ميناء العقير في الأحساء يتميز بتداخل مياه الخليج بالشواطئ الرملية

الجيوش الإسلامية انطلقت منه إلى الصين .. وشهد توقيع معاهدة السعودية والإنجليز

TT

تتجه التنمية العمرانية في الأحساء شرقا، باتجاه شاطئ ميناء العقير، الذي يبعد عن مدينة الهفوف 90 كيلومترا، حيث تعمل بلدية الأحساء إلى إعادة الحيوية للطريق البري القديم الذي كان يربط ميناء العقير بالاحساء.

والعقير أول ميناء تجاري على الخليج العربي حتى عام 1957، وهو من أجمل السواحل الشرقية على ضفاف الخليج، ويتميز بتداخل مياه الخليج بالشواطئ الرملية الضحلة وتنوع المظاهر الجغرافية وكثرة الرؤوس والخلجان، وهو الآن منطقة أثرية، به مبان قديمة ما زالت قائمة تحكي قصة ماضيه العريق وشواهد للعمارة السعودية، وهذه المباني هي الدوائر الحكومية التي شيدت في عهد الملك عبد العزيز. وقد شهد ميناء العقير انطلاقة جحافل الجيوش الإسلامية التي فتحت بلاد فارس والهند ووصلت إلى مشارف بلاد الصين، وربما جاء اسم العقير أو العجير، كما يسميه أبناء الاحساء، من اسم قبيلة عجير التي سكنت المنطقة خلال الألف الأول قبل الميلاد، ولعل أبرز الأحداث التاريخية المهمة التي شهدها العقير في التاريخ السعودي الحديث، نزوح العساكر العثمانيين من الاحساء في عام 1331، وعقد الملك عبد العزيز معاهدة العقير الشهيرة مع السير بيرسي كوكس، ممثل الحكومة الإنجليزية في 26 ديسمبر (كانون أول) 1915، وتنص المعاهدة على اعتراف الإنجليز بأن نجد والاحساء والقطيف والجبيل وتوابعها هي (بلاد بن سعود).

العقير الذي يبعد 200 كيلومتر عن مدينة الدمام، فرضة هجر من بلاد البحرين قديما على ساحل الخليج العربي، وهجر هو الاسم القديم للاحساء.

ويذكر أن بني محارب من القبائل الجاهلية قبل الإسلام وهم من بني عبد القيس، وينتسبون إلى العمور سكنوا هذه البلدة. ويذكر ياقوت الحموي أن العقير قرية على شاطئ بحذاء هجر، وتبعد عن مدينة الهفوف عبر الطريق التجاري القديم حوالي 40 كيلومترا. ووصف صاحب المناسك ميناء العقير بأنه فرضة الصين وعمان والبصرة. ويعد العقير ميناء جنوب نجد لأنه أقرب ميناء لها يرتبط بطريق بري قديم يعرف بدرب حوجان، يتجه من الاحساء إلى حرض ويتفرع إلى يبرين باتجاه جنوب الجزيرة العربية.

ويحاذي ميناء العقير جزر محاذية وهي جزيرة الزخنونية وجزيرة الفطيم. وقد زارتها البعثة الدنماركية كما يذكر جيفري بيبي عنها بعض الملاحظات في كتابه «المسح الآثاري الأولي بشرق الجزيرة 1971»، وفي كتابه «البحث عن دلمون»، والجرهاء حسب ما يذكره استرابو، أنها مدينة على خليج عميق يسكنها الكلدانيون من بابل، وقد ارتبط اسم العقير بالجرهاء، وفق ما كتبه المؤرخون في تحليلاتهم للنصوص القديمة.

والعقير حلقة وصل لمواقع أثرية مرتبطة بها، وبها مباني قديمة ما زالت قائمة كمركز الإمارة والجمارك والمسجد ومبنى الخان والفرضة، وقد قامت الوكالة المساعدة للآثار والمتاحف في عام 1413هـ، بتسوير المنطقة الأثرية وترميم بعض المعالم التاريخية بها وأجريت أعمال التنقيب وتوثيق لآثارها. ويعتبر العقير من الأسواق التجارية القديمة في فترة ما قبل الإسلام، وارتبط بسوق المشقر وسوق هجر، وتعرض فيه ألوان شتى من محاصيل بلاد العرب ومنتجات البلاد الأجنبية. وبعد دخول قبيلة عبد القيس في الإسلام ودخول هذه المنطقة طواعية في الإسلام، شهد ميناء العقير انطلاقة جحافل الجيوش الإسلامية التي فتحت بلاد فارس والهند ووصلت إلى مشارف بلاد الصين.

