قلم الرصاص الخشبي الأسود بسدادته المطاطية المزنّر بطوق من النحاس الأصفر، رسم به الإنسان أولى شخبطاته على كراسة الحياة، ليتعلم الأبجدية الأولى لها في اكتشاف المعرفة، تتأرجح أصابع الطفولة الغضة بين القبض عليه أو اسقاطه، لترسم خطوطا مستقيمة ومنحنية في محاولة للتعبير عما يجول في خاطرها برسم بوهيمي لا تفك طلاسمه.
يعد قلم الرصاص الأكثر استخداما من غيره من الأقلام في العالم، يستخدمه الكثير من الناس في أعمالهم، فمن تلاميذ المدارس وأساتذة الجامعات، مرورا بالمهندسين في رسم تصاميمهم، وقد تم اختراع قلم الرصاص على يد الفرنسي «جاك كونتييه»، ومنذ ذلك الوقت شهد هذا القلم تغييرات وتطورات كثيرة، فأضيفت له السدادة المطاطية التي تمكن من محو الأخطاء أو تعديلها.
وقد شملت التغييرات شكل القلم، فبعد أن ساد الشكل الخشبي باختلاف الماركات التي قامت بتصنيعه، التي كان أشهرها «ماركة أبو تمساح»، الذي تعددت ألوانه من الأسود إلى الأصفر بخطوط سوداء، وهما اللونان الأكثر شهرة، راجت لفترة أقلام الرصاص المصنوعة من البلاستيك، التي حاولت الخروج من الشكل التقليدي بأن استبدلت مكان الممحاة لتضعها تاجا على رأس القلم بدلا من أسفله، وغيرت لونها من الأبيض إلى اللون الأحمر تارة أو الزهري الفاتح. محو الأخطاء ليس امتيازا للبشر، لكنها فلسفة اعتمدها صانعو قلم الرصاص، للتحايل على إمكانية محو أو تعديل الأخطاء، بالمزاوجة بين القلم والممحاة، التي توحي لقلة استعمالها على الشموخ والذكاء في التعلم السريع، وتجاوز الأخطاء وعدم تكرارها، إلى تلك المفارقة بين استخدام القلم والرصاص الذي يصنع منه، فرصاصة يطلقها القلم لتضيء شعلة فكرية، وأخرى تخرج من فوهة بندقية لتحيل شمس النهار إلى عتمة ليل. ويعتبر قلم الرصاص من أهم الأدوات الفنية التي يستخدمها الرسامون بشكل خاص، حيث يعد «الرسم بقلم الرصاص بوابة الروح لكل فنان»، بحسب تعبير الفنان التشكيلي طارق رجب. ومن أشهر الفنانين الذين برعوا في الرسم بقلم الرصاص الرسام «بيكاسو»، الذي يعد تلميذا من مدرسة الفنان العالمي «مايكل انجلو« في هذا المجال. ولأنها علاقة حميمية تلك التي تربط الكاتب بقلم الرصاص، فإن الأمر لا يخلو من متعة البوح عبر القلم الرصاصي التي تجعل الكلام ينساق معه ليطلق شذرات من عبارات يسطرها على أجندته أو قصاصات الورق، تحيل القلم من جموده إلى صديق يصعب البوح لغيره أو في أحسن الأحوال ناطق رسمي لمستخدمه.