د. سامية حمبظاظة المتخصصة في الفقه المقارن: النساء تفوقن في فقه المرأة والطهارة على الرجال

نحتاج إلى مساعدات فقيهات للقضاة يتفهمن مشكلة المرأة

TT

نادت الدكتورة سامية حمبظاظة أستاذة الفقه المقارن بكلية التربية للبنات بجدة إلى استغلال طاقات الفتيات البدنية والفكرية بما يساعد على خدمة أنفسهن والمجتمع كونهن يشبهن القنبلة الموقوتة في المجتمع إذا لم يتم ضبطها ومراعاتها ستنفجر في المجتمع وذلك من خلال حوار الشرق الأوسط معها.

وأوضحت أن المرأة ينبغي أن تكون في كل مكان وفق الضوابط الشرعية، وأن النساء أكثر دراية وفهما وقدرة على إبداء الرأي في فقه النساء من الفقهاء الرجال وأشارت إلى أن باب سد الذرائع قد أساء البعض استخدامه.. فإلى نص الحوار. * علمت بأنك أول من خاضت تخصص الفقه المقارن من السعوديات في دراستك.. فهل ذلك صحيح؟ ـ لقد كنت أول من ناقش في تخصص الفقه المقارن بداخل كليات التربية للبنات وليس بشكل عام.

* هذا التخصص الدقيق في الفقه قليلا ما تطرقه النساء؟ الى ماذا تعيدين ذلك؟

ـ كان ذلك في السابق، كونه تخصصا دقيقا في الشريعة الإسلامية، ولكن الآن النساء خضن مجال الفقه المقارن بشكل كبير حتى ان أكثر من التحقن بالدراسات الإسلامية تخصصن في مجال الفقه المقارن.

* معنى كلامك أن لدينا نساء فقيهات بجوار الفقهاء الرجال كونهن خضن هذه المرتبة العلمية الدقيقة في الفقه مما يجعلهن قادرات على إعطاء الفتوى فلماذا لا نجدهن؟

ـ الفقه يحتاج إلى المعاشرة والمخالطة مع الأفراد الذين تحكمين لهم، وللفقهاء آراء كثيرة في ذلك ومنذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقر شخص ويقر آخر على حكم ما، وفي رأيي أجد أن هناك بعض المجالات التي لا يمكن للمرأة الخوض بها مثل المعاملات المالية والبنكية بسبب طبيعة المرأة التي لا تمكنها أن تشتغل بهذه الأشياء بسبب مسؤولياتها الأسرية أولا والتي تجعلها غير قادرة على متابعة ذلك بشكل مستمر رغم أننا ندرس هذه الأمور للطالبات، فأنا مثلا أقوم بتدريس فقه المعاملات بما فيه من معاملات بنكية وأسهم وغير ذلك، ومهما يكن فهذه الأمور تحتاج من المرأة إلى الاجتماع بالبنوك وسيدات ورجال الأعمال وغير ذلك وهي أمور قد تشكل صعوبة على المرأة وعلى طبيعتها التي قد لا تناسبها أحيانا ولكن الحمد لله أكثر ما استطعنا أن نخدمه من خلال علم الفقه هو فقه النساء نحو المعاشرة الزوجية وحقوق المرأة وفقه الأحوال الشخصية وفقه الطهارة وخاصة الأخير كونه أكثر دقة وأكثر ارتباطا بالمرأة، وأنت عندما تمسكين بكتب الفقه تجدين الفقهاء اختلفوا كثيرا فيما يخص المرأة وطهارتها لأنهم اعتمدوا فيه على السماع وحسب، بينما المرأة التي تخوضه تكون أكثر دقة فيه لأنه عالمها وهي قادرة على الاحتكاك بالنساء وحتى في الشهادة تؤخذ شهادة النساء، فمهما تحدث عنه الرجال وأبدوا آراءهم به فلن يستطيعوا أن يعطوا فيه بمقدار ما تعطي فيه المرأة.

* إذا ترين أن لدينا فقيهات ولكن في مجالات معينة كما هو حال الرجال الذين يبرزون أيضا في مجالات تخصهم؟

ـ بإمكان المرأة أن تكون كذلك في مجالات تعنى بها نحو فقه النساء وخاصة فقه الطهارة الذي تفوقت فيه النساء على الرجال، إذا أرادت أن تبرز فيه.

