بحث في تأجير الأرحام يوضح الجوانب الاجتماعية السلبية الداعمة للتحريم الشرعي

TT

يعتبر البحث الذي قدمه أستاذ علم اجتماع الأسرة في جامعة الملك عبد العزيز، الدكتور معن خليل العمر، في ندوة المجتمع والأمن، التي عقدت في كلية الملك فهد الأمنية في الرياض، تحت عنوان «جريمة استئجار الأرحام وأثرها في تفكيك الأسرة»، في رأي اللجنة العلمية لتحكيم البحوث في الكلية من الأبحاث الاجتماعية النادرة التي تناولت هذا التطور الطبي الحديث. وأشارت اللجنة إلى أن اغلب الأبحاث التي درست مسألة تأجير الأرحام، ناقشت الجوانب الشرعية ولم تشرح ارتباطها بالجوانب الاجتماعية، ما يوجد التباسا لدى الأشخاص الذين يرغبون في الإفادة من هذا التطور العلمي.

وأوضح العمر في البحث أن مسألة تأجير الأرحام جاءت على تقنية الإخصاب الصناعي، وذلك في العقد السادس من القرن الماضي.

ورأى الباحث أن استئجار الأرحام يخالف النواميس الاجتماعية والقواعد القانونية، لأنه لا يمثل نشاطاً طبيعياً بين الزوجين، حيث يتم فيه إشراك طرف ثالث أو رابع بما يخالف الطبيعة البشرية بين الزوجين. مبينا أن ذلك يمثل تعارضا مع قيم الأغلبية الساحقة في المجتمع، وينافي المبادئ الدينية. موضحا أن استئجار الأرحام يؤدي إلى التفكك الأسري بسبب ظهور مفاهيم مصاحبة مثل أحادية الوالدين أو أحادية الأم.

وجدد الباحث التأكيد على أن المشرعين في الاسلام أباحوا التلقيح الصناعي، الذي يتم إما بأخذ «مادة الاخصاب» لدى الزوج وحقنها في رحم زوجته، أو بوضع نطفة الزوج وبويضة زوجته في أنبوب الاختبار لتتم بعدها عملية زرع البويضة المخصبة في رحم زوجته نفسها. مشددا على شروط الإباحة، وهي أن يكون الزوج لا يزال على قيد الحياة، وعقد الزوجية قائم بينه وبين زوجته. لافتا إلى أن عملية استئجار الأرحام لها آثار سلبية عميقة في المجتمع، مثل تفكيك مفهوم الأمومة والأبوة، حيث ظهرت مفاهيم أحادية الأبوين والأم البديلة والأب البديل والأم المربية والأم المنجبة. وأوضح العمر أن الإسلام لا يقبل تحويل الطفل إلى سلعة.

وفي السياق ذاته، اعتبرت جهات إسلامية مسألة استئجار الأرحام في باب المحرم، لما لها من مخالفات شرعية، حيث اوضحت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية التي تتخذ من الكويت مقرا لها أن استئجار الأرحام داخل في التحريم المطلق.

واستندت المنظمة في فتواها الصادرة عن عدد من المختصين في مجال طب الولادة والإخصاب، الى أن الأم الشرعية هي التي حملت وولدت مصداقا للعديد من الآيات القرآنية في هذا الشأن وانه لا اعتبار لصاحبة البويضة.

أما الرؤية الفقهية التي تحرم الاستئجار، فتعتمد على مرتكزات شرعية ثابتة بالنصوص الصريحة، منها أن الإنسان لا يملك جسمه وروحه، وانه لا يصلح أن يكون محلا للعقد والاستئجار، وان الأصل في الفروج والأرحام التحريم والحظر إلا بعقد زواج صحيح، إلى جانب الخشية من اختلاط الأنساب، إضافة إلى تشابه استئجار الأرحام بعدد من نكاحات الجاهلية التي حرمها الإسلام. وبالنسبة إلى الرأي الطبي، فلم يبتعد كثيرا عن الرأي الشرعي، حيث أعطى إشارات تدعم الموقف القائل بالتحريم. فوفقا للمختص في طب النساء والولادة في صحة الرياض، الدكتور عبد العزيز بن مسلم اليارحي، الذي بين أن بعض علماء الدين والمتخصصين، فات عليهم أن بعض الصفات الوراثية تنتقل إلى الجنين من خلال الرحم. مبينا أن اعتقادا كان سائدا في السابق، يفيد أن الرحم مجرد حاضنة غذائية، لكن مع توسع عمليات استئجار الأمهات البديلات، أجريت أبحاث أفادت انتقال مورثات من الحاملات إلى الأجنة، ما يعارض موقف الإسلام في مسألة حماية الأنساب من الاختلاط.

وأضاف أن الدراسات أثبتت بشكل قطعي أن الحمض النووي الذي ينقل الصفات الوراثية ليس موجودا في نواة الخلية فقط، إنما في سيتوبلازم الخلية، وهذا الجزء من الحمض يتأثر بالبيئة المحيطة به في أثناء نمو الجنين في الرحم، فالأم المستأجرة تضيف بعض الصفات الوراثية على الجنين ما يجعلها لا تحمل صفات الزوجين بالكامل، بل يضاف إليها صفات الطرف الثالثة وهي الأم البديلة.

وحول حدوث هذا النوع من العمليات في السعودية، أشارت مصادر طبية إلى أن الأنظمة في السعودية تمنع مثل هذه الممارسات، لكن هناك من الأطباء من يسهل الوصول إلى مراكز طبية ومؤسسات في خارج السعودية لإجرائها إلى جانب المشاركة في عمليات التحضير لها من خلال الفحوص الطبية والمخبرية قبل التوجه إلى الخارج لإتمام العملية، موضحة أن هذا النوع من العمليات من السهل اكتشافها بالرجوع إلى السجلات الطبية مطالبة بتفعيل الجوانب الأمنية بالنسبة لإضافة المواليد، من خلال ربطها بالسجلات الطبية لكلا الوالدين، حتى يتسنى للجهات المسؤولة التأكد ممن تجاوز وأجرى هذه العمليات الممنوعة.