الملك عبد الله يطلق اليوم «جنادرية» تجديد الشباب والبحث عن وحدة الأمة

TT

تنطلق اليوم في العاصمة السعودية الرياض فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في دورتها 21، والتي تتضمن جملة من الفعاليات الثقافية والتراثية، تبدأ اليوم بسباق للهجن، وأوبريت وطني، على أن تبدأ الجنادرية فعالياتها الثقافية يوم غدٍ الخميس بندوة عن الشخصية المكرمة لهذا العام وهي شخصية الأديب السعودي عبد الله أحمد عبد الجبار، ويتضمن المحور الثقافي لهذا العام محوراً رئيسياً بعنوان «وحدة الأمة العربية والإسلامية ـ رؤية مستقبلية» وهو المحور الذي يستكمل موسوعة المحاور الفكرية الإستراتيجية التي بحثتها الجنادرية منذ انطلاقتها العالمية قبل عشرة أعوام.

وبدأت الجنادرية، وهي أكبر الفعاليات الثقافية العربية، في وقت كان العرب يألفون فيه مهرجانات أدبية ذات توظيف سياسي، مثل المربد في العراق، غير أن الجنادرية خرجت من طور التصنيف السياسي، لتصبح بعد عشرة أعوام من انطلاقتها حدثاً عربياً بارزاً للثقافة والفكر ومناقشة القضايا الراهنة، واستشراف المستقبل، وتطوير آليات الحوار بين الحضارات.

ومثلت الجنادرية في دوراتها الـ20 السابقة ملاذاً لمئات المثقفين والأدباء والشعراء العرب الذي يأتلف جمعهم في العاصمة السعودية لمناقشة القضايا التي تشغل اهتمامهم· وفي حين أغلقت المهرجانات العربية أبوابها، بقيت الجنادرية تشرع الأبواب أمام مختلف التوجهات الفكرية والثقافية، وفي مرحلة لاحقة استطاعت الجنادرية ان تصبح جسراً يربط بين الحضارات والثقافات حين أتاحت للمثقفين العرب الالتقاء على أرضها بالعلماء والمثقفين من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

ومعلوم أن الجنادرية بدأت في العام 1985، ولكنها بقيت سعودية الملامح، محلية المحاور والقضايا والمناقشات، تتناول القضايا التراثية والشعرية والدينية، عبر خطباء محليين، حتى عام 1995، وهو العام الذي وضعت فيه الجنادرية أقدامها على أبواب مرحلة جديدة، بعد أن تحولت من مجرد حدث ثقافي وتراثي لاستعراض المنجز الوطني، إلى حدث ثقافي عابر للحدود والثقافات، فكان محور تلك الدورة (الإسلام والغرب) وكان أهم حضور المهرجان المفكر الأميركي صامويل هنتنجتون، الذي أصبحت نظريته (صدام الحضارات) أحد أبرز المفارقات الفكرية بين الشرق والغرب، وأحدث صخباً فكرياً حول العالم، واستمع الجمهور السعودي ومعهم المثقفون والعلماء الى هنتنجتون وهو يشرح الأبعاد الفكرية لنظريته، محاولاً إحداث شكل من التوازن بين ما تتضمنه تلك النظرية وبين الأصداء التي أحدثتها في الخارج· وحضر المهرجان في تلك الدورة مجموعة كبيرة من المفكرين العالميين مثل، جيمس زغبي، ومراد هوفمان، ومايكل وولف، وخالد بلانكنشيب، وغيرهم، إضافة إلى طائفة كبيرة من المفكرين المسلمين.

واهتم المهرجان في دورته 12، بالخروج من نمطية التصورات المشتركة بين المسلمين والغربيين، فجاءت محاوره لتستكمل ما بدأته في الدورة السابقة، حيث ناقشت قضايا مثل: (نهاية التاريخ: ومراجعة ونظرة إلى المستقبل) و(مستقبل الإنسانية) و(الأسس المعرفية والفلسفية للرؤيتين الإسلامية والليبرالية) و( صورة الإنسان المسلم في الغرب وصورة الإنسان الغربي في العالم الإسلامي ) و(الاستراتيجيات الاقتصادية الغربية وعلاقاتها بالعالم الإسلامي ) و(الإسلام والديمقراطية).