* لكن ألا ترين أن المرأة أصبحت مساهمة بقوة في مجال الاقتصاد الوطني وتكاد تمثل النصف وأصبحت على احتكاك مباشر بالبنوك والعمل الاقتصادي وهذا يجعل المرأة أيضا تبرز في هذا المجال فقهيا؟ ـ اتفق معك، ولكن أريد أن أخبرك أن هناك فرقا بين أن تعرف المرأة الحكم الشرعي وبين أن تكون قادرة على إعطاء الفتوى، والفتوى في المعاملات الاقتصادية تحتاج إلى اختلاط في الأسواق والبنوك والبلديات وأماكن عدة ليس باستطاعة المرأة إيفاؤها كالرجل، فهي تحتاج إلى الاحتكاك كي تصل إلى نتيجة وحكم والكتب لا تكفي لإصدار هذه الأحكام الشرعية.

* المرأة غير موجودة في مجلس الشورى.. فما رأيك؟ ـ مشاركة المرأة به ضرورية ولكن وفق الضوابط الشرعية فهناك أمور يناقشها مجلس الشورى وتخص المرأة والمجتمع الذي هي عضو فاعل به والمفروض أن تكون مشاركة به، وفي رأيي المرأة ينبغي أن تكون في كل مكان ما دامت الضوابط موجودة، كونها نصف المجتمع، وهناك مكان من المهم أن تكون موجودة به وذلك في فتح مكاتب نسائية مرفقة بالمحاكم وملحقة بالقضاء وهي ليست لأجل أن تفتي المرأة في مسألة قضائية وتحل فيها محل القاضي، وإنما لتتصل من خلالها بالقضاء بحيث أن تكون صوتا للمرأة التي تخجل أمام القاضي وتعجز عن جهل أو حياء بقول تفاصيل في قضيتها قد تكون فاصلا أحيانا وسببا لحل القضية وإنصافها، فهذه المكاتب النسائية المرفقة بالمحاكم لتوصل صوت المرأة وقضيتها إلى القاضي ضرورية وينبغي أن تكون النساء العاملات بها متفقهات ويفهمن الحكم الشرعي كي يوجهن المرأة إلى المصلحة التي تحل مشكلتها، وبمعنى أوضح أن تكون العاملات بها بمثابة مساعدات للقاضي يتفهمن مشكلة المرأة ويفهمنها الحكم الشرعي في مسألتها ويوصلن صوتها للقاضي من خلال رفع مذكرة كاملة بقضيتها الشاكية ومتابعتها.

* باب سد الذرائع، الأزمة التي تواجهها المرأة كما يجدها الكثير.. فما رأيك؟ ـ باب سد الذرائع لم يجعل لكي لا ننظر في الحكم ونفسره من أجل الاقتناع به، فالوصول إلى حكم المنع ينبغي تفسيره وليس السكوت عند حدود المنع فقط، خاصة أننا قد أصبحنا في مجتمع منفتح وبدأ بممارسة ثقافة الحوار ولسنا كما في السابق، فالأم في الماضي عندما تقول لابنتها (عيب) تتوقف عن ممارسة ما هو عيب لمجرد ذلك وتقبلها دون أن تقول لماذا، أما الآن فلن يقبلها أحد إلا إذا قيل له لماذا، وعندما نأتي عند حد المنع لمجرد أنه من باب سد الذرائع لن يكون ذلك مقبولا دون ذكر أسباب المنع وإيجاد العلاج والحل البديل عن ما تم منعه، وإلا لن يتم حل هذه المشكلة التي منعت، بل قد تزداد ويتفاقم حجمها وتؤدي إلى سلبيات عديدة من خلالها، ودعيني أستشهد بمسألة منع قيادة المرأة للسيارة وأنا أتفق مع منعها لأن العرف الاجتماعي، والمجتمع لم يعتد على رؤية المرأة تقود السيارة ولم يصل من الوعي والثقافة والتربية لأفراده في احترامها ومن ثم عدم التعرض لها وأذيتها وهي تقوم بذلك وهذه أسباب تفسر المنع سدا للذريعة، ولكن لا نتوقف عند حدود المنع هنا وأسبابه فقط، ففي المقابل ينبغي إيجاد الحل والعلاج والتطوير، فمثلا ينبغي لحل هذه المشكلة إيجاد مواصلات خاصة بالمرأة غير القادرة على إيجاد سيارة وسائق وليس لها من يقوم بتوصيلها إلى أماكن عملها ودراستها وحاجتها، فتكلف الوزارات وجهات العمل بوضع مواصلات تسهل على المرأة وصولها إلى عملها وليس تركها هكذا تحاول تدبير أمورها دون مساعدتها.

