قمر الدين سيد العصائر في رمضان.. منذ العهد الأموي

TT

ما أن يهل هلال رمضان حتى تمتلئ خزانة التموين في المطبخ بكل ما يسيل اللعاب وينفخ البطون ويزيد وزن اللحم والشحم الذي يخبئ تحته ما يسمى بالعظم. وأكثر ما يلفت الانتباه في تلك الخزانات قوارير العصائر والجالونات التي تنفد في دقائق ما أن يؤذن المؤذن بحلول وقت الإفطار الذي يلتهم حينها كل ما على المائدة.

وعصائر رمضان التي تزين المائدة الرمضانية من التقليدية التي تصنع في البيت كالتمر الهندي والسوبيا وقمر الدين إلى العصائر التي عاشت مع السعوديين المعلبة مثل فيمتو وسانكويك وتانج وصولا إلى العصائر التي يقال إنها طازجة وخالية من المواد الحافظة والتي تملأ أرفف ثلاجات السوبر ماركت وأخيرا الهايبر ماركت كلها وجبات رمضانية تدخل ضمن إطار العادات والطقوس الرمضانية.

ملك العصائر الرمضانية «قمر الدين» الذي سمي بذلك نسبة إلى صانعه «قمر الدين» الذي كان يشبه القمر في جماله وكان يملك بستانا من المشمش في دمشق وهو الذي صنع العصير في رمضان، إلا أن الروايات اختلفت فهناك رواية تقول إنه كان يطرح في الأسواق مع رؤية هلال رمضان فسمي «قمر الدين» ورواية أخرى تنسبه إلى مدينة في الشام اشتهرت ببساتين المشمش اسمها «أمر الدين» ومع تدارج الكلمة على الألسن تحولت إلى «قمر الدين».

وقد اختلف في تاريخه فهناك من يقول إنها تعود إلى العصر الأموي وآخرون العباسي، والأجدر أنها أموية لأنها كانت معروفة في بلاد الشام قبل الفتح الإسلامي، وقد انتقل مع الفتح الإسلامي الى بقية البلاد، فمن بلاد الشام الى بغداد وسامراء ومنها الى القاهرة والشمال الأفريقي حتى الأندلس فقد كان المشروب المفضل لدى العلماء والفقهاء والشعراء.

وعصير «قمر الدين» عبارة عن رقائق مصنوعة من المشمش كان يصنعها أهل الشام لحفظ المشمش من الفساد والعفن فهو معروف بقصر موسمه، وذلك عن طريق تجميع حبات المشمش الناضجة في أحواض ثم يتم تنقيته من المواد العالقة من تراب ويغسل بالماء جيداً، ويقوم العمال بهرس حبات المشمش في غربال ثم تهرس يدويا ليتجمع العصير في حوض، ويصب من ثم العصير المشمشي في صحون كبيرة أو على ألواح ملساء ويترك ليجف في الشمس ويقطع بعد ذلك إلى قطع مستطيلة أو مربعة ويحفظ في أكياس بلاستيكية.

أما الطريقة الحديثة في تصنيعه فتبدأ بتعقيم حبات المشمش بالتبخير بثاني أكسيد الكبريت حتى تنضج ثم تعصر وتفصل عنها البذرة آليا ويضاف السكر ويجفف على رفوف الخشب بتعرضه للشمس وهذه الطريقة التقليدية في التجفيف لم يتم تغييرها كي يحفظ للمشمش نكهته ولونه، أما تحضير العصير في البيت فتقول السيدة سميرة عابد «تنقع رقائق قمر الدين في الماء المغلي ويضاف إليها لاحقا السكر وتقدم باردة».

ولعصير قمر الدين فوائد صحية جمة كما تشير إلى ذلك أخصائية التغذية آمنة مالك بمستشفى سليمان فقيه وتقول «إنه يزيل ألم الصداع، ويساعد على عملية الهضم، وينظم عمل الأمعاء، ويعالج الإسهال، ويعالج حموضة الدم والأنيميا ويزيد من مناعة الجسم، ويزيل الأرق ويقوي الأعصاب ويحمي الجسم من الإصابة بالأمراض القلبية ويعمل على تخفيض مستويات الكوليسترول في الدم ويمنع ترسب جزيئاته على جدران الشرايين».

وإذا كان «قمر الدين» ملك العصائر الرمضانية فإن عصير «التمر هندي» هو الوزير الرمضاني إذا جاز التعبير في ذلك. وقد تغنى وليد توفيق به عندما قال «يا تمر هندي.. يا أطيب مشروب عندي.. تقول سكر».

والتمر هندي موطنه الأصلي في أفريقيا الاستوائية، ويوجد أيضا في جنوب آسيا والهند، وشجرته كبيرة يصل ارتفاعها إلى حوالي ثمانين قدما، وثمرته تنضج في الخريف والشتاء شبيهة بالفول في فلطحتها، وكل قرن يحتوي على بذرة واحدة أو أكثر.

ويوجد التمر هندي في الأسواق على شكل عجين فهي نتاج تقشير وعجن لبها، وقد يضاف إليها قليل من عصير القصب لحفظها من الفساد، وبشراء تلك العجين يصنع الشراب المعروف بشراب التمر هندي.

أما طريقة صنعه في البيت تقول السيدة أم هاني «يغسل التمر هندي ويقطع الى قطع صغيره وينقع في الماء حوالي 6 ساعات وبعد ذلك يوضع مع مائه على النار ويترك حتى يغلى لمدة 5 دقائق ويصفى جيدا، ونضع السكر الى 12 كوبا من الماء ويخلط جيدا ونضعه على النار الهادئة، ويترك حتى يصبح الخليط سميكا، ثم يوضع عصير التمر هندي المصفى عليه ويبقى لمدة 5 دقائق».

ويحتوي التمر هندي كما تقول آمنة مالك أخصائية التغذية «على 0.06 في المائة من حامض الليمون و0.10 في المائة من حامض الطرطير، و0.08 في المائة من أملاح البوتاسيوم الحمضية، مع قليل من البكتين والتانين، و0.02 في المائة من الأملاح المعدنية وخاصة مركبات الفوسفور والمغنزيوم، و30 في المائة من السكر». وتوضح فائدته قائلة «يفيد في معالجة الكساح عوضا عن البرتقال والليمون ويخلص الدم من الحموضة الزائدة».