بعد ذلك استجاب المهرجان للتحديات العالمية، كالحداثة والديمقراطية، والسلم العالمي، والتحديات الحضارية كالحوار بين الشعوب ولكنه وجد نفسه مدفوعاً بقوة لكي يتوقف أمام حدث عالمي كانت له انعكاسات فكرية وثقافية، وهي قضية الإرهاب.

وفي المحاور التي جاءت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) هيمنت قضايا الإرهاب والعنف والسلم الأهلي وموقف الإسلام من جماعات العنف السياسي، ودور الجمعيات الخيرية، لتسخن الجدل بين المثقفين، بعد أن ألفوا مناقشة قضايا الحداثة والأصالة والرواية والقصة والشعر قديمه وحديثه.

على الصعيد المحلي، كانت الجنادرية تمثل أيضاً فرصة للمثقفين السعوديين الذين يلتقون في أمسياتها بأسماء ثقافية وأدبية عربية، كما مثلت ليالي الجنادرية فرصة للمثاقفة بين السعوديين ونظرائهم من العالم العربي، لكن الجنادرية أيضاً شاهدة على تحول كبير في طريقة استجابة السعوديين أنفسهم للتفاعلات الدولية من حولهم، ففي حين كانوا يفتشون عن أسماء عربية للحوار حول القصة والشعر والإصدارات الجديدة والتعريف بمنجزهم المحلي، وفي حين كان السعوديون يتحلقون حول ضيوفهم من مصر ولبنان وسوريا والسودان، هيمنت خلال العامين الأخيرين القضايا السعودية الملحة على نقاشات السعوديين، وتحول الهم المحلي إلى شاغل يهيمن على جلساتهم ويسيطر على مناقشاتهم.

في أمسيات الجنادرية الأخيرة كان السعوديون يناقشون قضايا تهم وطنهم مثل قضية الإرهاب، وكان المثقف السعودي مدفوعاً برغبة التعرف على (الذات) والبحث عنها بعد أن أضناه البحث عن (الآخر)، كان الجميع يتساءل: ما الذي حدث؟، وجاء هذا السؤال الكبير بعد أن أحدثت التفجيرات والحوادث الأمنية التي شهدتها العاصمة وبعض المدن السعودية فعل (الصدمة) للقناعات والأفكار و(الدهشة) من ارتداداتها على منظومة هائلة من القيم، وكذلك انفضاح العديد من الشعارات ومروجيها الذين استفادوا بمنفعية من التسهيلات اللوجستية التي وفرتها الدولة والمجتمع، فارتدت عليها محاولة دك البنيان الفكري والسياسي والاجتماعي وتدمير القناعات التي بنيت عليها.

لقد مرت الجنادرية بمراحل من القوة والوهن، ولكنها على الصعيد العام حافظت على تألقها كموسم للثقافة والفن والأدب والشعر والمسرح، وفي حين كان المسرحيون والتشكيليون يتطلعون إلى أن تحدث الجنادرية فعل الإنضاج النوعي للفنين المسرحي والتشكيلي، وجدوا أنفسهم في جزر معزولة معرفياً عن العالم المحيط، ولا زال المثقفون السعوديون يأملون أن تخرج الجنادرية من أسلوب التنميط الثقافي، وأن تتموج مناقشاتها في قاعة الملك فيصل وفندق قصر الرياض إلى أرجاء البلاد الفسيحة، إلى أن تحدث تأثيراً على الأرض حتى لا تبقى مجرد فضفضة مثقفين أغلبهم يناقش قضايا لا تستهوي المواطن المحلي ولا تتفاعل معه.