* لكن باب سد الذرائع لا يتوقف عند حدود قيادة المرأة للسيارة، بل يتجاوز لأمور كثيرة في حياتها كالأندية الرياضية وحرمانها من تخصصات علمية تحتاج إليها ويحتاجها سوق العمل ومعاملتها كناقصة الأهلية في بعض المعاملات المدنية وغير ذلك، فما رأيك؟ ـ أي جامعة في العالم هو ناد متكامل، فلماذا لا نقيم هذه الأندية الرياضية داخل الكليات الخاصة بالبنات كي تمضي الطالبات وقتهن بين السباحة ولعبة الكرة والتنس وغيرها من الألعاب الرياضية ولا يوجد مانع من ذلك، وبما أنه قد تم وضع هذه الكليات والجامعات وفق الضوابط الشرعية فلماذا لا تقام بها الأندية الرياضية ويتم توسيع نشاطها بحيث لا تتوقف عند حدود النشاط الأكاديمي من أجل استغلال طاقتهن الجسدية التي يتم هدرها في الأسواق وأشياء أخرى قد لا تفيدهن في شيء بل تعود عليهن بالمضرة أحيانا، وفي كليات البنات مساحات واسعة ليت المسؤولين وأصحاب القرار يقومون باستغلالها في بناء الأندية الرياضية ومن ثم استغلالها بوضع دوام يومي كامل بها بحيث لا تقفل أبوابها عند انتهاء الدوام المحدد لها بل تفتح أبوابها لاستقبالهن حتى المساء، وخلال ذلك سيتم فتح مجالات وظيفية أيضا لتشغيل نشاط هذه الكليات لتقديم خدماتها للفتيات.

ولا بد من التدرج في مثل هذه الأمور لأن المجتمع للأسف ليس لديه الوعي الكامل بأهميتها بحيث تبدأ نشاطها في الكليات ومن ثم الدخول إلى مدارس البنات بمختلف مراحلها وكم اندهش عندما أسافر للخارج وأرى الشباب والشابات معهم كاميرا الجوال الذي يستخدمونه بشكل حسن بينما هنا للأسف الشديد يسيئون التصرف به فتجدينهم يصورون خلق الله ويتجاوزون خصوصية الآخرين، وبصراحة ينبغي استغلال طاقة الفتيات البدنية بشكل كبير لأن قليلا منهن من يشغلن أنفسهن فكريا برياضة القراءة والاطلاع وكثيرا منهن لا يجدن هذه الهواية ويحتجن إلى تفريغ شحناتهن الجسدية وتعطيل هذه الطاقة أمر خطير جدا، وأتعجب أن هؤلاء رأوا أن للشباب الذكور طاقة ينبغي استغلالها ففتحوا لهم الأندية الرياضية ودعموها معنويا وماديا ولم يفكروا في طاقات المرأة أيضا ليعملوا على استغلالها قبل فوات الأوان، وبصراحة ينبغي التفكير بشكل جاد لحل هذه المشكلة.

* هذا يعني أن مسألة التضييق على الفتيات ترينها قد تؤدي إلى انحرافهن داخل المجتمع؟ ـ مستوى التضييق ليس على المستوى الحكومي وإنما على مستوى الأهالي والأسر، فدائما ما يكون عند كثير من الأسر توجس من البنت ولديها خوف عليها وعلى سمعة الأسرة لو أخطأت حتى عن جهل، ولذلك يسدون كل النوافذ عليها فتحرم من الخروج إلى صديقاتها ومن ممارسة هواياتها وأشياء عديدة، وهم بذلك التضييق يحسبون أن بناتهم راضيات بهذا الوضع الخانق كونهن هادئات ومؤدبات أمامهم وأن هذا الأمر طبيعي لكن ذلك غير صحيح وليس طبيعيا، فلدينا طاقات في الفتيات إذا لم يتم استغلالها فسوف تتفجر في المجتمع ونحن نكاد ننفجر بسبب تعطيلها.

* هل تعتقدين أنه تمت إساءة استخدام باب سد الذرائع لدينا؟

ـ هناك بعض الناس أساؤوا استخدامه، فهذا باب في الشريعة للمصالح العامة، ومصلحة الجماعة فيه مقدمة على مصلحة الفرد، ولكن أسيئ استخدامه لأن بعضهم أراد راحة البال فمنع هذا وذاك لأجل سد الذريعة دون محاولة إيجاد العلاج أو البديل المناسب للمسألة مما زاد من حجم المشكلة.