شبان العشرينات يكتسحون قائمة المطلوبين الـ36

معظمهم جرى تجنيدهم بعد أحداث سبتمبر وفي ظل الحرب على الإرهاب

TT

ليس مصادفة أن يكون أكثر من ثلثي قائمة المطلوبين الـ36 الجديدة التي اعلنت عنها اول من امس وزارة الداخلية السعودية، من الشباب الذين لم يناهزوا الثلاثين عاما من اعمارهم، بل ان أكثر من نصف القائمة تقريباً هي لشبان دون الخامسة والعشرين من العمر، فهناك 5 شبان في الـ21 ، و2 في الـ22 سنة، و4 مطلوبين في الـ23 و6 منهم في الـ24، وفي المجمل فإن هناك 27 مطلوباً في القائمة من اصل 36 هم دون سن الثلاثين.

هذه الشريحة تحديداً هي التي يستهدفها خطاب التحريض، كما تستهدفها آلة التجنيد والتنظيم والتعبئة لتحولهم إلى «كوادر» حركية تطمس أعينها الشعارات البراقة، وتدغدغ عواطفها لغة الخطابات الفصيحة ذات النبرة التعبوية. وهذه الفئة هي التي تتلقف الكتب الدينية، وتملأ مجالس المشايخ، وتدخل في معارك للدفاع عن مسلماتهم الفكرية، و«تغزو» ساحات الحوار في شبكة الانترنت للتصدي أولاً للفكر المضاد، أو لتدمير المواقف المخالفة، وعلى المدى الأبعد فهذه الفئة هي التي تملأ خنادق «الجهاد» مثلما تملأ السجون والمعتقلات، وقوائم المطلوبين والمتهمين.

وصدور هذه القائمة، كما القوائم الأخيرة يؤكد من جديد أن الإرهاب لم يعد مجرد تنظيم معين يجري تفكيكه وتدمير مكوناته، بل أصبح «ظاهرة» تشظت على المستوى الفكري والثقافي والتنظيمي، حتى لم يعد هناك شكل واحدً من أشكال التنظيم، ولم تعد بالضرورة وجود حلقات متصلة تجمع أفراده، فالتنظيمات التي تكونت في بيشاور بباكستان، أو في أماكن أخرى جرى تفكيكها بالفعل وتحييد رؤوسها، أو القضاء عليهم، أما الحلقات العنقودية التي تتكاثر كل يوم فهي ما زالت تتغذى من المعين الفكري ومن الخطاب الثقافي الذي لا يزال منتعشاً بالرغم من تفكيك الهياكل التنظيمية أو عزلها.

والقائمة الجديدة تكشف أن الغالبية من هؤلاء الشبان الذين لم يكملوا تعليمهم الجامعي، لم يعاصروا مرحلة الجهاد الأفغاني، ولم يتشكلوا هناك، كما أنهم كانوا أطفالاً في فترة حماس المجاهدين لقضية البوسنة والشيشان، ولا يوجد في أدبياتهم ما يوحي بأنهم منجذبون للقضية الفلسطينية، وليس من الصواب التعويل على آراء بعض الأكاديميين التي تتجه نحو تحميل المجتمع والأسرة والوضع السياسي والاقتصادي مسؤولية ما يسمونه بالإحباط المؤدي للأفكار العنيفة، ذلك ان الكثير من هؤلاء الشبان كانوا بعيدين عن الإحباطات الاقتصادية التي يعاني منها آلاف الشباب غيرهم من دون أن يتعبأ في أوعية التنظيمات السياسية التي تحمل اجندة متطرفة.

والقائمة الأخيرة تشير الى حد كبير الى أن عملية استهداف الشباب السعودي وتبعاتهم لصالح العمليات الإرهابية في بلادهم كما في دول اخرى كالعراق، تتم على قدم وساق، بالرغم من الصراع العنيف الذي تخوضه الجهات الأمنية مع المتشددين، وبالرغم من حالة العزلة التي يعانون منها.

والسؤال: أين ومتى وكيف تم تجنيد شبان صغار كعبد الله التويجري، ومحمد صالح الغيث، وإبراهيم عبد الله المطير، وكلهم لا يزالون في الحادية والعشرين من أعمارهم، أي أنهم بالكاد أنهوا المرحلة الثانوية، وكان يفترض أن يتدرجوا في السلك الجامعي، والبلاد برمتها تواجه منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 حرباً معلنة ضد التشدد والإرهاب؟ وهذا يشير إلى أن معظم افراد القائمة الجديدة تم تجنيدهم وتنظيمهم وتعبئتهم في ظل هذه الحرب، وفي ظل المساعي لاحتواء الأفكار المتشددة والعنيفة، وهو ما يجعل المؤشر يبدو أكثر خطورة، وهو يشير إلى أن هناك بالفعل من يسعى لتقويض الاستقرار في السعودية، عبر تشكيل وإعادة تكوين الخلايا المتشددة وإعادة إيقاظ الخلايا النائمة، التي برز منها أخيرا المغربي يونس الحياري، بصفته يمثل زعامة تنظيم القاعدة في السعودية.

* آل زلفة

* عن هذه المخاوف، يقول عضو مجلس الشورى السعودي، الدكتور محمد آل زلفة، في اتصال مع «الشرق الأوسط» مساء أمس، إن القائمة الأخيرة شكلت بالنسبة اليه «هاجساً» كبيراً، فهي تشير ـ برأيه ـ إلى أن طوابير هؤلاء كثيرة وأن من يدفعهم لهذا الشر كثيرون وموجودون في أكثر من موقع وما زالوا تحت تأثير الخطاب الذي يدفع الشباب نحو التشدد.

