سعوديون يحولون بيوتهم إلى متاحف تقدر بالملايين

معارض التراث.. مكملة للمناسبات الاجتماعية

TT

كانت سعادة علي محمد البومجداد لا توصف وهو يعرض مقتنياته الأثرية أمام الجمهور في معرض للتراث الشعبي أقيم في مجلس السماعيل في مدينة الهفوف بالأحساء، فهذه المقتنيات التي يمتلكها والتي كانت يوما ما تجارته أتاح لها هذا المعرض الذي ضم مصنوعات من الأواني النحاسية والأجهزة الكهربائية والميكانيكية القديمة كالراديو والكاميرات، و«المنافيخ» و«القدور» و«الدلال» و«المطاحن» أن تعرض للآخرين، وسمحت للجيل الحالي أن يشاركه فرحة الاستمتاع برؤيتها والتعرف عليها.

ويحتفظ البومجداد 70 عاما بهذه المقتنيات لشعوره التام بأن مجرد امتلاكها والاحتفاظ بها يعتبر ثروة كبيرة، لندرتها ولإحساسه بأنها أدوات حميمة قريبة إلى نفسه عاشت معه وعاش معها، ولا يمكن أن يفرط فيها، لأنها تحمل رائحة الماضي ويرى فيها طفولته وماضيه وماضي آبائه وأجداده، والسعادة نفسها تشاركه فيها مجموعة من كبار السن الحرفيين أخرجوا مقتنياتهم القديمة التي صنعوها بأيديهم للمشاركة في هذا المعرض، ومنهم النجار الحاج حجي على الناصر الذي عرض أدوات حرفته، والحاج طالب الحسن محنط الطيور والحيوانات وإبراهيم محمد الياسين شارك بكمية كبيرة من الفخاريات من تراث والده وجده وعبد المنعم صالح الحداد عرض أدوات قديمة متنوعة.

وأصبح عرض أدوات الصناعات القديمة مكملة لاحتفالات السعوديين ومناسباتهم الاجتماعية، فلا تكاد مناسبة اجتماعية تقام دون عرض لبعض الأدوات الشعبية القديمة، فأصبحت جزءا مهما بمثابة المشجع لحضور المناسبة كشيء من الترفيه يبعث البهجة والانشراح لمجرد رؤيتها والتفرج عليها، أو هي المكمل لكونها حفلة أو احتفالاً، فشركة أرامكو السعودية التي أقامت حفلها السنوي في منطقة معمل الغاز في الحوية في الأحساء رأت أن المناسبة لا بد أن تحتوي على عرض أدوات شعبية قديمة وبمشاركة حرفيين وألعاب شعبية بجانب العرضة السعودية للربط بين الصناعة القديمة والحديثة وبرنامج ترفيهي لموظفي الشركة الأجانب والسعوديين. ولم يقتصر حب التراث لدى السعوديين في إقامة مهرجانات لها في مناسبة معينة بل تعدى ذلك إلى اقتنائها وتحويل بيوتهم إلى متاحف شخصية تقدر بالملايين، ويسمح أصحابها للناس بزيارتها، فأصبحت مقصدا للعوائل في عطلتهم الأسبوعية للنزهة والترفيه، وأصبح مقصد الزائرين والسياح في مناسبات الأعياد والعطلة الأسبوعية، كما أنه مفتوح بشكل يومي لمن يحب أن يزور المتحف.

ويشير إبراهيم عبد الله الذرمان 60 عاما صاحب متحف شعبي أنه شرع في جمع الأدوات القديمة والتحف الأثرية منذ 25 عاما، قام بشرائها بمبالغ كبيرة من خلال سفرياته إلى مناطق السعودية ومن الدول العربية، وخصص 6 غرف داخل بيته لعرضها للزائرين.ويبين الذرمان ولعه بالتراث وحب جمع الأدوات القديمة منذ الصغر، إلا أن سنوات الطفرة المالية ساعدته في تنمية هذه الهواية، وتحولت من مجرد هواية وحب إلى التفكير في اقتناء الأدوات القديمة، حين هجر الناس صناعاتهم وحرفهم اليدوية وبيوتهم الطينية بعد أن أصبحوا من موظفي شركة أرامكو السعودية وشركة سكيكو والشركات الصناعية في مدينة الجبيل وغيرها من الشركات والمؤسسات، ويقدّر إبراهيم الذرمان قيمة متحفه الشخصي بمليوني ريال ونصف المليون.وليست هواية جمع الأدوات القديمة مقتصرة على كبار السن فالشاب وليد عبد الله الناجم 38 عاما لديه متحف شعبي كبير، خصص له بيتا بأكمله على مساحة 400 متر مربع بناه على الطراز القديم بالجص والحصى والكندل في تنظيم أدواته بشكل متناسق ومنسجم، وقد استطاع أن يجمع أدوات المتحف خلال 20 عاما، ويتكون متحفه من مجموعة من الغرف هي المجلس وغرفة العروس والمطبخ والليوان ومجلس نسائي وغرفة دراسية، بالإضافة إلى غرفة خاصة بأدوات الفلاحة والدرج القديم ومستودعات للقطع المتكررة، وبالإضافة إلى ذلك يحتوي المتحف على 15 دكانا شعبيا، تمثّل القيصرية أو معرضا صغيرا للصناعات الحرفية، وهي: النجار والصفار والحداد والمزيّن (الحلاق) والنداف والصيرفي والفخّار (الدوغة) والصائغ والخياط والخراز والقهوجي والقفاص والدوبي (الكوّاي) والخباز والبقالة ودكان لبيع الأدوات الجافة، ويذكر وليد الناجم أن متحفه يضم قطعا أثرية نادرة اشتراها بمبالغ غالية، تبلغ قيمة بعضها 12 ألف ريال، كما اشترى 4 دلال بقيمة 18ألف ريال، وتتنوع الأدوات معروضات المتحف بين أسلحة نادرة وأجهزة كهربائية قديمة وأوانٍ منزلية نادرة ذات أشكال غريبة· ويتجاوز عدد القطع في متحف الناجم عشرة آلاف قطعة اشتراها أثناء سفرياته من قطر ومصر والبحرين والإمارات والهند وأسبانيا وإيطاليا وتركيا وفرنسا، جمعها الناجم خلال عشرين عاما، ويقدر وليد الناجم القيمة المالية لمتحفه بثلاثة ملايين ريال.