المؤرخ الرمضان: حلقات مفقودة عن تاريخ الأحساء وعهود كاملة لا نعرف عنها شيئا

هجرت مهنتي لأتفرغ للبحث عن تاريخ علماء الجزيرة

TT

ينكبّ المؤرخ الشيخ جواد الرمضان على المخطوطات بحثا عن تاريخ وسير العلماء والمشايخ والشعراء ليدونها في كتبه، التي تزيد على 11 مؤلفا، وأشهرها كتاب «مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين» ويقع في 12 مجلدا، طبع منها فقط مجلدان، وقد استغرق تأليف هذا الكتاب 30 عاما. ويحكي جواد الرمضان في حواره مع «الشرق الأوسط» كيف تخلى عن مهنة خياطة المشالح، التي يكسب منها عيشه، في سبيل التفرغ لتأليف الكتب، وكيف أن اهل الاحساء هم من نشر مهنة خياطة المشالح في سورية التي اصبحت من اشهر الصناعات السورية.

وتناول خلال حديثه كيفية حصوله على عدد كبير من المخطوطات من تركات بعض علماء ومشايخ الأحساء بعد وفاتهم، حيث أول ما يتبادر في ذهن أبنائهم هو كيفية التخلص من الكتب والمخطوطات والأوراق.

ويؤكد «ان هناك حلقات مفقودة عن تاريخ الأحساء حيث هناك عهود كاملة لا نعرف عنها شيئا مثلا إمارة (بني جروان) وهي أسرة حاكمة اسمها (بنو جَروان)».

* متى بدأ اهتمامك بالتأليف والتدوين؟

ـ بدأ في سن مبكرة بتدوين نسب أسرة آل رمضان، ثم الاهتمام بتاريخ الأسرة العلمي والأدبي، واتسعت الدائرة لتشمل تدوين تاريخ الأحساء العلمي والأدبي، ثم تاريخ المنطقة، شرق الجزيرة العربية «الأحساء والقطيف والبحرين»، كان والدي يعمل بخياطة البشوت والعباءات، وهي مهنة ورثها عن والده عن جده، فخياطة المشالح في أسرتنا متوارثة من أربعة أجيال.

* ومن كان له الأثر في توثيق علاقتك بالكتب؟

ـ أخي محمد كان مولعا بجمع الكتب والدوريات، وهو شاعر معروف ومن أوائل من طبع ديوان شعر من الشباب في عام 1385هـ، ومنذ السنة السابعة من عمري بعد أن ختمت القرآن الكريم على يد ملا صالح العامر أخذت أقرأ الكتب التي يشتريها أخي محمد، من دواوين الشعراء والأدب والتاريخ، كان ذلك في أواخر الستينات الهجرية، ولم أستطع أن أتعلم في المدرسة، تعلمت في الكتاتيب.

* ولكن لماذا لم تدرس في المدارس الحكومية في الأحساء؟

ـ أراد إخواني أن أتعلم مهنة خياطة البشوت مهنة الآباء، فاكتفوا بإدخالي المطوّع (الكتاتيب). ولكن في البحرين، التحقت في بعض المدارس الليلية في جمعية الصادق فدرستُ الحساب واللغة الإنجليزية والمطالعة والخط العربي، ولكن لم أُعط شهادة على دراستي، وأيضاً في مدرسة أخرى درست اللغة الإنجليزية في منزل السيد رضي الموسوي، كما أنني درستُ اللغة الفارسية، ولكن لعدم المحادثة نسيت اللغتين الإنجليزية والفارسية، في البحرين كوّنت لي مكتبة خاصة، اشتريت كتبها من كسبي، تضمنت دواوين الشعر وكتب الأدب والدوريات مثل مجلة الأديب والآداب والعرفان والمصور والكاتب المصري ومجلة الكتاب، ولكنني فقدت هذه المكتبة التي جمعتها خلال 10 سنوات، فقد عزمنا على الذهاب إلى العراق فاضطررت أن أبقي العفش من الأواني وبعض المستلزمات، بالإضافة إلى مكتبتي ومكتبة أخي في البحرين عند أحد أقاربي، الكتب أودعناها في ثلاثة صناديق خشبية كبيرة حتى حين عودتي من العراق، ومن العراق عزمنا السفر إلى دمشق، وأقمنا هناك حوالي عشر سنوات، وخلال السنوات العشر هذه بعث أحد إخواني رسالة يستشير فيها إن كان بإمكانه الاستفادة من العفش حتى لا يتلف، لأن عشر سنوات كفيلة بإفساد العفش، فأخذ ما يصلح له، أما الصناديق الخشبية بما فيها من كتب فقد حملها إلى السوق وباعها بثمن رخيص، كان ذلك صدمة لي، ولكنني أخذت أجمع الكتب من جديد، وكانت أسعارها رخيصة، اشتريت الكتب النادرة التي تباع على الأرصفة، لاسيما أيام الجُمع، يأتي متخصصون في بيع الكتب القديمة والنادرة والمخطوطات، فحصلت على دوريات ترجع إلى القرن التاسع عشر الميلادي مثل مجلة المختطف والهلال أيام صدورها في حياة جورجي زيدان.

