الغزة حارة امتزج فيها حبر الطباعة بنقود الصيارفة

TT

أقصر الطرق المؤدية لبيت الله الحرام، قربها من المسجد المكي جعلها المنطقة الأكثر استقطابا للحجاج والمعتمرين في مواسم الحج والعمرة، الغزة المنطقة الصغيرة الواقعة بين سوق الليل وشعب عامر، إحدى ثلاث حارات مكية قديمة هي المدعى والمسفلة، شكلت أهم منطقة بجوار الحرم المكي، التي سكنها الكثير من أبناء البلد الحرام كونها همزة الوصل بين حارات كثيرة من أبرزها القشاشية الواقعة في الجهة الشرقية من المسجد الحرام التي كانت تدخل في المسعى من جهة الصفا، الغزة التي اكتسبت تسميتها كإحدى الحارات، التي كان يسكنها الحجيج الفلسطينيون في خمسينات القرن الماضي.

بافتراش الأرض المكتسية بالحجارة الصغيرة في داخل الأزقة الضيقة، أمام كل تلك الدكاكين التي كانت تميز بوابة الحرم المكي والتي تعد الأكثر استقطابا للحجيج، بين ضجيج الباعة والازدحام الخانق الذي كانت تعطره الأجواء الروحانية التي يمثلها صوت الأذان من مآذن الحرم المكي، والأصوات المتعالية والمختلطة بين توبيخ معلمي المدرسة الرحمانية داخل المسعى وضحك الطلاب التي كان من أبرز من درس فيها جلالة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز كما أشار لذلك المطوف جميل جلال، الغزة الاسم المستجد لمنطقة بأكملها بحسب تعبير جلال «تدخل الغزة وغيرها من الحارات القديمة مثل القشاشية والفلق والنقا والشعب ضمنطقة سوق الليل». البيوت ذات الأبواب الخشبية بنية اللون، التي تحتل نصف مساحة الحواري الضيقة، لتترك الباقي لعبور المارة عبر طرقاتها المتربة، لم تكن وحدها الميزة التي تميزت بها بيوت الغزة الكبيرة بأسماء قاطنيها من أعيان البلد الحرام، والتي كان يميزها الشكل الخارجي للشبابيك، بين الغولة والكبريتة يعبر زمن جميل كانت فيه الحشمة والحياء سيدة الموقف بحسب جميل جلال «الغولة هي عبارة عن ثقوب صغيرة في الشبابيك ولها أرفف توضع عليها الشراب، فيما تصنع الكبريتة من عصيان من الخصف توضع على شبابيك البيوت»، وبين الكبريتة والغولة تظل الرواشين الامتياز الحجازي للبيوت الغزاوية، والتي كانت تمثله بحسب تعبير المطوف جلال «من أبرز بيوت الغزة بيت عباس قطان أول رئيس لبلدية مكة الذي كان يحتفظ بالرواشين، لكن عملت لجنة الحج على استبدالها بأخرى من الألمنيوم مع أنها الوحيدة المتبقية من تراث البيوت المكية». على أول الزقاق الضيق الممتد تستقبلك بيوت الغزة التي برع صيارفتها في الاستفادة من مواسم الحج من آل عياد وسفر الذي يعد وزير الحج الأسبق محمود محمد سفر، الغزة التي أدمن أبناؤها ورق الطباعة الممزوج برائحة الخبز كما أوضح جلال «خرجت الغزة كتابا من أمثال عابد خزندار وأول كاتب عدل هو الشيخ إعرابي سجيني»، براعة الصياغة عند الغزاويين لم تتوقف عند حدود اللغة بل تجاوزتها لصياغة الذهب والمجوهرات التي برع فيها آل الريس والمصلي ليقلد آل بدر مشيخة الصاغة عن جدارة واستحقاق، كل ذلك صهرته بوتقة الصهبجية من خلال دانات المريعانية التي كانت تزين مساءات الغزة عبر «قهوة الحدود» التي كانت تفصل بين القشاشية والبيوت القديمة وسوق الليل ومنها على زقاق الحجر موقع بيت السيدة خديجة بنت خويلد.