ويضيف آل زلفة، أن وجود هؤلاء الشباب الصغار يشير الى أن هناك مساعي جادة لتكوين خلايا من «إرهابيي الغد» و«طلائع الإرهاب» في السعودية، سواء عبر التجنيد المباشر أو عبر إرسالهم للعراق ليعودوا من جديد ليمثلوا جيلاً من الإرهابيين.

ويضيف أنه (في الوقت الذي تعمل فيه قوات الأمن باقتدار على مواجهة الإرهابيين فإنني أتمنى أن توجه مساع اخرى لتجفيف منابع الارهاب واستئصال الفكر الضال الحقيقية والبحث عمن يحرك هؤلاء الصغار»، مطالباً بإيجاد آلية لمواجهة القواعد النشطة في تفريخ الأفكار المتشددة أو اصطياد الشبان، معدداً الخطاب الديني المتشدد والمراكز الصيفية باعتبارهما يساهمان في الهيمنة الفكرية على الشباب.

* عثمان الرواف

* ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي السعودي الدكتور عثمان الرواف، أن المشكلة تتعدى الخطاب الفكري لهؤلاء الشباب، «فتجنيد شباب صغار لا يتم عبر قناعات فكرية» غالباً، و«من الصعب تصور أن شاباً في مثل هذا العمر يمتلك فكراً متكاملاً»، ولكن الرواف يشير الى التعبئة الكاريزمية لأشخاص بعينهم يستطيعون الوصول الى الشباب واستقطابهم، ويضيف «ليس من الصواب توجيه اللوم للفكر المتطرف وإغفال البحث عن دور الأشخاص المؤثرين وكذلك انتقاد المناهج والتعامي عن وجود معلمين وأساتذة يمتلكون التأثير الخاص خارج إطار المنهج»، مطالباً بمعالجة الاستقطاب في المحاضرات المدرسية والمحاضرات الخارجية وفي الرحلات والمسجد، معتبراً أن هذه الاستقطابات تتم بشكل يومي ودائم ومستمر.

* شبيلي القرني

* عضو مجلس الشورى، شبيلي بن مجدوع القرني، لا يتفق مع القول بأن هناك إحباطات اقتصادية ادت بهؤلاء الشباب الى ركوب قطار الارهاب، لأن «سبل العيش ميسرة في السعودية مقارنة بالدول الأخرى»، ولكنه يرى أنهم وقعوا ضحية أشخاص ناقمين يريدون تدمير الاستقرار في هذه البلاد، معتبراً أن السعودية ليست بمنأى عن الأحداث التي تقع في العالم، مضيفاً أن الإرهاب لا يزال يمثل حالة شاذة.

* خليل الخليل: الجيل الثالث من الإرهابيين

* وقال عضو مجلس الشورى، الدكتور خليل بن عبد الله الخليل، إن «الإرهاب ما زال خطراً ماثلاً» و«إن هذا الخطر ما زال يتوسع ويكسب الأنصار والممولين والمسوغين.هذا الخطر يتطلب الكثير من المجهودات لتطويقه وتفكيك منطلقاته وأوكاره وشبكاته ومؤسساته المعلنة والمخبأة».

ولاحظ أن «القائمة ضمت عدداً من الشباب اليافع الذين يفترض أنهم يعيشون في قاعات الجامعات للتعلم والتهيؤ للإسهام في تحسين أوضاع أسرهم، والنهضة بأوطانهم وأمتهم، إلا أنهم وهم في بدايات العقد الثاني من العمر (21 سنة أو 23 سنة) انخرطوا في شبكات التشدد والإرهاب والتخريب والقتل والعدوان، وبعضهم لم ينل بعد التدريب الكافي للقيام بمهمات كبيرة، ولم يشارك في الجهاد في أفغانستان أو في البوسنة والهرسك.. لكن استهوتهم الشعارات الجهادية وخدرتهم «المخدرات الدينية» المؤدلجة التي ربما تكون أكثر فتكاً بالشباب والمجتمعات من المخدرات الطبيعية، وهم يمثلون «الجيل الثالث» من أجيال الإرهاب في السعودية، حيث تم القضاء على الجيل القيادي الأول الذي قاتل في أفغانستان وعايش قتال الفرقاء، واستمرأ التكفير والقتل بالشبهة مثل يوسف العيير وعبد العزيز المقرن ومن سايرهما، ثم تم القضاء على معظم مساعدي الجيل الأول وهم الجيل الثاني أو القبض عليهم، فكان هذا الجيل الثالث في المواجهة، وذلك يوضح أن الإرهاب يتناسل وأن خطورته باقية». وقال «ومن سوء الحظ أن الجهود الأمنية السعودية مع نجاحها لم يواكبها تفكيك للمنطلقات الدينية الخاطئة التي اقتنع بها الشباب فظنوا أنهم «مجاهدون» وأنهم يدافعون عن الأمة، وهم في الحقيقة أدوات للإجرام والإضرار بمبادئ الأمة السامية وبقضاياها الساخنة، ولقد نالوا من مكتسبات السعودية وأمنها واقتصادها وسمعتها الكثير الكثير».

وأضاف «الممارسات العدوانية على أيدي الإرهابيين في السعودية تعني أن الإرهاب استطاع أن يجند الشباب المتدين، وأن الحرب مع الإرهاب صعبة وطويلة المدى، لأن السعودية دولة مسلمة تحكمها الشريعة، ومؤسساتها الخيرية والدعوية نشطة ونافعة، ومع ذلك لم تكن في منأى من شبه التكفير وأذرع الهدم والعدوان، والواضح أن هذه المنظومات التكفيرية الانتحارية لا تملك مشروعاً إصلاحياً ولا تتوجه لمصالح الأمة».