ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم تفتح النار على «ديانة» المحكم وأهليته الشرعية وازدواجية النظام الحالي مع نظيره بالغرف التجارية

مطالبات بتلافي أوجه القصور بنظام الربع قرن

TT

أثارت ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم التي احتضنتها العاصمة السعودية لليومين الماضيين، جدلا واسعا حول العديد من المواضيع المتعلقة بنظام التحكيم التابع للغرف التجارية، ونظيره التابع لوزارة العدل، كما ركزت الندوة على موضوع أهلية المحكم الشرعية، وديانته، وغيرهما من المواضيع ذات الصلة، والتي بعدت في فحواها عن عنوان الندوة، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من قبل الحضور.

وطالب أحد رجال الأعمال في مداخلة له، بما أسماه «تعليق جرس»، أحد نظامي التحكيم في السعودية، والذي يتبع أحدهما للغرفة التجارية الصناعية، والآخر لوزارة العدل، لتلافي الازدواجية بين عمل هذين النظامين، في حين أثار أحد الحضور قضية ديانة المحكم، في حال كان الطرفان المتنازعان غير مسلمين، الأمر الذي قابله رئيس الجلسة بإجازة أن يختار الطرفان المتنازعان غير المسلمين، محكما من جنسهما، من الناحية الشرعية، حيث يكون حكمه جائزا ونافذا، الأمر الذي قوبل بمقاطعات من قبل الحضور، حول تناغم ما طرحه رئيس الجلسة مع النظام السعودي من عدمه.

وكان جدلا واسعا قد نشأ، حول قضية الأهلية الشرعية للمحكم من عدمها، حيث انقسمت القاعة بين معتقدين بضرورة أن يكون لدى المحكم حد أدنى من العلوم الشرعية، وبين من يرون أن يرجع أمر الفصل في قضايا التحكيم لما أسموهم أهل الصنعة.

وفي ورقة عمل قدمها المحامي د. علي بن عبد الله البريدي عضو قائمة المحكمين السعوديين، أوضح فيها، أن التحكيم الحر المنبثق من سمات تنظيم التحكيم في البلاد ينقسم إلى نوعين، الأول، تحكيم حر أو فردي أو للحالات الخاصة، حيث يترك لأطراف النزاع تحديد إجراءات العملية التحكيمية الخاصة بهم، أما فيما يتعلق بالتحكيم المؤسسي، ففيه يعهد الأطراف إلى مؤسسة أو مركز تحكيم يعمل وفقا للوائحه وقواعده الخاصة لتتم عملية التحكيم من خلاله. وتثبت الإحصاءات الصادرة عن قسم التحكيم في غرفة الرياض، والأخرى الصادرة عن إدارة التوفيق والتحكيم في غرفة جدة، أن هناك عزوفا عاما من قبل المتنازعين، للجوء إلى التحكيم في المنازعات، ففي حين بلغت القضايا الحقوقية المنظورة أمام المحكمة العامة في جدة مئات القضايا وكذلك بالرياض، نجد أن عدد المنظورة تحكيميا لا تصل إلى الثلاثين، كما لوحظ غلبة القضايا المحالة من الديوان على غيرها من الجهات، وذلك للاختصاص التجاري المناط به حاليا.

وتكشف الإحصاءات الصادرة عن قسم التحكيم في غرفة الرياض، أن عدد القضايا المتداولة 15 قضية بمبلغ 3740 مليون ريال، في حين بلغت القضايا الواردة من ديوان المظالم 10 قضايا فقط، ومثيلاتها الواردة من المحكمة قضيتان، وثلاث قضايا واردة من وزارة التجارة، والقضايا التي حكم فيها ثلاث قضايا فقط.

وتوضح الإحصائية الصادرة عن إدارة التوفيق والتحكيم الصادرة عن غرفة تجارة وصناعة جدة، عدد القضايا الواردة من فرع ديوان المظالم والمحكمة العامة وفرع وزارة التجارة، حيث بلغ مجموعها الكلي 14 قضية، كما تلقت الإدارة 7 قضايا خاصة بالمقاولات، وقضيتي شراكة، و5 قضايا متفرقة، كما بلغت القضايا المتنازع بها سعوديون 13 قضية، وكان طرفا النزع سعوديا وأجنبيا في قضية واحدة فقط.

وفيما يخص واقع تنظيم تنفيذ أحكام التحكيم الدولي في السعودية، استند البريدي في ورقته إلى تعميم رئيس ديوان المظالم السعودي الذي روعي فيه، إسناد اختصاص تنفيذ الأحكام الأجنبية إلى الدوائر الفرعية في الديوان، واشتراط أن يكون حكم التحكيم صادرا في مسألة يجوز اللجوء فيها إلى التحكيم حسب الأنظمة السعودية، ووجوب توثيق المستندات الدالة على صدور الحكم ونهائيته وصحته، واشتراط أن يكون حكم التحكيم نهائيا، ورفض تنفيذ الحكم في حالة مخالفته للشريعة الإسلامية لأنها تشكل النظام العام في البلاد، وألا يكون قد فصل في موضوعه أو بين أطرافه بحكم نهائي من محكمة سعودية، وعدم النظر في موضوع الحكم الأجنبي، بل يقتصر النظر على التثبت من توفر الشروط الخارجية للحكم واللازمة لقبول تنفيذه في السعودية.وقد طالب المجتمعون أمس، بإدخال تغييرات على نظام التحكيم السعودي وتعديل الأنظمة الخاصة به، وهو الذي بدأ العمل به منذ ما يزيد عن ربع قرن دون إدخال التعديلات عليه.

وقد سعى المجتمعون من خلال تلك المطالبات إلى تلافي أوجه القصور في النظام الحالي، وذلك لمواءمة إجراءات التحكيم في السعودية مع الأنظمة الدولية، والتنصيص على إلغاء ما يتعارض معه من الأنظمة، وإيجاد معايير وإجراءات محددة، والتنصيص على استقلالية شرط التحكيم عن العقد، والنص على الإجراء المتبع في حال تخلف الخصم عن وثيقة التحكيم، ووضع ضمانات لاستقلالية المحكمين، والتنصيص على واجباتهم ومسؤولياتهم، وتنظيم الرقابة على التحكيم، وتفعيل التحكيم المؤسسي.

وشدد أحد المتحدثين في الندوة، على ضرورة أن يعمل القانونيون والمهتمون بشأن التحكيم في دول الخليج والبلدان العربية، على التبصير والتوعية بمزايا التحكيم كنظام لحل وحسم المنازعات التجارية بين الأطراف، والعمل على تنقيح ومراجعة الأنظمة والقوانين المتعلقة بالتحكيم في تلك الدول، حتى تتوافق مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية في هذا الشأن، وذلك تشجيعا للاستثمار بالمنطقة والمساهمة في تحقيق النمو والازدهار الاقتصادي، بما يحقق رفاهية الشعوب.