«المدريهة» ترسم فرحة العيد في عيون الصغار

TT

ما أن تطل بشائر العيد حتى تستعد البرحات في الحواري والأزقة القديمة لنصب «المدارية» والشقلبيات وغيرها من الألعاب، التي كانت «تتمحور حولها بهجة العيد وفرحته الصغيرة» كما جاء على لسان العم عبد الرحمن زكريا أحد الذين كانوا يقومون بنصب المدارية للأطفال في الأعياد. ولم تكن العيدية التي يستقبلها الصغار بفرح كبير إلا الثمن الذي سيدفعونه لقاء التحليق في الفضاء خارج حدود الزمان والمكان مغمضي العينين حالمين بالبعيد المقبلم.

«المدريهة» التي كانت متعة اللعب الوحيدة والأكثر انتشارا لأطفال الزمن القديم، لم يكن يتجاوز ثمن التحليق من خلالها إلى الأفاق الواسعة سوى عشرة قروش أو ربما كانت خمسة ـ بحسب العم عبد الرحمن ـ، فما أن يتهلل صباح العيد حتى تجد الصغار من الفتيان والفتيات قد ساروا نحو برحات الحواري للجلوس على مقعد المدريهة أو الوقوف عليه، إلى أن تعلن شمس الظهيرة وحرارتها اللاهبة فرمانات العودة إلى المنزل، ولتترك فسحة من الوقت للاستعداد لجولات التحليق المسائية.

بين التأرجح على «المدريهة» التي أخذت أطفال الزمن الجميل نحو آفاق بعيدة، والحدائق المنتشرة في الأحياء، تطل التغييرات التي أدخلها صانعو المراجيح برأسها، فمع كل التطويرات التي أدخلت على صناعتها، والتي تراوحت خامات تصنيعها بين الفيبر والحديد والألمنيوم إلى صناعتها من البامبو، فيما تتباين الأشكال المختلفة والعصرية لها، بين ذات المقعدين من البلاستيك أو تلك المربوطة بسلاسل حديدية لتقف سدا منيعا أمام طوفان العصرنة والحداثة، وحبال الأرجوحة التي تتقاطع بين السيدة المتأرجحة على الشجرة التي رسمها الفنان «جان فراغونار»، والعذراء الشابة المتعلقة بحبيبها في لوحة الربيع «لبيير أوغيست كوت»، لتحكي قصة الحب من حبال الأرجوحة.

يختلف الزمن لكن تظل للعيد فرحته، عند الصغار الذين ما إن يحل عيدهم حتى تأخذهم أقدامهم إلى حدائق الألعاب أو «الملاهي» الممتدة على طول المدينة وعرضها، والتي تنتشر في كافة المناطق، لترسم طعم الفرح من خلال الألعاب الكهربائية التي تمتلئ بها مدن الملاهي والمزودة بتقنيات حديثة منها تقنيات الحاسب التي تستحوذ على اهتمام الصغار، وفي الوقت الذي تشهد فيه هذه المدن ازدحاما شديدا، تبرز مفارقة ثمن بطاقة الدخول التي تصل قيمتها في بعض الألعاب لحدود الثلاثين ريالا لسرقة فرحة العيد، مقابل التحليق على «المدريهة» باتجاه الريح. تتنوع الألعاب في العيد، لكن تظل الأرجوحة ذات المقعد الخشبي البسيط والحبلين المربوطين بها التجسيد الوحيد لفرحة العيد في الذاكرة، فمن الأرجوحة ذات الوسادة المخملية العريضة التي تزين حدائق القصور ربما لإضفاء لمسة من عبق الماضي، فيما تظل الرومانسية التي يفترشها المقعد الخشبي، والحبلان المحملان برائحة وعبق الورود الزهرية، موصولة بدندنة البنات على المراجيح، وإيثار الصبيان لتحليقهن بعيدا عن حدود العادات والتقاليد، ولتكون الريح مطية لهن تثير الفرح وتطير مع أرجوحة الحياة التي تحاول منها الفتيات استشراف المستقبل المجهول بين دفعات الأرجوحة للأمام والخلف.