* ألم تفكر في الالتحاق في مدرسة في سورية؟

ـ كنت أعمل أيضاً في مهنة الخياطة، حيث اشترك رجل من الأحساء وهو الحاج عبد الله بن إبراهيم بوحليقة مع أحد الشاميين في إقامة مصنع النسيج في دمشق واجتمعت في دمشق في ذلك الوقت أكثر من 40 أسرة من الأحساء أغلبها تمتهن حرفة خياطة المشالح، وبذلك انتشرت مهنة خياطة المشالح في سوريا عن طريق الأحسائيين، وفي السنة الأخيرة بدأت أفكر بجدية في الدراسة بعد أن عرفنا أن في الأحساء افتتح المعهد العلمي، يلتحق به من يحمل الشهادة الابتدائية، التحقتُ بالمدرسة في سورية على أمل الحصول على الشهادة الابتدائية كي ألتحق بالمعهد العلمي حين العودة إلى الأحساء.

* وكيف بدأ اهتمامك في الحصول على المخطوطات؟

ـ تولد لدي هذا الاهتمام منذ سن مبكر، عند مكوثي في البحرين ثم في العراق وسورية، وحرصت على جمعها بشكل جاد، عندما رجعت من سوريا، اشتريت المخطوطات والمجاميع الأدبية والوثائق العقارية من تركات بعض علماء ومشايخ الأحساء بعد وفاتهم، حيث أول ما يتبادر في ذهن أبنائهم هو كيفية التخلص من الكتب والمخطوطات والأوراق، فكنت أذهب إلى أبناء المتوفى وأعرض عليهم شراءها، وأحيانا يكون الشراء بالمزايدة بين عدد من المهتمين بجمع المخطوطات، وبعضها لها قيمة أثرية فقط، وبعضها حصلت عليه من كهوف جبل القارة، لأن الناس كانت تضع المصاحف القديمة والأوراق التالفة في هذه الكهوف حفاظا عليها من الضياع والعبث، بعد أن تنقل من محاريب المساجد، حيث كان الناس يضعون كل ورقة مقطوعة من القرآن عند محراب المسجد، ولعدم معرفة القراءة إلا عند القلة، كان الناس ينظرون إلى الأوراق المكتوبة سواء كانت من المصحف أو غيره، بشيء من الهيبة والاحترام، وبعد أن يمتلئ محراب المسجد، يرفعون الأوراق ويضعونها في مكان معين في كهوف جبل القارة، سواء أهل القارة أو القرى الأخرى، وكنا نحن سكان الهفوف نقوم بذلك أيضا، أو يتم تذويبها في عيون الأحساء، وفي داخل كهوف الجبل عثرتُ على مخطوطات وأوراق أفادتني كثيرا في بحثي عن أسماء وتواريخ عدد من الشعراء والمشايخ، كما اشتريت بعض المخطوطات من خلال سفرياتي إلى محافظة القطيف، والبحرين والعراق وتركيا، وبعض المخطوطات لم استفد منها كثيرا، لأن أكثرها عبارة عن كتب منسوخة مثل كتب النحو، شروح الألفيات والأجروميات، وفي الفقه وأصول الدين، فقد كان المشايخ في الماضي يقومون بنسخ كل كتاب مطبوع يقع بين أيديهم، للاحتفاظ بنسخة منه خاصة بهم، ويستغرق هذا النسخ أكثر من شهر كامل، لعدم توفر الكتاب، وبعضها مجاميع أدبية تتضمن قصائد لشعراء كانوا مجهولين وغير معروفين.

* ومتى تفرغت لقراءة هذه المخطوطات والتوجه للتأليف؟

ـ منذ العام 1401هـ تركت العمل والتجارة بخياطة البشوت، وتفرغت للتأليف لأن البحث في المخطوطات يحتاج إلى صبر طويل وإلى تحمّل شديد، خاصة أن بعضها مكتوب بخط غير جيد أو واضح، وبعضها لا يحمل ترقيما للصفحات، بل هي مجموعة أوراق منثورة، تحتاج إلى قراءة متأنية، لتطبيق صفحات مع الصفحات التي تليها، وذلك يتطلب ترتيبها من جديد، ومن صفحات المخطوطات وكذلك الوثائق والحجج الشرعية، تعرفت على أزمنة المشايخ والعلماء والقضاة الذين كتبت عنهم، لاسيما وأن كثيراً من علماء المنطقة لم يؤرخ لحياتهم، وقد علمت عن أيامهم وحياتهم وأنسابهم بموجب هذه الوثائق الخاصة ببيع وشراء العقارات.

