إقصاء المرأة عن مجالات عمل بحجة تعارضها مع طبيعتها البشرية نوع من أنواع التمييز

شيخة الثقفي: تعاني المرأة من ذكورية المجتمع

TT

والتقت «الشرق الأوسط» شيخة الثقفي، وتعمل في مجال التخطيط في شركة ارامكو السعودية، ولديها خبرة واسعة في أنظمة العمل.

> كيف تقيمون الظروف الحالية لعمل المرأة؟

ـ تعتبر الظروف الحالية، برأيي، أفضل من السابق. وهذا يعود الى عوامل محلية وعالمية. المحلية مثل حاجة المجتمع الى تنويع مصادر الدخل داخل الأسرة وارتفاع نسبة التعليم بين النساء. والعوامل العالمية ما يتعلق بتأثيرات العولمة والنمو الاقتصادي المضطرد للدول النامية، وثورة الاتصالات التي تجعل من الصعب عزل أي مجتمع عما يحصل من حوله. ولكن تظل نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل منخفضة جداً والزيادة تتم بنسبة بطيئة. إن ظروف عمل المرأة مرتبطة بمدى تطور المجتمع وانفتاحه، وهنا نذّكر بأن مجتمعنا لا زال أمامه الكثير في هذا المجال. وما يقلقنا اكثر من انخفاض عدد النساء العاملات بأجر، هو غياب المرأة أو تغييبها عن العمل في مجالات وقطاعات كاملة خدمية وإنتاجية بسبب العرف والتقاليد، وأيضاً غياب المرأة عن المناصب القيادية سواء في القطاع العام او القطاع الخاص والذي هو انعكاس لوضعها الدولي في المجتمع قانونيا واجتماعياً واقتصادياً.

> هل هناك قوانين كافية لحماية المرأة من التمييز في العمل؟

ـ أنظمة العمل هي منظومة من القوانين، تعمل بشكل متوازن لحماية مصالح العامل ورب العمل على حد سواء، وذلك لتوفير النمو الاقتصادي والأمن الاجتماعي. هذه التشريعات هي نتيجة تفاعل وتزاوج بين الأنظمة الدولية والثقافة المحلية لأي مجتمع. في حالتنا هذه تختلط تعاليم الشريعة بالعرف والتقاليد الى حد كبير.

> ماذا بشأن أنظمة العمل المحلية؟

ـ أنظمة العمل هنا ـ ومنذ إنشائها في الستينات من القرن الماضي ـ كانت متقدمة الى حد كبير من البيئة التي انبثقت منها. هناك على الأقل 10مواد تتحدث بشكل خاص عن المرأة. لقد وفرت بعض هذه المواد للمرأة حماية من التمييز، فالمادة (7) تنص على وجود مقاعد في جميع الأماكن التي تعمل فيها نساء وفي جميع المهن تأميناً لراحتهن، والبعض قد ينظر الى المادة كنوع من التمييز لصالح المرأة. بالإضافة الى حماية عملها وحقوقها في حالات الولادة.

> وهل ثمة مجالات للعمل لا تناسب طبيعة المرأة؟

ـ أرى إن إقصاء المرأة عن مجالات عمل لا تعد ولا تحصى ـ بحجة تعارضها مع طبيعتها البشرية او تعارضها مع الشريعة الاسلامية ـ هو نوع من أنواع التمييز المقنن ضد المرأة وله تأثيرات سلبية على نمو وفعالية الموارد البشرية. إن الأصل في الاسلام والنصوص الحديثة هو المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات وليس هناك نصوص قرآنية (على حد علمي) تنص صراحة على منع المرأة من ممارسة مهن معينة بحد ذاتها. ومنع المرأة من العمل في مجالات كثيرة يمثل عائقاً أمام ممارستها لحقها في المواطنة وخدمة المجتمع، وهذه الأنظمة بحاجة الى مراجعة منظور ديني واجتماعي، خاصة وأن اتفاقية الامم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي وقعتها المملكة تنصّ على منح المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل.

