حمى المقاطعة تثير جدلا في المنازل السعودية

TT

تحولت الابتسامة التي تعلو وجه أشهر بقرة دنماركية إلى تعبير عن الحزن وهي التي كانت تحظى بدلال مبالغ فيه، فقط لتحوز رضا الذواقة لأشهر زبدة حول العالم في الوقت الذي عملت فيه المحلات التجارية على إزاحة كافة المنتجات الدنماركية من على أرفف ثلاجاتها، نتيجة اشتعال حمى المقاطعة لها، ولأن غالبية المنتجات تدخل ضمن الأغذية التي اعتادت البيوت السعودية على استخدامها في أطباقها اليومية فإن المتضرر الأكبر كان العنصر النسائي، خاصة ربات البيوت. وحول ذلك علقت رانية عبد العزيز ضاحكة وهي تمد يدها لأخذ جبنة البقرات الثلاث من على أحد الأرفف «سأشتري آخر علبة من هذه الجبنة العزيزة على قلبي من قبيل المواساة في البقرة الأم». ومجالس النساء هذه الأيام بمختلف الوان الطيف الثقافي والعمري والمعرفي لا تكاد تخلو من الحديث حول حمى المقاطعة التي روجت لها رسائل الجوال وشبكة الإنترنت، فإيمان باوارث التي اعتادت أن تدلل نفسها صباح كل يوم على زبدة الرفاهية لورباك والتي بحسب تعبيرها «كثرة السفر جعلتني اعتاد على الإفطار الكونتننتال الذي أتصور أن أهم ما فيه الزبدة»، ولأن إيمان ليست مقتنعة بجدوى هذه المقاطعة معللة بقولها «نحن نحكم على الأمور منظور ديني وإيماني محض لأننا مؤمنون في حين أن هؤلاء قوم وجوديون يؤمنون بما هو موجود ومحسوس لديهم»، وأضافت قائلة «المسألة لديهم لا تخرج عن كونها حرية تعبير لا أكثر، ليست حملة ضد الإسلام كما يحلو للبعض أن يسميها».

وبين فكي داء النقرس الذي يحرمها من أكل البقوليات والسكري تحاول الخالة زينب التي تبلغ من العمر ستين عاما أن تتحايل عليه من خلال الوصفات الشعبية والطب النبوي بعيدا عن روشتة الطبيب التي تلزمها بالإنسولين الدنماركي بالذات لجودته كما قالت ابنتها رمزية عبد الرزاق »في أغلب الأحيان يكون السكر مرتفعا عند والدتي بشكل كبير مما يستدعي اخذ الأنسولين بصفة دورية»، وعلى الرغم من حاجتها له إلا أنها حاولت أن تلحق بركب المقاطعين نصرة للإسلام والرسول بحسب تعبيرها، وهي التي لا تكف عن متابعة الأخبار العالمية وبشكل يقل مثيله حتى بين ذوي الاهتمام والعلاقة، ولأنه لا جدوى صحية من مقاطعة الأنسولين قررت الخالة زينب أن تمارس أضعف الإيمان «سأرمي الحليب والزبدة في القمامة ولن آكل منها».

وبين من يؤمن بجدوى المقاطعة مثل دلال السمارة التي قالت »الحمد لله نحن لا نستخدم المنتجات الدنماركية أساسا باستثناء شراب sun top، وبالرغم من كونه المنتج الوحيد الذي يدخل بيتنا إلا أنه فور إعلان نبأ المقاطعة توقف دخوله، وفي الوقت الذي تمكنوا فيه من إيقاف هجوم السن توب تظل المداولات والنقاشات جارية حول حليب السعودية المشكوك في جنسيته برغم صراحة اللقب الذي يحمله في دهاليز بيوت بدأت تتعالى فيها أصوات بكاء الصغار التي لا يسكتها سوى طعم حليب السعودية، كما أشارت لذلك المعلمة علياء أبو ضبة التي عكفت منذ بدء الحملة التي شنتها وسائل الإعلام على مقاطعة كل منتج دنماركي إلا أنها وبحسب تعبيرها استدركت منذ فترة وجيزة قائلة «لن أقاطع بغباء»، وأرجعت ذلك إلى أهمية معرفة المنتجات الدنماركية التي يجب مقاطعتها. وفي الوقت الذي بدأت تنبت فيه بذور الشك حول بعض المنتجات السعودية مثل العصائر ومنتجات الألبان لتشملها حمى المقاطعة أوضح أحمد المرزوقي المسؤول في شركة سدافكو السعودية «المواد الأولية مثل البودرة التي يتم الارتكاز عليها في صناعة منتجات الألبان تأتينا من نيوزلندا وهولندا»، وعن حجم الضرر الذي أوقعته مثل هذه الشائعات على كاهل المصانع السعودية علق المرزوقي »الشائعات تسري بشكل سريع فيما تأخذ عملية إيضاح الحقائق وقتا طويلاً حتى يقتنع الناس»، إلا أن عودة الأمور لنصابها والخروج من بوتقة المقاطعة التي بدأها التجار تعتمد كما أشار المرزوقي على المستهلك الذي يملك حق الخيار وبحسب تعبيره «الفيصل في ذلك عامل الجودة والنوعية».

وحول تأييد سدافكو للمقاطعة أفاد المرزوقي «»نحن مع المقاطعة الواعية التي تجسدها المقاطعة الاقتصادية بدلا من حرق الأعلام والمظاهرات الغوغائية التي لا تقدم ولا تؤخر»، ومع احتمال أن تؤتي هذه المقاطعة ثمارها في ظل المقاطعين المنفذين تطل من خلف الشبابيك أصوات أخرى متواطئة تتذوق بطرف لسانها جبنة بوك وتطلق الطرف الآخر منه في هجمة كلامية لكل من يحاول القول بعدم جدواها دون أن تجبر على نسيان طعم الفيتا.