* وهل المخطوطات التي لديك تضم كل شعراء الأحساء؟

ـ هناك من شعراء الأحساء من ليس لديهم دواوين معروفة، بل لديهم شعر متفرق في المجاميع والحمد لله جمعت شعرهم في دواوين خاصة بهم فمثلا الشاعر مغامس بن داغر الأحسائي هذا من أهل القرن التاسع الهجري له شعر كثير متفرق، بعض رجال الأدب في العراق أعجب بشعره فاجتهد في جمعه في ديوان وكل الذي حصل عليه هو 15 قصيدة أما أنا ومن خلال كتب التراث في الأحساء فحصلت على 30 قصيدة هذا على سبيل المثال.

* وما هي أهم الكتب التي ألفتها؟

ـ كتاب مطلع البدرين في تراجم علماء الأحساء والقطيف والبحرين يقع في 12 مجلدا، طبع منه المجلدان الأولان، ومن هذا الكتاب استخلصت كتاب (أعلام الأحساء في العلم والأدب) منذ 900 هـ حتى أيامنا هذه وهو كتاب مخطوط، ومن الكتب المخطوطة التي لم تطبع، كتاب بعنوان (صحيح الأثر في تاريخ هجر)، وهو تاريخ سياسي ويقع في جزءين، وكتاب (معجم أعلام دول الخليج في العلم والأدب)، يقع في 4 أجزاء ويترجم للآلاف من العلماء والشعراء والأدباء لدول مجلس التعاون من العصر الجاهلي حتى أيامنا الحاضرة، وهو يشمل أعلاماً لم يتم الترجمة لها من قبل، وكتاب (معجم أنساب الأسر والعائلات في الأحساء) وكتاب (ديوان الأحسائيات) وهو مختارات شعرية لشاعرات الأحساء من العصر الجاهلي حتى أيامنا الحاضرة، وكتاب (كشكول الشاعر أحمد اللويمي) من شعراء القرن الثالث عشر الهجري وهو كتاب في الأدب كتبه اللويمي، وهو عبارة عن قصائد منوعة لشعراء محليين وعراقيين يقع في 400 صفحة، وكشكول (نزهة الناظر وسلوة الخاطر) وهو أربعة أجزاء، يشمل قصائد شعرية وحكايات ونوادر وبعض التراجم، وكتاب (المخطوطات في الأحساء) وهو عبارة عن فهرسة المخطوطة مثل التعريف بالمؤلف والناشر والناسخ ونوع الحبر ونوع الخط ومقاس الصفحة، وكتب أخرى أعدتُ كتابتها من جديد، منها مجاميع شعرية لشعراء المنطقة، شعرهم متفرق في مخطوطات كثيرة، وليس لهم دواوين شعرية، ومنهم الشاعر الشيخ مغامس بن داغر الأحسائي، وديوان شعر خاص لخمسة من شعراء السبعيين، وأسرة السبعي أسرة علمية برزت في القرنين التاسع والعاشر الهجريين.

* ولماذا التأخير في طباعة كتبك؟

ـ بموجب البحث المستمر اكتشف معلومات جديدة، وأحاول أن أستوفي الموضوع، كما أن طباعتها يحتاج إلى المال، وهناك محاولة لطباعة (أعلام الأحساء في العلم والأدب) في هذا الصيف، وفي نهاية العام الهجري الحالي نرجو أن نتمكن من طباعة الجزءين الثالث والرابع من كتاب (مطلع البدرين).

* وهل تتابع كل ما يؤلف من الكتب الحديثة عن المنطقة؟

ـ هناك كتب كثيرة تناولت تاريخ الأحساء خاصة في التاريخ وهي كتب كل منها يكمل الآخر، ومن هؤلاء المؤلفين الشيخ محمد العبد القادر وهو الرائد في التأليف عن الأحساء ونخلة عرابي وعبد الله الشباط والشيخ عبد الرحمن الملا وعبد الله السبيعي، كانت مؤلفاتهم مكملة للآخر، وهناك حلقات مفقودة عن تاريخ الأحساء، هناك عهود كاملة لا نعرف عنها شيئا مثلا إمارة (بني جروان) وهي أسرة حاكمة اسمها (بنو جَروان) ليس لهم ذكر في التاريخ سوى إشارة من ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة) ترجم لرجل منهم اسمه إبراهيم بن ناصر بن جروان ولولا ابن حجر لما عرف أحد من هذه الأسرة المالكة التي حكمت أكثر من قرن من عام 705هـ حتى 820هـ، ولهم أثر تاريخي عبارة عن نهر سمي نهر الجرواني يقع بين قريتي القارة والجبيل في الأحساء، ومن خلال المخطوطات والوثائق استطعت أن أتعرف على العديد من أمراء ومشايخ هذه الأمارة.

* ما هو مصير المخطوطات التي تمتلكها؟

ـ أفكر في عمل متحف خاص بها إذا مدني الله بالأجل وتوفرت لي الإمكانيات.