سلم الرواتب في السعودية طوال 50 عاما

TT

المسافة الزمنية بين قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 15 بالمائة وآخر زيادة في رواتبهم 25 عاما، كان الربع الأول منها غير مؤثر في حياة الإنسان السعودي، وطفت خلال الربع الثاني من تلك المسافة بوادر أزمة مستقبلية، وفي الربع الثالث من السنوات الـ 25 ظهرت مشكلة عدم ارتفاع الرواتب مع غلاء الأسعار للمواد الغذائية والبناء والعقار بصورة واضحة، وأسدل الستار على الربع الأخير من تلك المسافة بعد ازدياد المشاكل والمطالب بقرار الزيادة صباح أمس. ولكن تلك السنوات الـ 25 لم تكن البداية، بل هناك قصة لسلم الرواتب السعودي وبداياته ومراحل تطوره انطلقت في عهد الملك عبد العزيز، يقول الدكتور رشاد فرعون طبيب والمستشار الخاص للملك عبد العزيز في مذكراته «كانت رواتبنا تقدم لنا على هيئة حبات من الحبحب «البطيخ» ونذهب إلى السوق لبيعها ونحصل على المال».

وبجانب «البطيخ» أو كما يطلق عليه في وسط وشمال السعودية «الجح»، كان البلح أو التمر يمثل نفس القوة الشرائية، وهذا ما ساهم في تحويلها إلى رواتب، وبدأ التحول من الرواتب العينية إلى الأوراق المالية، كما يقول تركي فدعق الخبير الإقتصادي السعودي «بعد ظهور النفط في السعودية، تحول نمط التعامل والحياة في السعودية، وبدأ التعامل بالأوراق المالية، وكان للريال السعودي قوة شرائية، وذلك يعود لربط الملك عبد العزيز الريال بالدولار السعر المعتمد لبيع النفط».

وعاش السعوديون بعد ظهور النفط حياة جديدة، تكونت الإدارات، وسنت الأنظمة، وتواصلت مسيرة التنمية، مع التركيز على قوة الريال السعودي، حيث تراوحت الرواتب في تلك المرحلة مابين 70 إلى 100 ريال سعودي، وكانت توفر للمواطن السعودي كل احتياجاته.

ويعتبر فدعق أن مرحلة السبعينات الميلادية ومع إيقاف السعودية لتصدير النفط، الذي أدى إلى ارتفاع سعر البرميل من دولارين إلى 25 دولارا لها دور في إنشاء سلم للرواتب في السعودية، بقوله «الدخل الذي توفر للدولة بعد ارتفاع سعر برميل النفط، ساهم في ضخ أموال للدولة بصورة كبيرة، وتمثل تلك الفترة الركيزة الأساسية في تشكيل سلم الرواتب وتعديله».

واستمرت مراحل التوازن بين الرواتب وسعر السلع في عهد الملك خالد، بل مثل مبلغ 300 ريال من المبالغ المفضلة لدى المواطن السعودي لسد حاجاته، يكمل الخبير الاقتصادي تركي فدعق قصة الرواتب «في بداية الثمانينات بدأ الريال السعودي يفقد توازنه في ظل التغيرات الكبيرة والهامة في الاقتصاد العالمي بدءاً من ارتفاع سعر الذهب والنفط، وكانت البداية الحقيقية لأن يفقد الريال السعودي قوته الشرائية».

ومنتصف الثمانينات حتى 2005 والارتفاع يزداد في سعر المواد الاستهلاكية والمستوردة في نفس الوقت مع أهمية الريال، في ظل تنامي ظواهر أخرى كالبطالة، وضعف الرواتب في الوظائف الحكومية والخاصة. فالقطاع التعليمي في السعودية كان الحد الأدنى لرواتب موظفيه 3260 ريالا، والحد الأعلى 7000 ريال، مع علاوة سنوية تتراوح من 225 حتى 445، بينما يبدأ الحد الأدنى في رواتب موظفي القطاع الصحي تحت مسمى وظيفة (مستخدم) من 800 ريال، وموظفي القطاع العسكري من 2000 ريال.

وفي ظل تلك الرواتب كانت الزيادة تتضاعف في أسعار المواد الغذائية، ومواد البناء، والدهانات، وارتفاع أسعار البناء والإيجار في القطاع العقاري، مع ارتفاع في فواتير الكهرباء، والماء، والهاتف (ثابت، نقال). ويرى فدعق أن 15 بالمائة التي وجه بها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ستكون مساهمة في التقليل من تكاليف المعيشة السابقة، وأنها جاءت في وقت مناسب، مع ملاحظته بأن سلم الرواتب في السعودية يسير ببطئ.

هكذا بدأت ووصلت قصة سلم الرواتب في السعودية، تناقلت من «بطيخ» و«بلح»، إلى 80 ريالا تطعم عائلتين، حتى 300 ريال والتي توفر ما لذ وطاب من مواد غذائية في بدايات الثمانينات، ووصلت إلى 15 بالمائة التي ستساهم ولن تحل المشكلة كما يرى الكثيرون.