وقد لعبت العقير في فترة ما قبل الإسلام دورا مهما وقويا في التاريخ القديم، ويدل على ذلك الشواهد الأثرية التي اكتشفت بها. ويعتقد العالم المستشرق كارنوال، أنها موقع الجرهاء المفقود.

ويذكر ياقوت الحموي أن سابور ذي الأكتاف حين نقل العرب من شط الفرات، أنزل جماعة منهم في العقير. ويشير الباحثان وليد عبد الله الحسين وخالد أحمد الفرَيدة في كتابهما «العقير ميناء هجر وجنوب نجد»، أن العقير يرتبط بواحة الاحساء بطريق تجاري بري قديم شيدت عليه عدة قلاع وآبار للمياه من أهمها أم الذر وشاطر وبريمان وخوينج، وقد شيدت هذه القلاع لحماية القوافل التجارية وتزويدها بالمياه، إذ تقدر المسافة بين الاحساء والعقير بمسيرة يوم على الإبل، وتقدر عدد الأحمال التي تغادر ميناء العقير إلى الأحساء ما بين 250 إلى 300 حمل بعير، محملة من البضائع، حيث ترد من الهند والصين وإيران والعراق واليمن وحضرموت وعُمان، وتعود محملة بأهم منتجات الاحساء من التمور والدبس وفسائل النخيل وسعفها والصوف والمواشي ومنتجات الفخار.

ويوضح الحسين والفريدة أن العقير تتميز بكثرة الأسماك المشهورة بالجودة وطيب الطعم والنكهة، وذلك بسبب زيادة الملح في مياه الخليج العربي ونظافة المراعي البحرية وخلو الشواطئ من التلوث. وفي التاريخ السعودي الحديث شهد العقير العديد من الأحداث التاريخية المهمة، أبرزها نزوح 1200 من العساكر العثمانيين من الاحساء في عام 1331 بعد أن يسّر الله استرجاعها على يد الملك عبد العزيز، لكن الجنود عادوا مرة أخرى بعد أن كثر عليهم اللوم وطلبوا المعونة من الإنجليز، فاستأجروا سفنا ونزلوا العقير ليلا، لكن الابن الأكبر للمك عبد العزيز الملك سعود، تمكن من دحرهم وأسر منهم 30 رجلا، فبلغ الملك عبد العزيز الخبر وهو بالأحساء، فخرج إلى العقير وفك الأسرى وحمل باقي العساكر إلى البصرة على ظهر الباخرة جانكات، وقد استمرت أهمية العقير كميناء، إذ ازدهر في بداية الدولة السعودية وحتى عام 1365.

وبفعل تحول الطرق التجارية بعد اكتشاف النفط في بقيق والظهران، تراجعت أهمية العقير لوجود طرق حديثة معبدة وبناء ميناء الدمام كميناء قريب من منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية.

وتعمل بلدية الأحساء حاليا بشكل جاد إلى إعادة الحيوية للطريق البري القديم، الذي كان يربط ميناء العقير بالاحساء من الجهة الجنوبية من ناحية قرية الجشة، الذي يبلغ طوله 53 كيلومترا، وقد بدأت العقارات الواقعة على الشارع المتجه إلى العقير تشهد انتعاشا واضحا، لكنه بطيء بعد أن قامت بلدية الاحساء بتوزيع حوالي 16 ألف قطعة أرض كمنح للمواطنين وهي المعروفة بضاحية هجر، سعيا من البلدية لعملية تطوير ميناء العقير وعمله كمنتجع سياحي، وتعمل البلدية على الانتهاء من المراحل الأخيرة لعمل البنية الأساسية لإقامة أربع قرى سياحية، وسيتم طرحها للشركات المستثمرة بعد أن أنجزت الهيئة العليا للسياحة المرحلة الأولى من عملية تصاميم الشاطئ، وقامت بلدية الاحساء بالتنسيق مع شركة الكهرباء بإيصال خدمة الكهرباء للشاطئ، وإنشاء الطرق وإنارتها وعمل دورات المياه وممرات للمشاه وإنشاء 80 مظلة، وقد ساهم ذلك في زيارة لا يقل عن 3 آلاف زائر لشاطئ العقير في أيام عيد الفطر المبارك هذا العام.