> هل ترون أن المجتمع السعودي (الرجل والمرأة) بدا جاهزاً لتقبل مشاركة المرأة في العمل سوياً؟

ـ نعم أعتقد أن المجتمع بشقيه جاهز لتقبل مشاركة المرأة في العمل منذ زمن طويل، بدليل مساهمة المرأة من كل الفئات الاجتماعية في سوق العمل منذ الستينات. ونحن هنا لا نتحدث عن نسبة معينة لانعدام الإحصائيات في أيدينا، ولكن يمكن القول بشكل عام أن المرأة كانت ولا زالت تعمل في المجالات الاقتصادية وفي مجالات العمل المنزلي، وفي الزراعة والرعي، والتعليم والصحة. وإذا كانت هناك فئة من الرجال يقفون ضد عمل المرأة فإن عددهم في انحسار، بسبب انتشار مساحة التعليم وتقلص الأمية. منذ أكثر من 50 سنة كانت جدتي تعمل من المنزل وتبيع ما تنتجه للجيران في الرياض لتحسين دخل العائلة.

> مم تعاني المرأة في علاقتها العملية مع الرجل؟

ـ اعتقد ان علاقات العمل بين الجنسين في بلادنا مشابهة لما هي عليه في دول العالم الاخرى. فعندما تسمح طبيعة العمل بوجود اتصال أو علاقات فإن هناك جوانب إيجابية وأخرى سلبية. وبعيداً عن التعميم وإعطاء صورة نمطية، فإن ثقافة الشخص وتعليمه ينعكسان على طريقة تعامله مع الآخرين من جنسه أو من الجنس الآخر.

> وماذا عن المرأة؟

ـ المرأة العاملة تستطيع بسلوكها وممارساتها السليمة لقيمها وأفكارها أن تؤثر على نظرة الرجل والمجتمع لها الى حد كبير والمرجو أن يركز الإعلام على النماذج التي تمثل قدوة، كما يمكن أن يسهم الاعلام وخطب الجمعة في تعميم الثقافة وتغيير الوعي المجتمعي نحو المرأة ودورها في المجتمع.

> ألا توجد نماذج سلبية؟

ـ طبعاً نحن لا نعيش في عالم مثالي او في مدينة فاضلة والحالات السلبية مثل النظرة الدونية وعدم الثقة بمؤهلات المرأة من قبل الرجل ومقابلة النظرة العدوانية للرجل من قبل المرأة تظل موجودة ويجب دراستها وتحليلها من قبل المختصين لمعالجة اسبابها والعمل على تفادي نتائجها.

> هل ترون أن حالات التحرش والإقصاء والتهميش حالات فردية ونادرة أم هي مظهر لذكورية المجتمع؟

ـ للأسف حالات التحرش والإقصاء والتهميش ليست حالات فردية وهي ـ كما ذكرت ـ مظهر لذكورية المجتمع. وستستمر هذه الحالات أو الظاهرة في ظل غياب أنظمة واضحة وصريحة وعادلة تمنع بشكل محدد وجود هذا الإقصاء المتعمد والتمييز. كما أن عدم تطبيق الموجود من الأنظمة هو أيضاً عائق أمام الخروج من هذا الوضع غير المتوازن. الأنظمة هي عقود اجتماعية وضعت لتنظيم علاقات الأفراد داخل المجتمع. وانعدام الوضوح وغياب الشفافية من هذه الأنظمة يبطئ في تطور المجتمع بشكل صحيح ومتوازن وفيه إهدار لحقوق نصف المجتمع. كما ان وجود عبارات مطاطية يمكن تفسيرها بمئات التفسيرات مثل عبارة (بشرط أن تناسب مع طبيعة المرأة ولا يتعارض مع الشريعة الاسلامية) أصبح كليشة يمثل تحدياً للمسؤولين عن التنمية وهي بحاجة للمراجعة مع أخذ رأي النساء.

> هل يقبل الرجل السعودي أن تكون المرأة رئيسته في العمل؟

ـ هناك من يقبل، وهناك من لا يقبل حتى خروج المرأة من المنزل، وهذا يعتمد على الخلفية الثقافية والتعليمية للرجل. والدين الحنيف يساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات (...) ولذلك فأني أعتقد أن المرأة اذا كانت مؤهلة وقادرة على ممارسة مسؤولية عملها فلماذا لا يقبل الرجل ان تكون هذه المرأة رئيسته في العمل؟! (...) قد يمنع العرف السائد بعض الرجال من تقبل هذا الوضع ولكن يجب ان ننظر الى هذا الرفض كحالات شاذة والوقت والتجارب كفيلان بتغيير المفاهيم المغلوطة.