعتها في جميع المواد الدراسية. لذلك وجب علينا إيجاد العلاقة بين الصحة الذهنية والتعليم وأن نحسن فهمنا وذاكرتنا.

* هل الاستفادة من «الخريطة الذهنية» فقط في المجالات التعليمية؟

ـ يقول توني بوزان مكتشف الخريطة الذهنية: مع أنك تقضي ما يقارب من ألف إلى عشرة آلاف ساعة تتعلم التاريخ واللغات والأدب والرياضيات والجغرافيا والعلوم السياسية ، فإنك مهما كان عمرك لم تمض إلا ساعات قليلة في تعلم مهارات التفكير الإبداعي والتركيز والارتقاء بالذاكرة وفن الاتصال وفهم ما تقرأه وتحفظه والعلاقة بين عمل الدماغ وإبداع البشر وهو ما يعني أن الخريطة الذهنية هي مهارة تساعد أي انسان على تحقيق الاستفادة القصوى من اطلاعه وقراءاته كما يمكنه برمجة حياته الاسرية والمالية حسب هذه المهارة.

* عادة الوقت الذي يخصصه الطلاب للمذاكرة في فترة الامتحانات ربما لا يسمح باتباع مهارة «الخريطة الذهنية» لضيق الوقت في رسم الخريطة.. ما رأيك.. الا يمكن ان تكون الطريقة التقليدية أسرع؟ ـ استعمال الخريطة الذهنية في الاختبارات الدراسية والمذاكرة يجعل هناك عادة جيدة بتقسيم الوقت بوضع أهداف قصيرة المدى لكل مادة يذاكرها والبدء بالأهم فالمهم بتقسيمها ووضع كل فصل من فصول المادة كهدف يتم انجازه في وقت محدد. فتبدأ بقراءة كل درس قراءة أولية لتكوين فكرة عامة، ثم قراءته ببطء وهذا ما يسمى (التكرار الموزع) ثم رسم خريطةً ذهنية بألوان ورموز متنوعة تساعد على فهم وحفظ الدرس مع إمكانية ربطه بتكوين تنغيم وألحان تربطها وتثبتها بالذاكرة لأن المقررات الدراسية والمذكرات التقليدية لا تسلط الضوء على النقاط والكلمات الرئيسة وتخلق أيضاً صعوبةً في التذكر لاتخاذها شكل القوائم وتعتمد على لونٍ واحد، وبذلك تكون مضيعةً للوقت، بفقد التركيز، والعجز عن التحفيز الإبداعي العقلي.

* كيف كان تفاعل المعلمين والطلاب في الدورات التدريبية التي أقمتها في المدارس السعودية؟

ـ من خلال الدراسة والتجارب في إقامتي لبعض البرامج والدورات التدريبية في الخريطة الذهنية التي نفذتها لكثير من الطلاب في مدارس جدة كان تفاعل الطلاب يزيد حضوراً وحماساً وتطبيقا لها في المواد الدراسية وبنتائج مذهلة، لأنهم تواقون لكل جديد يجعل تعليمهم مشوقاً بعيداً عن رتابة التعليم التقليدي.

* هل تدعو كمدرب ومشرف اداري في تطبيق مهارات التعلم ومنها «الخريطة الذهنية» في التعليم.. أم ما زال الامر نوعا من «الترف الاكاديمي» اذا جاز التعبير؟

ـ لا بد للتعليم والنظم التربوية والتعليمية لدينا إن كانت تريد أن تعد المجتمع بأسره لمتطلبات عصر انفجار المعرفة بأن يعتمد طلابنا على الأساليب الحديثة التي توصل إلى التفكير الناقد والتفكير الإبداعي وحل المشكلات كأساس للتقدم والتطور الحضاري، فالتطور الطبيعي وحده لا يكتسب من خلال تراكم المعرفة والمعلومات فقط بل لا بد أن يكون هناك تعلم منظم وتمرين عملي متتابع تطوير نوعية التعليم في مدارسنا وتوظيف الخريطة الذهنية واستعمالها كاستراتيجية من الاستراتيجيات التربوية الحديثة، بتدريب المشرفين التربويين والمعلمين على كيفية توظيفها في المقررات الدراسية، وأن يكون تخطيط التطوير التربوي بتطوير طرق التدريس على الأساليب الحديثة لذلك أثبتت الدراسات بأن طرائق التدريس الحديثة تساهم في رفع مستوى التحصيل الدراسي وتجعل الخبرات المدرسية ذات معنى للطالب وتجعله كذلك أكثر تفاعلاً ومشاركة إيجابية في التعلم وتعوده حب الاستقلال في التفكير وتكوين عادات تدفع نحو النجاح، فالعظماء هم من صنعوا العادات السليمة حتى صنعتهم عظماء، والفاشلون كانت سبباً في فشلهم أيضاً، وتتم مثل بقية المهارات الحياتية التي يدرسها الفرد ويتدرب عليها بحيث تنمو بشكل متدرج في نسيج بناء شخصية الطالب ونموه العقلي إلى أن يصل لمستوى إيجاد أنماط جديدة تساعده على مواكبة التقدم العالمي الذي في شتى المجالات.